مجلس نواب 2014… «شي فاشل»

هتاف دهام

«شي فاشل». يمكن أن تكون الصفة الأبرز للبرلمان اللبناني خلال العام 2014. فقد تخلى بإرادته أو رغماً عنه عن الادوار المنوطة به، كما كل برلمانات العالم وهي التشريع والرقابة على أعمال الحكومة وتمثيل الشعب أمام الحكومة. لكن هذه المهمات لم يكن لها مكان في أجندة برلمان 2014 الذي مدد لنفسه في عام 2013، وتحول منذ ذلك الحين الى عاطل من العمل.

لقد ذهب المجلس النيابي في عام 2014 ضحية الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ بدء الأزمة السورية. كان البرلمان طوال الأشهر الـ12 رهينة سياسة المقاطعة والتعطيل التي اعتمدها فريق 14 آذار، والتي أثبتت أنه لا يريد لهذه المؤسسة أن تعمل أو تشرّع، انطلاقاً من الحسابات المذهبية التي انتهجها تيار المستقبل منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

لم تشهد القاعة العامة للمجلس النيابي هذا العام الذي ينتهي غداً حضور الـ 128 نائباً ولو لمرة واحدة. رياح الخلافات السياسية التي هبّت بين تيار المستقبل من جهة وحزب الله من جهة أخرى دفعت كلاً من معسكري 8 و 14 آذار والوسطيين الى الغناء كل على ليلاه، فكان انعدام التشريع.

قلة من النواب تحضر إلى مكاتبها، لمتابعة شؤون الناس، أو لحضور جلسات اللجان النيابية التي على سبيل المثال لجنة المال، لا يكتمل نصابها أو يطير فجأة لـ«غاية في نفس تيار المستقبل»، فيما آخرون، يسرحون ويمرحون في مقاهي ساحة النجمة، يتبادلون النكات، لا سيما مع انتهاء موعد كل جلسة تعقد لانتخاب الرئيس.

غابت رقابة المجلس عن عمل الحكومة التي مُنحت الثقة في جلستين عقدتا في 19 و20 آذار الماضي. اللجنة النيابية لمتابعة مسألة تنفيذ القوانين التي شكلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري برئاسة النائب ياسين جابر في الشهرين الأخيرين من السنة، «ما طلع من أمرها شي»، فهناك 60 إلى 70 قانوناً صدرت منذ سنوات متفاوتة ولم تطبّق، ومنها ما يتعلق بالفساد والغذاء والمياه وحماية المستهلك، الحدّ من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ، معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص، حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، قانون السير الجديد، وكثير من القضايا المطروحة، الوزراء يتصرفون وكأن لا سلطة فوق رؤوسهم. لقد عقدت اللجنة اجتماعات مع الرئيسين بري وتمام سلام، ووزيري الاشغال العامة غازي زعيتر والاقتصاد آلان حكيم، حصلت على التزامات من وزيري الاشغال والاقتصاد في ما يتعلق بالقوانين المتعلقة بوزاراتهم، إلا أن هذه الالتزامات لم تدخل حيز التنفيذ بعد. أعلنت اللجنة أنها ستعقد مؤتمراً صحافياً توضح خلاله أسباب تلكؤ الوزارات في تنفيذ القوانين، الا ان السؤال هل ستستمر هذه اللجنة في عملها؟ أم أنها ستفرط؟

تعطل دور المجلس في انتخاب رئيس للجمهورية، في ظل تشبث كل من الفريقين بمرشحه للرئاسة. جلسات انتخاب الرئيس التي كان يحضرها نواب 14 آذار والتحرير والتنمية واللقاء الديمقراطي، لم تضم أكثر من 70 نائباً على مدى الجلسات 16 التي دعا اليها رئيس المجلس، باستثناء الجلسة الأولى التي اكتمل فيها النصاب بـ 86 نائباً وانتهت بحصيلة 48 صوتاً لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع و52 ورقة بيضاء و16 صوتاً لهنري الحلو وصوت للرئيس أمين الجميل و7 أوراق ملغاة، أما الجلسات الـ15 فلم تكن أكثر من استعراض للعضلات.

لم يمل نواب «المستقبل» و«القوات» عن كيل التهم لحزب الله وتحميله مسؤولية الوضع الامني بسبب تدخله في سورية، ولرئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية. فكان الأخيرالحاضر الملك في تصريحات النواب ايلي كيروز، جورج عدوان، ايلي ماروني وستريدا جعجع، الذين لم يملوا من تكرار الاسطوانة نفسها أن الجنرال يرفض التنازل عن منطق أنا أو لا أحد.

وعليه، لمن يتذكر ديوانية النائب ميشال المر عندما كان وزيراً للداخلية في الصنائع، فإن هذه الديوانية كانت تجمع ما لا يقل عن 77 سياسياً، في حين أن «ديوانية» مجلس النواب لم تجمع أكثر من 70 نائباً إلا في جلستي التمديد والجلسة الاولى لانتخاب الرئيس. فالخلافات السياسية والنزاعات المذهبية، وسياسة ابتزاز الآخر، قفزت عند نواب التيار الأزرق فوق التشريع. صب تيار المستقبل جام غضبه على المجلس النيابي، بتعطيله الجلسات العامة المخصصة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، بحجج مختلفة، تارة أنه لا يجوز التشريع في ظلّ حكومة تصريف أعمال، تارة لا يجوز التشريع في غياب رئيس للجمهورية، وتارة أخرى لا يجوز إقرار السلسلة حرصاً على الاستقرار النقدي في البلد وعدم تعريضه الى انتكاسة.

وبناء على ذلك، طوى مجلس النواب عام 2014 صفحات اقتراح تعديل واستحداث بعض المواد القانونية الضريبية، لغايات تمويل رفع الحد الادنى للرواتب والاجور واعطاء زيادة غلاء معيشة، للموظفين والمتعاقدين والأجراء في الادارات العامة وفي الجامعة اللبنانية والبلديات والمؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل، وتحويل رواتب الملاك الاداري العام وافراد الهيئة التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي والاسلاك العسكرية، لم يقر البرلمان السلسلة حتى مقابل التمديد أو ما يسمّونه بتشريع الضرورة، ولن يقرّها في عام 2015 الا بصفقة سياسية، تبرّئ ذمة رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة من التهم المالية الموجهة اليه، تقوم على دفن الـ 11 مليار دولار، وتشريع الـ69 مشروع قانون المرسلة من حكومته المبتورة.

وفي مقابل كل ذلك، نجح مجلس نواب 2009 في التمديد لنفسه في عام 2013 وكرّر فِعلته مرة أخرى في عام 2014 وفق اقتراح القانون الذي قدمه النائب نقولا فتوش. المجلس الذي أصيب بـ«ذبحة قلبية»، كما وصفه أحد الاطباء في تيار المستقبل، في حاجة الى إنعاش فوري، فكان التمديد الذي لم ينهِ الأزمة إنما مدّدها. عرابو التمديد مدّدوا لمجلس غير منتج من دون الحاجة الى تشريع الضرورة المتمثل بسلسلة الرتب والرواتب والموازنة. اكتفى المجلس بالتصديق على 7 اقتراحات قوانين أبرزها القانون المعجل النافذ حكماً الرقم 14 والمتعلق بالإجازة للحكومة بإصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية، القانون المعجل النافذ حكماً الرقم 15 والمتعلق بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة قدره 340،000،000،000 ل.ل.

ولما كانت البلاد تعيش الشغور الرئاسي، فإنّ الانتخابات النيابية سلكت طريق الرئاسية. لم تجرَ الانتخابات. تيار المستقبل رفضها خوفاً من نتائجها. ورئيس المجلس الذي يصرّ على الميثاقية، رفض الانتخابات في غياب «المستقبل»، لأنّ مقاطعته تعني وصول الدواعش الى المجلس النيابي. لم تنتهِ تلك الجلسة من دون دعوة رئيس المجلس اللجنة المكلفة دراسة قانون الانتخاب لمعاودة اجتماعاتها والبحث في الاقتراح المقدم من النائب علي بزي والقائم على انتخاب 64 نائباً على اساس النظام الاكثري و64 نائباً على أساس النظام النسبي، إلا أنّ هذه اللجنة على مدار الجلسات الستّ التي عقدتها لم تتمكن من إحداث خرق بسيط في قانون الانتخاب. فلجنة الوقت الضائع التي تنتظر اتفاق حزب الله تيار المستقبل على قانون الانتخاب، كان النائب «القواتي» جورج عدوان عطل اجتماعاتها مطالباً رئيس المجلس بالدعوة إلى جلسة عامة للتصويت على المشاريع واقتراحات القوانين. وبناء على إشارة الرئيس بري في جلسة التمديد الى انه في حال لم يتمّ التفاهم على قانون انتخاب خلال مهلة الشهر سيدعو إلى جلسة عامة.

وعليه، فإنّ جلسات القهوة والشاي الصباحية، التي تمّ إحياؤها لإلهاء الناس عن التمديد علقت بالتزامن مع تأكيد الرئيس بري أنه لن يدعو إلى جلسة عامة قبل انتخاب رئيس للجمهورية، بناء على رغبة رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وتيار المستقبل، بغضّ النظر عن أنّ الرئيس بري ربط الانتخابات بزوال الظروف الاستثنائية، ولن يعقد جلسة لمناقشة المادة 24 من الدستور التي تؤكد المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.

لقد فشل مجلس النواب في عقد جلسات انتخاب رئيس للبلاد. فشل في إقرار قانون انتخابي في التمديد الأول، لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه. فشل في إقرار سلسلة الرتب والرواتب. فشل في الرقابة على حكومة الـ24 رئيساً، إلا أنه نجح بامتياز في امتحان التمديد لنفسه بالتصويت عليه من قبل فريقي 8 و14 آذار باستثناء نواب التيار الوطني الحر، وحزب الكتائب والطاشناق.

وعليه، فإنّ هذا السيناريو لن يتغيّر في العام 2015 إلا إذا أثمر حوار حزب الله تيار المستقبل توافقاً على تفعيل مؤسسات الدولة من حكومة ومجلس نيابي وكلّ ما من شأنه تسيير شؤون الناس ورئاسة الجمهورية.

hitaf.daham al-binaa.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى