الطريق إلى دمشق…
جمال العفلق
خسرت الولايات المتحدة رهانها على من أطلقت عليهم اسم «معارضة سورية معتدلة»، كما فشلت في تلميع صورة ما يسمى «ائتلاف الدوحة»، حيث بقي هذا الائتلاف محلّ خلاف واختلاف. وبرغم المؤتمرات التي عُقدت تحت اسم «أصدقاء سورية»، ومحاولات كلّ من قطر والسعودية ومن خلفهما أميركا، فرض هذا التكوين الهزيل على المجتمع الدولي على أنه ممثل عن الشعب السوري، إلا أنّ كلّ تلك المؤتمرات والمحاولات لم تخرج عن إطار الاستعراض الإعلامي ولم تغيِّر شيئاً على الأرض.
واليوم، أجبرت روسيا بعد امتلاكها كافة أوراق التفاوض والتفويض من المجتمع الدولي بتبني خطة عمل سياسية، «الائتلاف» على الهرولة إلى القاهرة، في محاولة أخيرة لركوب القطار المتوجه إلى موسكو لضمان مقعد في اللقاء المزمع عقده، بصفته ممثلاً للمصالح الأميركية والسعودية والقطرية والتركية، وليس لأنه يملك قاعدة شعبية طالما تحدث عنها وادعى أنه مفوَّض بتمثيلها.
ونجدُ في بعض فقرات مسودة الوثيقة التي يتمّ التحضير لها بين هيئة التنسيق والائتلاف، أنّ هناك رغبة أميركية بحظر توريد السلاح إلى جميع الأطراف، بما فيها الجيش السوري. وتتضمن مسودة الوثيقة مطالبة بقوة حفظ سلام دولية وعربية، ما يُعدُّ انتهاكاً للسيادة السورية. فالشعب السوري مؤمن بأنّ السلاح الوطني الموجود في يد جيشه هو الوحيد القادر على فرض سلطة الدولة وإعادة هيبتها، إذا ما توقفت الدول الداعمة للإرهاب عن تزويد الإرهابيين بالمال والسلاح وعن تأمين خطوط الإمداد لهم من خلال دول الجوار مثل تركيا والأردن وجزء من لبنان من جهة الشمال.
واللافت أنّ الوثيقة لم تأتِ على ذكر «جبهة النصرة» المتعاملة مع «إسرائيل» أو «داعش» أو الكتائب السلفية، لجهة رفع الحصانة السياسية عنها، بل طالبت بإعلان عفو شامل يضمن عودة السياسين من الخارج من دون مساءلة، ما يضع أكثر من علامة استفهام على السياسين المقصودين بهذه العبارة. فكيف سيتقبل الشعب السوري من تورّط من السياسيين في سفك دمه ومن طالب صراحة بالتدخل العسكري الأميركي لضرب جيش بلاده؟ وكيف سيتقبل من أعلن صراحة أنه يعتبر «إسرئيل» دولة جارة وأنه يريد علاقات طبيعية معها؟
إنّ هذه الوثيقة، بما تحمله من بعض الإيجابيات، كلام حقّ يراد به باطل. فالقضايا السورية اليوم متشابكة ومعقدة، لكنّ محاربة الإرهاب تأتي على رأس الأولويات التي يجب البحث فيها. كما يجب أن تعلن المعارضة براءتها من الجماعات الإرهابية، والتي أصبحت معروفة لدى الجميع. فمحاربة الإرهاب يجب أن تكون الخطوة الأولى على طريق دمشق، ما يعني تعرية الداعمين الإقليميين لهذا الإرهاب، ومحاسبة الجهات المحسوبة على المعارضة والتي كانت الأداة التنفيذية للسعودية وقطر وتركيا في تشكيل الجماعات الإرهابية، وفق القانونين السوري والدولي على جرائمها.
ومن حقّ السوريين، المطالبة بتعويض عن الخسائر البشرية والمادية ومحاسبة من سرق معامل حلب وسهَّل انتقالها إلى تركيا، ومن سهَّل نقل النفط السوري وبيعه في السوق السوداء، والتعويض على الشعب السوري ممثلاً بحكومته، وفق القانون الدولي.
إنّ قرار هيئة التنسيق الجلوس مع «الائتلاف» يخصّها وحدها، لكن في ما يخصُّ دماء السوريين، فهي ليست مفوَّضة ولا يحقّ لها التفاوض أو التنازل، وخصوصاً أنّ مفاوض الائتلاف لا يزال يحمل أوراق الدول المعادية للشعب السوري.
إنّ إعلان دمشق الموافقة على جلسات تشاورية تبدأ من موسكو وتنتهي في دمشق، هو من أجل تذليل كلّ العقبات أمام الطرف الآخر لكي يُثبت حسن نواياه ووطنيته الغير مكبلة بمصالح المموِّلين. وهذه الموافقة، لا تعني توقف الجيش عن متابعة العمل الميداني في محاربة الإرهاب الوهّابي الذي لا يزال يناور من أجل سلخ المنطقة الشرقية وشمال سورية، لتشكيل «كابول» ثانية في المنطقة، تُبقي الحرب مستمرة وفق ما يخدم مصالح وأمن «إسرائيل».
ويثبت الإعلان عن مرور طائرات قامت برمي مساعدات لـ»داعش»، أنّ الولايات المتحدة وتحالفها الدولي المزعوم، يمارسان كلّ أنواع العهر السياسي من أجل تثبيت واقع ميداني يخدم الإرهاب الذي هو في الأساس صناعة بريطانية أميركية، بدأت مع «الإخوان المسلمين» وانتهت اليوم بـ»داعش» الذي سيكون أساساً لجماعة أخرى يُسوَّق لها اسمها «خرسان».