حماس… والمصالحة المصرية القطرية

راسم عبيدات

واضح أنّ نقطة الافتراق الرئيسية بين محوري مصر- السعودية والإمارات، والمحور القطري التركي، المتمثل بـ«الإخوان المسلمين»، قد تمّ التغلب عليها، وخصوصاً لجهة العلاقة المصرية القطرية، وترميم العلاقات الخليجية- الخليجية. وقد لعبت كلّ من السعودية والإمارات والبحرين والكويت دوراً هاماً في تسوية هذه القضية التي كانت سبباً في عدم تطبيع العلاقات الخليجية- الخليجية، حيث سحبت السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي سفراءها من الدوحة، احتجاجاً على السياسة القطرية الداعمة والحاضنة لـ«الإخوان»، وكذلك عمليات التحريض التي قادتها وتقودها قناة «الجزيرة» القطرية ضدّ السعودية والإمارات تحديداً، وقد اتخذت الأخيرة إجراءتٍ قاسية ضدّ جماعة «الإخوان المسلمين» حليفة قطر، حيث اعتبرتها خارجة عن القانون وصنّفتها «إرهابية»، في سابقة عربية، وطال هذا التصنيف كلّ الجمعيات والمؤسسات المرتبطة بها في الخارج.

كذلك كانت العلاقات القطرية المصرية سيئة جداً بسبب دعم قطر لـ«الإخوان» وقيادتها حملة تحريض ضدّ النظام المصري واحتضان الدوحة الجماعة وقادتها الفارين من مصر ومدّهم بالمال والسلاح.

إنّ المتغيرات العربية والإقليمية والدولية، جعلت هذين المحورين يلتقيان مجدّداً، بعد أن أدرك الجميع أنّ «الجماعة» لها مصالح وأجندات تتناقض مع المصالح العربية، وأنّ جلّ اهتمامها هو السيطرة على الحكم في العالم العربي، بما يخدم مشاريعها ومصالحها، وليس مصلحة الأمة العربية. من هنا مارست السعودية والإمارات ضغوطاً على قطر من أجل تجاوز ورقة «الإخوان» وتحقيق المصالحة الخليجية – الخليجية والمصالحة القطرية – المصرية.

هذه المصالحات العربية أملتها مجموعة من العوامل، وفي مقدمتها شعور قطر بأنّ استمرار تمسّكها بدعم «الإخوان» واستغلالهم في تخريب العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات وليبيا وتونس وسورية وفلسطين، سيؤدي إلى عزلها وتهميش دورها عربياً وإقليمياً.

بالإضافة إلى ذلك، فقد ثبت بشكل ملموس فشل «الإخوان المسلمين» في القيادة بسبب سوء إدارتهم وفئويتهم وانغلاقهم وعدم اعترافهم بالآخر وانعدام قدرتهم على التعايش معه، حتى وصل بهم الأمر إلى محاولة إقصائه. وفي هذا الإطار أيضاً، رأت قطر أنّ استمرار العلاقة مع «الإخوان» من شأنه أن يزيد من خسارتها وعزلتها، وخصوصاً بعد فشل تجربتهم في مصر وتونس وليبيا وسورية.

إذاً، لم تعد ورقة «الجماعة» صالحة للاستثمار السياسي، حيث أنّ «المعلم» الأميركي المالك للقرار، بدأ يغير سياساته تجاه سورية ومصر، على ضوء الصمود السوري وبقاء نظام الرئيس بشار الأسد. فأميركا لم تعد تضع رحيل الأسد شرطاً للحلّ السياسي في سورية، وباتت أقرب إلى القبول بالرؤية الروسية الإيرانية – المصرية لهذا الحلّ. وأدركت قطر، بدروها، أنّ متاجرتها وتمسّكها بورقة «الإخوان» سيؤدّيان إلى فقدان تأثيرها على أكثر من ساحة عربية، وتحديداً الساحة الفلسطينية لجهة المصالحة والإعمار والنفوذ.

إنّ المصالحة المصرية القطرية، وبغضّ النظر عن خلفياتها ومنطلقاتها، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وقد تساهم في بناء موقف عربي موحّد، كما أنها ستمكن مصر من التفرغ لترتيب أوضاعها الداخلية وتتيح لها الفرصة لاستعادة دورها العربي والإقليمي والدولي، بمعاونة خليجية. فالمصالحة تعني توقف قطر عن دعم «الإخوان» وتقييد حركة قادة الجماعة على أراضيها، وأولى بشائر هذه المصالحة، تغيُّر نبرة قناة «الجزيرة» ومصطلحاتها، فبعد أن كانت تصفه، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، بـ«قائد الانقلاب العسكري»، ثم عقب انتخابه بأنه «أول رئيس منتخب بعد الانقلاب»، أصبحت القناة تسمّي الرئيس المصري «الرئيس السيسي»، كما جرى إغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر» التحريضية.

بالإضافة إلى ما ذكرت، فإنّ المصالحة ستعيد مصر إلى لعب دور بارز، مع دول عربية أخرى، في الصراع العربي «الإسرائيلي» الذي يراهن على انفراط عقد النظام الرسمي العربي. فالموقف العربي الموحّد قد يشكل عاملاً ضاغطاً على أطراف الصراع والانقسام في الساحة الفلسطينية فتح وحماس لاتخاذ خطوات عملية من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق مصالحة وطنية.

أما على صعيد قطاع غزة، فنحن نعلم أنّ جزءاً كبيراً من الأزمة بين «حماس» ومصر، مرتبط بالعلاقة التنظيمية والسياسية بين «حماس» و«الإخوان» المسلمين، ما أدى إلى توتر ليس في العلاقات «الحمساوية» المصرية فقط، بل المصرية الفلسطينية ككلّ. لذلك فإنّ إنجاز المصالحة من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الفلسطينيين في غزة، لجهة فتح معبر رفح البري واستئناف إدخال مواد البناء الخاصة بالمشاريع القطرية إلى القطاع حسب الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين والتي توقفت مع إغلاق المعبر على خلفية الأحداث في سيناء. يُذكر أنّ قطر تعهدت بدفع مبلغ مليار دولار في مؤتمر إعمار قطاع غزة، لذلك سيكون لها دور مهم ومباشر في ذلك.

وعليه فإنّ لهذه المصالحة أثر إيجابي كبير، بحيث تخفف من حدة الاحتقان وعدم الثقة بين النظام المصري وحركة حماس، وقد تمارس قطر ضغوطاً على الحركة في الدوحة من أجل تصحيح العلاقة بينهما، وهذا ما يهيئ الأجواء لاتخاذ السلطة الفلسطينية خطوات جدية للاهتمام بالأوضاع المعيشية لشعبنا في غزة، وخصوصاً أنّ الأموال التي جرى التعهد في مؤتمر القاهرة بدفعها، لم يصل منها سوى القليل القليل.

يبقى على حماس، على ضوء المصالحة المصرية- القطرية، مراجعة وتقييم سياساتها وعلاقاتها جدياً، مع حركة الإخوان المسلمين، وتغليب مصالح الوطن والشعب على الأيدولوجيا، وإلا ستجد نفسها في عزلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى