مَن يريد «فرملة» الحوار بين حزب الله و«المستقبل»؟
د. وفيق ابراهيم
تُبدي مراكز المعلومات، المتعدّدة المصادر، قلقاً موضوعياً على فاعلية الحوار المنطلق بين حزب الله وتيار المستقبل، لبروز سلسلة مؤشرات سلبية من مواقع لها أوزان دولية وإقليمية، وتذهب في مجملها نحو واحد من أمرين: إما نسفُ الحوار من أساسه أو الاعتراض على توقيته.
وفي بالمقابل، هناك تيار مؤيد للحوار لكنه يتخوّف من تداعيات أي فشل له على صعيد رفع منسوب الاحتقان السنّي ـ الشيعي.
ينحصر رافضو الحوار ضمن فريقين: المهيمنون على المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والحركات السلفية التكفيرية، ما يثير استغراب المتابعين لاجتماع هذين العنصرين اللذين يفترض أنهما متناقضان.
ولمزيدٍ من التوضيح، فإنّ المحكمة الدولية هي نتاج أميركي ـ فرنسي، بتمويل أممي ـ لبناني، ويسيطر الغرب على مجرياتها، باعتراف كلّ الهيئات المتابعة، وقد فقدت صدقيتها القضائية بعدما أطلقت أربع اتهامات متعاقبة لأربع جهات مختلفة. فبدأت باتهام أطراف فلسطينية وبرأتها، ثم اتهمت تكفيريين وبرأتهم، كذلك فعلت مع ضباط أمنيين لبنانيين وجهات سورية وبرأتهم، إلى أن اتهمت أشخاصاً قالت إنهم ينتمون إلى حزب الله.
والطريف أنّ المحكمة، ومنذ تأسيسها، لا تتحرك إلا لإثارة الاحتقان السنّي ـ الشيعي ومواكبة أزماته، والدليل أنه ما كادت جلسة افتتاح الحوار تُختتم بين حزب الله و«المستقبل»، حتى سرّبت أجهزة في المحكمة شائعة عن احتمال تورّط أحد نواب الحزب في اغتيال الحريري، ودليلها المزعوم وجود رقم هاتفه الخلوي على الهاتف الخاص بأحد المسؤولين الأمنيين في حزب الله والمتهم بالاغتيال وهو مصطفى بدر الدين. أغريبٌ أن يكون لنائب في حزب الله علاقة بأحد القيادات العسكرية المرموقة في حزبه؟ هذا ما يؤكد أنّ الاتهام ليس بريئاً ولا قانونياً بل يستهدف رفع منسوب الاحتقان المذهبي، بما يلجم الحوار بين الجانبين. فمن هي الجهات صاحبة المصلحة في التعطيل؟
يُستبعد أن تكون واشنطن، لأنها لو لم تكن موافقة لما التأم الحوار، ويُرجَّح أن تكون مصادر فرنسية هي التي تقف وراء هذا التسريب، باعتبار أنّ باريس تضغط من أجل انتخاب رئيس لبناني موالٍ لها على قاعدة سحب المرشح الأوفر حظاً وهو العماد ميشال عون، وتقوم خطتها على أساس أنّ الشائعة تُضعف حزب الله وقد تكسر من حدّة تأييده لحليفه عون فيقبل بالخيار الفرنسي.
وبالعودة إلى السياسيات السعودية المعتمدة في المنطقة منذ خمسينات القرن الماضي، نلاحظ أنّها رفعت شعار «الأمة الإسلامية» في وجه الخط القومي وعبد الناصر والشيوعيين، وعندما تراجع عبد الناصر وسقطت الشيوعية، رفعت سلاح المذهبية في وجه الصعود الإيراني وأسّست للاحتقان السنّي ـ الشيعي، عبر تأسيس مئات المحطات التلفزيونية التي تعمل، من خلال برامجها ونشرات أخبارها، على تعميق الخلافات المذهبية والطائفية والعرقية، ما يوحي بأنّ مصدر الشائعة عن دور نائب في حزب الله في الاغتيال فرنسي ـ سعودي يريد، بموافقة أميركية، حشر حزب الله وفرض تنازلات عليه والتأثير على نفوذه اللبناني والسوري والعراقي والبحراني. نعم هذا هو الثمن الذي يطلبه المحور الفرنسي ـ السعودي لإقفال المحكمة الدولية، أو جعلها تعتبر القضية «ميؤوساً منها».
أما السلفيون التكفيريون فيعرفون أنّ أحد أهداف الحوار هو إعادة تيار المستقبل إلى بيئته الحاضنة، والتي أصبحت تناصر حالياً القوى السلفية التكفيرية، لذلك تستعدّ الأخيرة لتنفيذ عمليات إرهابية في شمالي البلاد وشرقي البقاع في عرسال ورأس بعلبك والقاع ومخيم عين الحلوة وأنحاء أخرى، بهدف تدمير الاتجاه التصالحي أو كبح جماحه على الأقل، فالمهم بالنسبة إلى التكفيريين هو الإبقاء على بيئتهم الحاضنة مستنفرة في وجه الشيعة لاستمرار تأييد الناس لهم، من هنا يُعتقد بأنّ هؤلاء يعملون بشتى الوسائل لتعطيل الحوار.
ويخشى أمنيون لبنانيون استغلال قوى التكفير فترة الأعياد لشنّ هجمات على طرابلس وصيدا وبعض أنحاء بيروت وهي مناطق ذات غالبية سنية ، وعلى بعض المخيمات الفلسطينية ومخيمات النازحين السوريين.
إنّ وقوع أي حادث أمني بين حزب الله وأطراف سنية سينعكس بسرعة على الوضع اللبناني ويسبّب تدهوراً في العلاقات الاجتماعية بين اللبنانيين وقد يعيدنا إلى مرحلة ما قبل المربع الأول.
ونسأل ببراءة أيضاً، من هي الجهات التي تقف وراء التكفيريين؟ ألم يسبق لوزير خارجية أميركا جون كيري ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن أن اتهما تركيا بدعم التكفيريين بالمال والسلاح والحدود المفتوحة والتغطية العسكرية؟ ألا يكفي هذا الأمر لتبيان علاقة التكفيريين بالقوى السعودية ـ القطرية وبتركيا التي تريد تعطيل الحوار بين حزب الله و«المستقبل»؟
هناك من يعتقد بوجود أجنحة في «المستقبل» لا تريد الحوار وتستند إلى قوى فرنسية تزودها بمعلومات تلحق ضرراً بمجرياته، ورأس هذا التيار موجود في السعودية وهو وزير خارجيتها سعود الفيصل ومندوبه في لبنان هو رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وهناك إحساس في لبنان بأنّ الرجلين متعاهدان ومترابطان على نسف أمور لا تنسجم مع تطلعاتهما التصعيدية وهما يشكلان صقور الاحتقان السني، والدليل أنّ السنيورة قال بخبث أنّ الحوار «هدفه توسيع المساحة التي تعمل عليها سيادة الدولة». قال ذلك بخبث للمسّ بحرية الحركة لسلاح حزب الله. هذا السلاح الذي أصبح وطنياً ولم يعد في الإمكان عقد أي صيغة تسووية عليه لأنّ وظائفه باتت إقليمية أيضاً.
هناك إذاً نقطتان غير مطروحتين حالياً للنقاش هما سلاح الحزب المرتبط بالصراع العربي ـ «الإسرائيلي» ودوره في سورية فهو يشكّل طرفاً أساسياً في الدفاع عنها في وجه التكفيريين والأتراك.
أما ملفّ الرئاسة في لبنان فمرتبط بمفاوضات الإقليم. لذلك فإنّ الشائعات «المشيطنة» لدور الحزب والهجمات المحتملة للتكفيريين، إنما هي وسائل ليست بعيدة عن الدور الفرنسي ـ السعودي، وربما الأميركي، لاستنزاف الدور الإقليمي للحزب، ومنع تخفيف منسوب الاحتقان المذهبي في المنطقة قبل التوصل إلى اتفاقات إقليمية. وكما رأينا، فإنّ المحكمة الدولية أداة سياسية في وجه الحلف الذي يضم إيران وسورية وحزب الله، إلى جانب القوى التكفيرية التي تلعب دور مفجر الوضع المذهبي والطائفي في المنطقة.
وأخيراً، فإنّ لبنان على كفّ عفريت، وخلاصه في قدرة قواه على التحرّر من اللعبة التكفيرية ـ الغربية. فهل هذا ممكن؟ الأيام المقبلة ستجيبنا، وإن كانت المؤشرات تنحو منحىً سلبياً.