بعد انهيار أحادية القطب عالمياً… حذار روسيا 2015!
إعداد: ليلى زيدان عبد الخالق
«لا، هذا ليس مفيداً لروسيا، إنما مضرّاً بها، ولست بحاجة إلى ذلك»، عبارةٌ أجاب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سؤال وُجّه إليه خلال مقابلة أجرتها معه وكالة «تاس» الروسية أواخر تشرين الثاني الماضي، مُستبعداً أن يبقى رئيساً لروسيا مدى الحياة.
بوتين الذي تولّى رئاسة روسيا بالوكالة في 31 كانون الاول 1999 عقب استقالة بوريس يلتسين، انتُخب للمرّة الأولى عام 2000، ثم أعيد انتخابه عام 2004. وخلَفه رئيس وزرائه الحالي ديمتري مدفيديف عام 2008، إذ يحظر الدستور الروسي أكثر من ولايتين رئاسيتين متتاليتين. وفي 2012، عاد فلاديمير بوتين إلى الكرملين لولاية صارت مدّتها ستّ سنوات واعلن الرئيس البالغ من العمر اليوم 62 سنة، أنه لا يستبعد الترشح عام 2018 لولاية رابعة تسمح له بالبقاء في السلطة حتى 2024. عندئذٍ، يكون بلغ الـ72 من العمر، علماً أنّ بعض أسلافه في الحقبة السوفياتية مثل ستالين وبرجنيف، قضوا وهم في الكرملين في سن الـ74 والـ75 على التوالي.
ومما قاله بوتين في المقابلة المذكورة: «نعم، من الممكن أن أترشح من جديد، لست أدري بعد إن كان ذلك سيتمّ أم لا. سآخذ بالاعتبار الظروف العامة وإحساسي العميق ومزاجي».
وردّاً على اتهامات المعارضة الليبرالية له بالاستئثار بكل السلطات وبتطبيق نظام متسلّط، قال بوتين إنّ الاعتقاد بأنّ الرئيس يقرّر كل شيء وأن الامر يتعلق به على الدوام… ليس صحيحاً.
وقال: «إننا أقوى من كلّ الآخرين لأننا على حق. القوة في الحقيقة. حين يكون روسيّ على يقين بأنه على حق، لا يمكن التغلب عليه. وفي الوضع الحالي، لا يساورني أدنى شك إزاء ذلك».
وردّاً على سؤال الصحافي عمّا إذا كانت روسيا تسعى إلى إقامة حواجز جديدة مع الغرب قال بوتين: «إننا لا نفعل ذلك ولن نفعله. ندرك ما سيترتب عن جدار حديدي جديد من عواقب كارثية بالنسبة إلينا. في بلدان أخرى، كانت هناك فترات حاولت فيها هذه الدول أن تعزل نفسها عن باقي العالم ودفعت الثمن باهظاً».
وقال: «لديّ جدول أعمال مشحون للغاية. حتى ابنتَيّ، أراهما بالكاد مرّة أو مرّتين في الشهر. إنّ أعباء العمل بحجم يجعل من المتعذر أن تكون لي دائرة أصدقاء كبيرة. تعلمون، لا أشعر بالوحدة، مهما بدا هذا الامر مستغرباً. لا أجري الكثير من اللقاءات الودية والتواصل، حتى مع الناس الذي أعتبرهم أصدقائي. لكن الوحدة أمر آخر على ما يبدو لي، ليست في عدم إمكانية التواصل، بل هي وضع نفسي. وأنا لا يراودني هذا الإحساس».
كلام بوتين المقتضب هذا يختصر حياة رجلٍ ملأ الدنيا وشغل الناس خلال السنوات القليلة الماضية، لينسحب إلى بلادٍ استفاقت كالعنقاء من كبوتها وسباتها، لتعيد نفسها رقماً عالمياً صعباً، يستحيل تجاوزه، في زمنٍ ظنّ العمّ سام أنّه استفرد بالقرار العالمي، ويفعل ما يشتهيه محافظوه الجدد.
في التقرير التالي، جولة بانورامية على أبرز ما تحدّثت به الصحافة الغربية والروسية عن التحدّيات التي تواجهها روسيا، وعن التصدّيات التي أذهلت بها العالم.
عام 2014 مضى إلى غير رجعة، ربما يذكره التاريخ من خلال سلسلة من الخطوات الروسية في عهد الرئيس الفولاذي فلاديمير بوتين، التي أوقفت ما سمّي أحادية القطب في القرار العالمي، لتقول للعالم أجمع في مطلع 2015: حذار روسيا.
لن يذلّونا!
قبل المقابلة المذكورة في المقدّمة بأيام، وخلال تصريحات أدلى بها خلال اجتماع عقده مع «جبهة الشعب الروسي» في منتدى في موسكو، صحّح بوتين مقولة أحد المتحدثين عندما قال: «إن الولايات المتحدة أرادت إذلال روسيا»، إذ ردّ: «لا يمكن للأميركيين إذلال روسيا، أو حلّ مشكلاتهم على حسابها».
وأضاف: «لم تنجح أيّ قوة أو كيان في التاريخ في السيطرة على روسيا ولن يحدث. ربما نجحت الولايات المتحدة في فرض سيطرتها على حلفائها، وهذه الدول ليست إلا أقماراً اصطناعية لواشنطن، ضربت بمصالحها القومية عرض الحائط من أجل مصالح الولايات المتحدة».
تصريح آخر يبرهن فولاذية هذا الرجل. هو لم يتبجّح، لم يهادن، لم ينحن أمام الهجوم الإعلامي الأميركي، بل فرض معادلةً صعبة تقول إنّ روسيا كانت عصيّةً على الإذلال وستبقى.
أسلحة «سوبر»!
وخلال تشرين الثاني من العام المنصرم، دأبت صحيفة «نيزافيسموي أوبوزريني» الروسية على نشر تقارير تسلّط الأضواء على التطور الكبير الحاصل في صناعة الأسلحة الفتاكة. ولا يخفى على أحد أنّ هذه التقارير أرعبت أعداء روسيا، ما جعلها «تفرمل» هجوماتها الإعلامية وتتريّث.
وتحت عنوان «سلاح الانتقام»، نشرت صحيفة «نيزافيسموي أوبوزريني» مقالا جاء فيه أنّ مهندسي معهد موسكو للتقنيات الحرارية أتموا إعداد تصاميم لقطار الصواريخ من الجيل الجديد.
ومن شأن قطار الصواريخ هذا بحسب الصحيفة أن يحلّ محلّ قطار الصواريخ «مولوديتس» الذي أُتلِف في تسعينات القرن الماضي بعد اتفاق مع الأميركيين. وأطلق على هذا القطار اسم «بارغوزين».
وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا قامت بتفكيك المجمّع الصاروخيّ الأخير على السكك الحديدية من طراز «مولوديتس» قبل 15 سنة، بناءً على اتفاقيات نزع الأسلحة الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة.
وكان إتلاف قطارات الصواريخ هذه شرطاً أساسياً لتوقيع الولايات المتحدة على معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية، إذ وافق الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين عام 1993 على تفكيكها، في ما اعتُبر آنذاك نصراً للولايات المتحدة التي خصّصت أموالاً لتفكيك هذا السلاح الروسي الخطِر، وقدّمت مرفقاً إنتاجياً يقوم بتنفيذ هذه المهمة مجّاناً.
ويصعب على الاستخبارات الأجنبية كشف قطارات الصواريخ تلك والتي بلغ عددها في عهد الاتحاد السوفياتي 12 قطاراً، كما كان يصعب على تلك الاستخبارات كشف تلك القطارات من الفضاء، وذلك لاستحالة التمييز بينها وبين آلاف القطارات العادية التي تسير في رحاب روسيا الشاسعة.
وحملت تلك القطارات آنذاك 36 وحدة صاروخية يمكن أن تنطلق منها الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في أي لحظة، الأمر الذي كان يثير الرعب في قلوب العسكريين الغربيين.
وتنقل «نيزافيسموي أوبوزريني» عن قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية سيرغي كاراكايف قوله إن صاروخ «بارغوزين» الذي يخطّط لتزويد قطار الصواريخ الجديد به سيقلّ وزناً عن صاروخ «آر إس ـ 26» الباليستي الروسي الحديث العابر للقارات. وهناك معلومات تدل على أنّ وزن الصاروخ لن يزيد عن 47 طنّاً. ويعتبر هذا الأمر مهمّاً جدّاً، علماً أن قطار الصواريخ السابق «مولوديتس» لم يزد مدى عمله عن 1500 كيلومتر لأن سكك الحديد الروسية لم تكن قادرة على تحمل صواريخ «مولوديتس» التي بلغ وزن الواحد منها 100 طن.
أما الصاروخ الجديد، فيمكن أن تتسع له عربة قطار عادية يبلغ طولها 24 متراً. ويمكن أن يسير القطار المحمل به على أيّ سكة حديد ويجتاز أيّ مسافة خلالها.
وتقول الصحيفة إن الأميركيين سيضطرّون لتشكيل مجموعة كاملة للأقمار الاصطناعية لمتابعة مسارات قطار الصواريخ الروسي الجديد. وتنقل الصحيفة عن وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولين باول قوله إن قطارات الصواريخ الروسية ستظل دوماً وجعاً في رأس البنتاغون الذي سيضطر لاتخاذ خطوات وتعبئة إمكانات خيالية بغية للتصدي لتلك القطارات الروسية الخطِرة.
كما نشرت الصحيفة في منتصف كانون الأول الماضي، مقالاً تحت عنوان «منظومة الدرع الصاروخية الروسية أفضل المنظومات في العالم». وجاء في المقال أن الحرب المعاصرة تقضي باستخدام شامل وجماعي للصواريخ المجنحة ضد أكثر أهداف البلاد ومنشآتها حيوية في المرحلة الأولية للعمليات الحربية، كما الحال في أفغانستان وليبيا.
ونقلت الصحيفة عن كبير مصممي شركة «ألماس ـ أنتاي» للدفاع الجوي بافيل كوزنيتسوف قوله إن الولايات المتحدة تجري الآن عملية إعادة تسليح بحريتها. ويقضي هذا البرنامج بأن تتوفر بحلول عام 2016 في حوزة الجيش الأميركي 6.5 ـ 7 ألاف صاروخ مجنّح حديث موجّه ضدّ روسيا، بما في ذلك 5 ألاف صاروخ مجنّح بحري.
وقال كوزينتسوف إن مثل هذا العدد من الصواريخ المجنحة يمكن أن يلحق خسائر لا تعوض بالقوات النووية الروسية بصفتها القوة الأساسية للردع النووي الروسي، مضيفاً أن التصميمات التي تنفذ الآن في الولايات المتحدة ستسمح بحلول عام 2020 بالانتقال إلى استخدام وسائل فرط صوتية لنقل الشحنات التقليدية والنووية. وضمنها برنامج تصنيع الوسيلتين فرط الصوتيتين من طراز «فالكون» و«إكس ـ 37».
وتقول الصحيفة إنه قد انتهت في الجيش الروسي المرحلة الأولى لإعادة تسليح أفواج قوات الدفاع الجوي والفضائي بمنظومة «إس ـ 400 تريؤومف» التي في وسعها تدمير الأهداف الجوية والفضائية على مدى 400 كيلومتر. وقد نُشرت أربعة أفواج مزوّدة بتلك المنظومات في منطقة الدفاع الجوي لموسكو والمنطقة الصناعية المركزية، إضافة إلى فوج آخر مزوّد بتلك المنظومات بدأ في مناوبته القتالية بإقليم «كراسنودار» جنوب روسيا. كما استكملت بحلول 1 كانون الأول الجاري عملية تشكيل منظومة الدفاع الجوي في شبه جزيرة القرم حيث تم نشر منظومات «إس ـ 300» للدفاع الجوي متوسطة المدى ومنظومات «بانتسر ـ إس 1» للصواريخ والمدافع قصيرة المدى.
وتشير الصحيفة إلى أن عملية إعادة تسليح الدفاع الجوي والدرع الصاروخية في الجيش الروسي تجري على قدم وساق. وسيبدأ عام 2015 إنتاج منظومات «إس 350 إي فيتيز» الحديثة للصواريخ متوسطة المدى. وتتفوق تلك المنظومات وفقاً لمواصفاتها التقنية والتكتيكية على كل مثيلاتها الأجنبية. ويمكن أن تحل محل منظومات «إس ـ 300» في الجيش الروسي.
أما منظومة «إس ـ 500» للدرع الصاروخية التي ينتهي تصميمها الآن فستتفوق بكثير على سابقتها «إس ـ 400». ويتوقع أن يبدأ استخدامها القتالي بحلول عام 2017.
وتورد الصحف بعض مواصفاتها التقنية والتكتيكية قائلة إن منظومة «إس ـ 500» تستطيع تدمير أهداف معادية على بعد 600 كيلومتر. وفي وسعها كشف 10 صواريخ بالستية فوق صوتية تتحرك بسرعة 7 كيلومترات في الساعة وتدميرها في آن واحد. كما أنها تستطيع مكافحة الرؤوس القتالية للصواريخ المجنحة فرط الصوتية.
وتستطرد الصحيفة أن القوات المسلحة الروسية تشهد الآن تشكيل منظومة الدرع الصاروخية والدفاع الجوي متعددة الأنساق، بما فيها وسائل كشف الأهداف في الفضاء ووسائل تدميرها في الجوّ على شتى المسافات، ما يدفعنا للقول إن المنظومة الروسية للدرع الصاروخية والدفاع الجوي ستكون في القريب العاجل أفضل المنظومات في العالم.
اعترافات
وفي تشرين الثاني أيضاً، أدلى رئيس الوزراء البريطاني السابق والمبعوث الخاص للّجنة الرباعية في شأن أزمة الشرق الأوسط توني بلير، بحديث لصحيفة «وول ستريت جورنال»، حول تعاون الغرب مع روسيا في تسوية المشاكل الدولية.
واعترف بلير بأن روسيا لاعب مهم في المحافل الدولية، ودعا الغرب إلى التعاون معها في شأن مواجهة التطرّف الإسلامي، من دون النظر إلى الأزمة الأوكرانية. من جانبها تدعو روسيا إلى تسوية الأزمة السورية دبلوماسياً.
دعوة بلير هذه تتعارض وموقف أوباما، الذي يضع روسيا إلى جانب حمّى «إيبولا» و«داعش» الذي يتهدد الأمن العالمي.
بحسب رأي بلير، «إنّ التطرّف الإسلامي الذي نواجهه يشكل تهديداً بعيد المدى للأمن. لذلك من الضروري أن يتعاون الغرب مع الكرملين في هذا الموضوع لأن روسيا تبقى لاعباً مؤثراً في حل مشاكل معينة، من بينها الشرق الأوسط. ومن الصعب من دون روسيا تسوية الأزمة السورية».
وأشار بلير في حديثه إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، إلى أن الأوضاع الدولية الحالية معقدة جداً، لذلك على الغرب أن يكون مستعداً للتعاون مع موسكو في قضايا معينة واتخاذ موقف متشدّد في أخرى.
وقال المبعوث الدولي: «بوتين قومي روسي، ويؤمن بروسيا قوية، وندّد علناً بتفكّك الاتحاد السوفياتي. وإن الشعارات القومية تحظى بالشعبية في روسيا. أنا أعتقد انه بوتين مع الوقت توصل إلى استنتاج، مفاده، أنّ الغرب والولايات المتحدة يعملان ضدّ مصالح روسيا. لذلك من وجهة نظري يجب توخي الحذر في شأن تفسير ما يجري في روسيا حالياً».
وتتخذ روسيا على هذه الخلفية، اجراءات لإعادة تشغيل الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة السورية. من هذا المنطلق دعت روسيا مسؤولين سوريين رفيعي المستوى من السلطة والمعارضة إلى موسكو، لضمان اتصالات بين الطرفين، وتوضيح انه من دون نظام الأسد لا يمكن الانتصار على «داعش».
وبحسب مصدر في الخارجية الروسية، تتحمل السلطات السورية العبء الأكبر في محاربة «داعش». لذلك من دون التنسيق معها في ما يسمى عمليات مكافحة الارهاب التي تقودها الولايات المتحدة ستكون نتائجها محدودة. إن خطر الارهاب موجه كما للسلطة كذلك «للمعارضة المعتدلة».
من جانبها أشارت مصادر صحافية إلى أن كل هذا يمهّد الطريق إلى عقد مؤتمر «موسكو ـ1» بدلاً من «جنيف ـ3». وهذه المبادرة تتبنّاها القاهرة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة في شأن سورية، ستيفن دي ميستورا. بموجب هذه الخطة، سيرأس وزير خارجية سورية وليد المعلّم الوفد الأول إلى هذا المؤتمر، والوفد الثاني سيضمّ معاذ الخطيب وممثلين عن المعارضة. الهدف من المؤتمر تشكيل حكومة انتقالية، تكون مهمتها إجراء تعديلات دستورية جذرية، وبعد مضي سنتين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
أوكرانيا والاتحاد الأوروبي
وفي ظلّ الاعترافات، لم يكن الوقت طويلاً حتّى نشرت صحيفة «تلغراف» البريطانية مقالاً لمعلقها السياسي كريستوفر بوكير، يعتبر بمثابة اعتراف، بأنّ من جلب الويل على أوكرانيا ليس بوتين نفسه، إنما الاتحاد الأوروبي. ويشير بوكير إلى أنّه من الأحداث التي تثير الاشمئزاز في السنة التي اقتربت من نهايتها، كان تشويه الحقائق في الغرب في كل ما يمسّ أوكرانيا وروسيا. فكل شيء كان يطرح وكأن سببه «الدكتاتور» الروسي فلاديمير بوتين، الذي قارنته هيلاري كلينتون وأمير ويلز، بهتلر، لأنّه ضمّ القرم وحرّض على الانتفاضة في جنوب شرق أوكرانيا. ولكنهم يسكتون تماماً عن دور الاتحاد الأوروبي، المسبّب الفعلي لتطور الأزمة الأوكرانية.
لقد كان من الواضح جداً أنّ روسيا والروس والناطقين باللغة الروسية في شرق أوكرانيا، سيتصرّفون كما فعلوا. والأمر نفسه في ما يخص شبه جزيرة القرم، إذ صوّت 82 في المئة من سكانها لمصلحة الانضمام إلى الوطن الأم. إضافة إلى أنهم يرفضون تماماً سيطرة الناتو على القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة في حوض البحر الأسود.
ويقول كريستوفر بوكير إن الهدف الاساس لهذه الوقاحة يكمن في رغبة الاتحاد الأوروبي بالتوسّع، وتدمير الشعور والانتماء الوطنيين لدى الناس، ولكنهم اصطدموا بشعور قوي بالوطنية، الذي يجسده الرئيس بوتين، على رغم كل نواقصه.
ويضيف بوكير: ربما هو وشعبه يعيشون أياماً غير سهلة، ولكن ردّ فعلهم مفهوم تماماً. لا يجوز من دون عقاب استفزاز الدب بعبارات عن الرغبة في «أوروبا من الأطلسي إلى الأورال» كما يقول ديفيد كاميرون. لقد سبق لي أن كتبت في شهر آذار الماضي، ان المحاولات البائسة للاتحاد الأوروبي لابتلاع أوكرانيا، ستكون كتوحيد العملة الأوروبية.
ويتساءل بوكير: إلى أين ستقودنا هذه الأخطاء الشنيعة؟ علينا أن ندرك هذا جيداً، خصوصاً أنّ غاز الاتحاد الأوروبي مصدره روسيا.
عقيدة عسكرية جديدة
وفي أواخر أيام السنة المنصرمة، نشر موقع «روسيا اليوم» تقريراً حول تدهور العلاقات بين روسيا والغرب، إذ اعتبر الكرملين توسّع حلف شمال الاطلسي تهديداً أساسياً لروسيا، في مراجعة للعقيدة العسكرية، تعكس بشكل واضح تدهور العلاقات مع الغرب في أوج الازمة الاوكرانية التي تعدّ الاسوأ بين الجانبين منذ انتهاء الحرب الباردة.
وتدين الوثيقة الجديدة التي أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعزيز القدرات الهجومية للحف الاطلسي على الحدود المباشرة لروسيا، وإجراءات نشر منظومة دفاعية مضادة للصواريخ في وسط أوروبا.
وكانت الوثيقة السابق للعقيدة العسكرية السابقة التي ترجع إلى 2010، تعتبر الحلف الاطلسي تهديداً لروسيا، لكن الحرب في أوكرانيا أدّت إلى تصاعد التوتر إلى درجة غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب الباردة.
وتأتي الصيغة الجديدة من العقيدة العسكرية لروسيا بعد الاحتجاجات المتكررة التي عبرت عنها موسكو على قرار حلف شمال الاطلسي تنشر قوات في عدد من الدول الاعضاء فيه مثل بولندا أو دول البلطيق التي تقع على حدود روسيا.
كما اعترضت موسكو على الخطة الأميركية ـ الأطلسية لنشر درع دفاعية صاروخية في وسط أوروبا تعتبرها موسكو موجهةً ضدّها مباشرة.
كما يأتي نشر العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا بعد تخلي أوكرانيا عن وضعها كدولة غير منحازة في إجراء رمزي أثار غضب موسكو لأنه يفتح الباب أمام كييف لطلب الانضمام مستقبلاً إلى الحلف الاطلسي.
ويتطلب انضمام أوكرانيا إلى الحلف جهوداً جبارة من كييف ليصبح جيشها في مستوى معايير الحلف، بينما ما زالت دول عدة بينها فرنسا وألمانيا متحفظة بشدة على هذه الفكرة.
وعلى رغم ذلك، تبقى العقيدة العسكرية لروسيا دفاعية بطبيعتها وتعتبر أيّ تحرك عسكري لروسيا مبرّراً، إذ استنفذت كل الخيارات غير العنيفة الاخرى لتسوية أي نزاع.
وفي الاطار نفسه، تشير الوثيقة الجديدة إلى تقلص احتمال شنّ حرب واسعة النطاق ضدّ روسيا، لكنها تتضمن سلسلة من التهديدات للاستقرار التي تفاقمت في الاسابيع الاخيرة مثل النزاعات على أراض والتدخل في الشؤون الداخلية واستخدام أسلحة استراتيجية في الفضاء.
وأدخلت العقيدة العسكرية الروسية كذلك مفهوم الردع غير النووي الذي يعتمد على بقاء القوات العسكرية التقليدية في حالة استعداد عالية.
وتدعو هذه المبادئ الجديدة إلى مشاركة فعالة في منظمات الامن الاقليمية مثل رابطة الدول المستقلة التي تضم تسع جمهوريات سوفياتية سابقة، ومنظمة شنغهاي للتعاون التي تتألف من روسيا والصين وعدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة في القوقاز.
وتؤكد العقيدة العسكرية الجديدة أنّ تفادي نزاع عسكري نووي أو أي نزاع آخر يشكل أساس السياسة العسكرية الروسية.
وبموجب هذه الوثيقة، تحتفظ روسيا لنفسها بالحق في استخدام ترسانتها النووية إذا ما تعرضت هي أو أحد حلفائها لعدوان أو في حال وجود تهديد لوجود الدولة نفسه.
ولا تتضمن الوثيقة أيّ نصّ عن مفهوم الهجوم الوقائي في العقيدة الجديدة خلافاً لما ذكرته بعض وسائل الاعلام.
ومن بين المهام الرئيسية للقوات المسلحة الروسية في زمن السلم التي وردت في الوثيقة: حماية المصالح الوطنية لروسيا في القطب الشمالي، المنطقة الاستراتيجية لمستقبل تطوير قطاع الطاقة الروسي التي تنازعها عليها الولايات المتحدة وكندا.
غيض من فيض
هذا بعضٌ مما أضحت عليه روسيا فلاديمير بوتين خلال السنة المنصرمة، والذي سيمتدّ تطوّراً إلى السنة الحالية. وفي ظل انهيار أحادية القطب في القرار العالمي، والأدوار البارزة التي تلعبها روسيا في عدد من الملفات العالمية البارزة، من الأزمة السورية إلى المفاوضات حول النووي الإيراني، إلى بعث درب الحرير الصيني، إلى الأزمة الأوكرانية، لا يسعنا القول إلّا: حذار روسيا 2015!