حكومة الـ24 رئيساً: المحاصصة أبرز إنجازاتها
حسين حمّود
بعد شغور موقع رئاسة الجمهورية منذ أيار الماضي، أصبح للبنان 24 رئيساً من مختلف الطوائف والمذاهب. يحكمون بالتوافق وإلا باستطاعة أي رئيس بمفرده اسقاط أي قرار ولو تبناه زملاؤه الثلاثة والعشرون الآخرون، بمن فيهم رئيسهم جميعاً. انهم وزراء المصلحة. أو الضرورة الوطنية. عشرة أشهر مضت على ولادتها القيصرية ولم تسلم بعد من العواصف التي تنذر بإطاحتها. في كل ملف شائك تنشب معارك الكر والفر بين أعضائها ولا حكم بينهم سوى تأجيل الجلسات وبت الملفات موضوع النزاع، ومع ذلك استطاعت الحكومة ان تدير دفة الحكم وإن على حساب أعصاب رئيسها «طويل البال» لكنه في الآونة الأخيرة بدأ يعبّر عن استيائه وانزعاجه الشديدين من أداء بعض الوزراء. لذا يعوّل على الحوار الذي بدأ بين تيار المستقبل وحزب الله برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري علّه يخفف الاحتقان ليس المذهبي فقط بل الحكومي أيضاً. في حصاد العام الآفل إنجازات عديدة للحكومة كما كبوات وسقطات، كذلك أمامها استحقاقات في العام المقبل في حال استمرار التوافق المحلي والاقليمي والدولي على إطالة عمرها. فماذا حققت الحكومة وأين أخفقت؟
لم تكن ولادة حكومة «المصلحة الوطنية» سهلة. فعلى رغم ترشيح تحالف 14 آذار للنائب عن بيروت تمام صائب سلام لتأليف حكومة جديدة، تخلف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والمباركة العربية لا سيما من السعودية، التي حظي بها هذا الترشيح، ومسارعة قوى الثامن من آذار إلى مد اليد لابن المصيطبة، وتسميته رئيساً للحكومة في الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان، الأمر الذي جعل سلام ينال «نعم» كبيرة من 124 نائباً من أصل 128. على رغم كل هذه المعطيات الايجابية، استغرقت عملية التأليف نحو تسعة أشهر بعدما برزت خلافات بين الرئيس المكلف والقوى السياسية من 8 و14 آذار والتيار الوطني الحر حول توزيع الحقائب ولا سيما السيادية منها، ثم على مضمون البيان الوزاري للحكومة العتيدة خصوصاً ما يتعلق بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». واستمرت التجاذبات والمناكفات والكيديات في هذين الموضوعين، من مطلع نيسان 2013 حتى منتصف شباط 2014 تاريخ «التوافق المرّ» وإبصار الحكومة السلامية النور.
إشكال جديد: البيان الوازاري
لكن المشاكل «الجينية» للحكومة لم تنتهِ عند هذا الحد. فقد برزت إشكالات أخرى اثناء وضع البيان الوزاري الذي يحدد خريطة الطريق لمسار الحكومة، سياسياً وامنياً واقتصادياً واجتماعياً وغيرها من الأمور المتصلة بأداء الدولة. ونظراً الى انعدام التوافق السياسي بين مكونات الحكومة، وتحديداً في القضايا الاستراتيجية الكبرى وبالأخص في طريقة التعامل مع العدو «الاسرائيلي» وأطماعه وعدوانيته المتواصلة ضد لبنان، وفي شكل اوسع المشاريع الصهيو-أميركية المعدة للمنطقة وبدعم بعض الدول العربية لها ومنها من تلتزم قوى 14 آذار بتوجهاتها، برز الخلاف حول المقاومة ودورها في ظل هذه المشاريع. فكان البيان الوزاري عقبة أخرى استغرقت أشهراً لتذليلها والاتفاق على صيغة بديلة لثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في مواجهة الاعتداءات «الاسرئيلية». وبعد عشر جلسات فاشلة للجنة صياغة البيان، تم الاتفاق في 19 آذار 2014، على صيغة مشابهة للثلاثية مع تغيير المبنى لتصبح كالآتي: «… واستناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه، تؤكد الحكومة واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التشديد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للإحتلال «الإسرائيلي» ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة».
الوزراء الرؤساء
انطلاقة الحكومة بعد ذلك، لم تكن مفروشة بقرنفل المصيطبة. بل كادت الهزات التي تعرضت لها الحكومة ان تودي بها، لكن نَفَس سلام الطويل والذي برز كأحدى سماته أثناء رحلة التأليف الشاقة، جنب الحكومة السقوط حتى وصلت إلى أهم وأعقد وأخطر محطة في حياتها، وذلك بعد فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس سليمان الذي انتهت ولايته في 25 أيار 2014. خرج سليمان من قصر بعبدا منتصف ليل اليوم المذكور مخلفاً وراءه كرسي الرئاسة الأولى فارغاً، في الشكل أما في المضمون فقد عبأته الحكومة السلامية بإمساكها بصلاحيات رئيس الجمهورية ولتتحول بذلك إلى حكومة رؤساء جمهورية بعدد اعضائها الـ24. بيد أن تكريس هذه الصفة لم يكن سلساً، إذ كاد مرة أخرى أن يطيح الحكومة، وأصاب الشلل الحكم قبل أن يحسم هذا الأمر والإتفاق على آلية تسيير الحكم عبر المراسيم والقرارات الحكومية، وذلك بتوقيع الـ24 وزيراً مع رئيسهم مجتمعين كل ما يصدر عن الحكومة وفي مختلف المجالات والأصعدة ليصبح نافذاً. لكن هذا الاتفاق كان سيفاً ذا حدين. فمن ناحية أتاح لجميع المكونات السياسية والحزبية المشاركة الفعلية في القرار، أخل من ناحية أخرى بمبدأ الديمقراطية في الحكم إذ منح الأقلية، ولو كانت مؤلفة من وزير واحد، سلطة تعطيل قرار الأكثرية حتى لو اجتمع حوله 23 وزيراً! وكان من نتيجة هذا الأمر تجنب الحكومة الملفات الخلافية وفتح المجال واسعاً أمام المحاصصة في توزيع المناصب والغنائم في الدولة. وبرز هذا الأمر في التعيينات الادارية الواسعة التي أجراها مجلس الوزراء خلال سبع جلسات قصيرة جداً بعدما كانت مجمدة لسنوات.
وتجدر الاشارة إلى ان التعيينات شملت 40 وظيفة شاغرة في الفئة الاولى، حافظت الحكومة فيها على طائفية كل وظيفة، باستثناء 3 وظائف في وزارة الداخلية، وهي المديرية العامة للأحوال الشخصية، والمديرية العامة للادارات والمجالس المحلية، وهيئة ادارة السير والآليات، فيما لا تزال 33 وظيفة شاغرة. وأكد العديد من الوزراء ان هذه التعيينات هي أهم انجاز لحكومة «المصلحة الوطنية».
أما المراكز التي لم يتفق مجلس الوزراء على انجازها فهي: المدير العام للتنظيم المدني، رئيس هيئة اوجيرو ومديرها العام، رئيس مجلس الانماء والاعمار، المدير العام للطيران المدني، المدير العام لمؤسسة ايدال، الامين العام للهيئة العليا للاغاثة، المدير العام لوزارة المهجرين، المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية، الامين العام لمجلس النواب، المدير العام للشؤون العقارية، المدير العام للآثار، رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي، رئيس لجنة بورصة بيروت، المدير العام للطرق والمباني، المدير العام لتلفزيون لبنان ورئيس الهيئة المنظمة للاتصالات.
وعلى رغم اكتشاف الوزراء «الوصفة السحرية» لتسيير العمل الحكومي، فإن الطريق لم يخل من الكمائن ومعارك الكر والفر وحتى النكد، في عدد من الملفات أبرزها قضايا تتعلق بتمديد العقد مع شركة «سوكلين» ومطامر النفايات الصلبة وقطاع الخليوي وغيرها من الملفات. وقد تسببت هذه الملفات بعواصف حكومية شديدة ما دفع بالرئيس سلام إلى الهمس بداية بانزعاجه من أداء بعض الوزراء محدداً وزراء حزب الكتائب، ثم بدأ يجهر بهذا الانزعاج الذي تحول إلى استياء وعدم رضا عن عمل الحكومة محذراً من تراكم السلبيات واصفاً الوضع الحكومي بأنه غير مريح.
الإرهاب والمخطوفون والنازحون
إلا أن سلام يدرك هو والوزراء، ان تفجير الحكومة ممنوع حتى وإن ظلت على فوهة البركان وذلك بقرار محلي وإقليمي ودولي نظراً الى شغور موقع رئاسة الجمهورية، وشلل المجلس النيابي وبالتالي فإن انهيار الحكومة يعني سقوط جميع مؤسسات الحكم الدستورية ودخول البلاد في المجهول خصوصاً في ظل التحديات الأمنية الماثلة أمامها لا سيما خطر الارهاب الذي يمثله تنظيماً «داعش» و «جبهة النصرة» إضافة إلى قضية النازحين السوريين والأعباء الأمنية والاقتصادية المترتبة عليها.
ويسجل للحكومة في هذا المجال، قدرتها على الصمود والامساك بالأمن، في وجه الحروب الارهابية التي اشعلها في وجهها «داعش» و«النصرة» في عرسال وطرابلس وبالقرب من شبعا وما سبقها وتبعها من تفجيرات متنقلة مستهدفة المواطنين الأبرياء ومراكز الجيش، لتبرز لاحقاً قضية العسكريين الثلاثين الذين اختطفهم التنظيمان المذكوران بعد أحداث 2 آب في عرسال.
وفي هذا الملف برز تباين حكومي جديد حول سبل التعاطي مع هذا الملف وابتزاز الخاطفين للحكومة من خلال اشتراطهم مقايضة تحرير العسكريين، بإطلاق سراح عناصر ارهابية من سجن رومية. وتسبب هذا الموضوع في افتعال بعض الوزراء حروباً وهمية ضد وزراء آخرين لا سيما ضد حزب الله وتكتل التغيير والاصلاح واتهامهم بأنهم يعرقلون المفاوضات لتحرير الجنود بسبب رفضهم المقايضة، على رغم تأكيد حزب الله والتكتل أنهما ليسا ضد مبدأ المقايضة بالمطلق بل معها لكن بشروط.
وبعد هذا الاضطراب ألفت الحكومة «خلية أزمة» برئاسة سلام وعضوية وزراء الدفاع والداخلية والعدل والخارجية والمال وقادة الأجهزة الأمنية، أوكلت اليها مهمة الاشراف على ملف العسكريين المخطوفين. بيد ان البلبلة عادت مجدداً بعد دخول عدد من الوزراء على خط عمل الخلية ومنهم ما تواصل مع الارهابيين عبر وسطاء أوكلوا إليهم نقل الرسائل بين هؤلاء الوزراء والخاطفين من دون تكليف حكومي رسمي، وهذا أضاف إلى عوامل انزعاج رئيس الحكومة عاملاً جديداً صرح به علناً مبدياً استياءه من كثرة الطباخين في هذه القضية وهو الذي يريد حصرها بخلية الأزمة فقط لكنه عجز عن ضبط هذا الموضوع المعقد والشائك والذي لا يزال يراوح مكانه بعدما فشلت خلية الأزمة في إحداث أي خرق نوعي فيه.
وفي حصيلة حصاد حكومة «الضرورة الوطنية»، سقطات عديدة، لكن يسجل لها أنها اصدرت 800 قرار ومرسوم، في أربعين جلسة لمجلس الوزراء كان بعضها هدائاً لدرجة الملل وبعضها الآخر مملوء بالعواصف إلى حد التفجير. كما أنها أرست بعض الاستقرار السياسي على رغم السجالات الاعلامية بين الوزراء والجهات التي تمثلها كل كتلة وزارية. أما أبرز مهمتين لها في العام الجديد فهما اعداد الموازنة وإحالتها إلى المجلس النيابي، وموضوع استخراج النفط والغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة وإصدار المراسيم التطبيقة له والذي يبدو وضع على نار متوسطة.
حضور دولي من دون ترجمة
أما على الصعيد الخارجي، فقد حافظت الحكومة على حضور لبنان الدولي من خلال كثرة الزيارات التي يقوم بها الرئيس سلام ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل إلى الخارج والمشاركة في المؤتمرات الدولية طارحين فيها القضيتين اللتين تشكلان التحدي الأخطر على لبنان وهما الإرهاب والنازحين وحشد الدعم للبنان لمواجهة أخطارهما على وجوده، لكن لم يترجم شيء منه على الأرض.