بين السيّئ والأسوأ والأكثر سوءاً

د. فايز الصايغ

خمسون عاماً ونحن ندعو إلى الوحدة العربية، وخمسون عاماً من الفشل، حتى تلاشت أفكار الوحدة كما تلاشى كُتّابها ودعاتها ومنظروها…

السيّئ في ذلك كله، أنّ الدول العربية أو أغلبها انخرط في المؤامرة على سورية علناً ونسف ميثاق الجامعة العربية الذي ينصّ على اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي أقرّت عام 1950 واتفاقية العمل الاقتصادي القومي عام 1980.

ينصّ ميثاق جامعة الدولة العربية في مقدمته على تعميق التعاون بين الدول العربية لصيانة الاستقلال وحماية السيادة. وفي الواقع لم تنجز الجامعة أية مبادرة ولم تنفذ أي بند، بل انخرطت في المال السياسي السعودي والقطري لكي يحافظ الأمين العام للجامعة ومحسوبوه وأزلامه على رواتبهم وامتيازاتهم ودورهم.

كلّ ذلك كان محمولاً وربما مقبولاً من قبل الدول العربية كافة، وكان الرهان على أنّ الجامعة في هيكليتها المتخلفة تبقى الهيكل العظمي الذي قد يستطيع عرب المستقبل أن يكسوه ببعض اللحم ويحقنوه بالقليل من الدم.

والأسوأ أنّ بعض الدول العربية، فضلاً عن دول مجلس التعاون النفطي، ساهمت علناً في تعزيز وتقوية وتشجيع وتدريب الإرهابيين الذين جاؤوا من مختلف أصقاع الدنيا لممارسة أبشع أنواع الإرهاب والقتل والتدمير وتكريس التخلف في سورية أرض الحضارات.

والأكثر سوءاً، أنّ جامعة الدول العربية التي تمّ شراؤها، مواقف وشخصيات، وربما البناء المطلّ على ميدان التحرير بمن فيه، لحساب الأميّة النفطية والجهل المدقع والتخلف الشديد، تحوّلت بميثاقها واتفاقية الدفاع المشترك واتفاقية التعاون الاقتصادي إلى آلة نسخ لقرارات وإملاءات تلك الدول بلا تردّد ولا استثناء.

كما أنّ الدول العربية التي كانت تسمّي نفسها دولاً تقدمية متنوّرة ومحسوبة على التيار الذي يسعى إلى تكريس العمل العربي المشترك، لاذت بالصمت واتسمت مواقفها بالجبن وتوارت وجوه مسؤوليها خلف رمال السعودية وقطر وبعثة منظومة أميركا في ما يسمّونه مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الانكفاء السياسي والعملاني وعدم القدرة على اتخاذ موقف واضح ومحدّد ومسؤول، عندما قرّرت دول المنظومة الأميركية تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية.

يبدو أنّ الحديث سيطول، كلما استطردتُ في التوصيف أو تسليط الضوء على الجوانب التي أدت إلى ما آلت إليه أحوال الجامعة العربية في زمن التخاذل العربي والانهزامية المشبوهة.

ما أريد الوصول إليه هو أنّ هذه السيناريوات و القفزات الدراماتيكية العربية باتجاه استهداف سورية، دفعت الكثيرين ممن كانوا يؤمنون بالوحدة العربية أو بمستقبل مختلف ومتجدّد ومتطور ومعاصر للأمة العربية إلى الانكفاء نحو سورية، انطلاقاً من قاعدة أنّ من يؤمن بالعروبة والوحدة العربية ينبغي أن يهتم بتحصين سورية، ومن يؤمن بالإسلام السمح وبالتعدّدية الفسيفسائية لمجتمع عربي عريق ينبغي أن يحافظ على سورية وأن يدافع عنها.

نعم أخذتنا المؤامرة وموقف العربان نحو سوريتنا ودقت أجراس العودة إلى الأصول والقواعد والركائز التي تشكلها سورية كحاضنة صلبة للعروبة والتنوع والانتماء والهوية والمقاومة التي لا تزال صامدة في وجه المشروع الصهيوني الذي يجري تنفيذه بسواعد عربية، بهدف تخريب سورية وإسقاط نظامها الحريص على العروبة وعلى الإسلام… للحديث صلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى