صورة اليهوديّ في السير الشعبيّة العربيّة مخادعاً وماكراً

كتب حازم خالد: تناول أدبنا الشعبي بأشكاله كافة، من أغانٍ وقصص وملاحم وسير وأمثال، سلوك اليهودي لا معتقده الديني، فبدت الصورة رمزاً للشر على تفاوت درجاته وضرره بالمحيطين به، فاليهودي هو المخادع، الماكر، المتربّص دوماً بالبطل، ويحفل تراثنا الشعبي بحكايات وأمثال وأغاني شعبية كثيرة تدعو إلى الحذر من اليهود، وتُعبّر عن الشعور العربي حيالهم، وترصد نظرة اليهود وموقفهم من أصحاب الديانات الأخرى. وكثيراً ما تغنّى المدَّاحون والرواة بقصص مستوحاة من السير النبوية مثل: الجمل والغزالة، قميص النبي، حلة فاطمة الزهراء، عامر اليهودي، الغلام واليهودي، الضب واليهودي، وانشقاق القمر، وتصف هذه القصص اليهودي دوماً بالعناد والمكابرة والخداع والمخاتلة والشح والتقتير، وهي صفات أبرزها وليم شكسبير بصيغة فنية رائعة في روايته المشهورة «تاجر البندقية».

يذكر شوقي عبدالحكيم في كتابه «دراسات في التراث الشعبي» أن السير والملاحم الشعبية العربية جسّدت ما يُعانيه العالم العربي اليوم، فصور الاعتداءات والأخطار الطامعة والمتربصة بأمتنا تاريخياً لازمت دوماً تراثنا الشعبي الفولكلوري، من سير وملاحم وقصص شعرية، خاصة السيرة الهلالية في نصها الأصلي المحفوظ في مكتبة برلين. وتصوّر السيرة الهلالية حالة البلدان العربية كافة، وتُعتبر ملحمة سياسية كبرى تحكي ما نُعانيه اليوم، من خلال تصدّيها للصهيونية، سواء في خيبر والجزيرة العربية أو في الأردن المتاخمة لفلسطين، التي تدعوها السيرة ببلاد السرو وعباد، أو في فلسطين ذاتها في القدس وغزة وعكا ويافا. وفي سيرة «أبوالفوارس عنترة بن شداد» يحتل صراع الأخير مع يهود خيبر حيزاً ليس قليلاً من ملحمته الطويلة، إذ تعددت محاولاتهم للغدر به والتحالف ضده مع قيصر الروم للقضاء عليه، كذلك نجد صورة أخرى لغدر اليهود في سيرة الزير سالم وحروبه الغامضة مع حكمون اليهودي الذي كان يدبّر المكائد للزير سالم.

كما نقرأ في سيرة الأمير حمزة البهلوان، الملقب بـ «حمزة العرب»، أن ملك الفرس كسرى أنوشروان، الذي كان غاضباً من تمرد الأمير حمزة لتأليب القبائل العربية عليه، اضطر إلى الاستعانة بالعرب وأميرهم حمزة البهلوان لإنقاذ عرشه من «خارتين» صاحب حصن خيبر اليهودي الذي اجتاح بلاد فارس بأربع مئة ألف فارس، وأشاع فيها الفساد والنهب والقتل، وفعلاً أعد الأمير حمزة جيشاً من القبائل العربية وزحف به لملاقاة الخيبريين اليهود، فقتل قائدهم خارتين واسترد إيوان كسرى بلاد فارس.

لذلك يضم الجزء الأول من كتاب «حكايات شعبية من الخليج»، قصتين عن اليهود في البحرين، «بنت اليهودي وابن الملك» و»الإخوان واليهودي»، وقصة في الإمارات عنوانها «الصائغ واليهودي». وعن القصص تقول المشرفة على إعداد الكتاب: تبرز الحكايات سمات تقليدية شائعة حول الشخصية اليهودية الجشعة والمتسلطة والماكرة، ففي «بنت اليهودي وابن الملك» يحاول اليهودي قتل ابنته بإلقائها من فوق الجبل لأنها أسلمت، لكن بفضل العناية الإلهية لا تموت وتعيش في الغابة، ويجمع القدر بينها وبين ابن الملك فيحبها ويتزوجها، ويحاول والدها القضاء عليها بتدبير المكائد، وتنتهي الحكاية بإلقاء القبض على اليهودي، لكن الفتاة تطلب من الملك العفو عنه قائلة: «دع أمره لله الذي سيقتصّ لنا منه».

يرى د. عبدالحميد حواس، أستاذ الأدب الشعبي، أن السير الشعبية لا تعطي صورة حقيقية عن شخصية اليهود لأنها ظهرت في عصر قريب، والتراث الشعبي ذو أشكال مُتغيّرة وليس خالداً فهو يتأثر بالمجريات المحيطة، موضحاً أنه حين تكون الأمور هادئة يتلاشى اليهودي من السير الشعبية ويتحوّل إلى مجوسي، ومشيراً إلى قصص شعبية مستوحاة من السيرة النبوية تصف اليهودي بالأمانة مثل حكاية رهن الرسول درعه لدى يهودي ما يدل على أمانة هذا اليهودي الذي يتحوّل إلى الإسلام حين يدرك أنه دين الحق والخير، وهكذا فإن صورة اليهودي مُتفاوتة ويختلف تصويرها في التراث الشعبي باختلاف العصر والموقف والظروف، كأي لون آخر من الإبداع.

من ناحيته، يشير د. مصطفى جاد أستاذ علم الفولكلور في المعهد العالي للفنون الشعبية في القاهرة، إلى أن الشخصية اليهودية اشتهرت في التراث الشعبي المصري بالبخل الشديد وإباحة التعامُل بالربا، قائلاً: عندما نصف إنساناً غير يهودي بالبخل، نقول: أنت يهودي». ويؤكد أن السير الشعبية جسّدت شخصية اليهودي بمكره وخداعه تماماً مثلما هي في السيرة الهلالية وقصص حروب اليهود مع الخفاجي عامر حاكم العراق، ولا يرتبط مفهوم اليهودي في التراث الشعبي المصري باليهودية كدين، قدر ارتباطه بسلوك عام وطبيعة خاصة لفئة مُعيّنة من الناس عاشت في مصر في «حارة اليهود» واشتهرت بامتهان حرفة التجارة والصياغة والطب. كما برع الصهاينة في تزوير الحقائق التاريخية ونسب تراث كامل إلى أنفسهم مثل الأزياء السيناوية ورقصات الدبكة.

د. إبراهيم حلمي، الخبير في الفنون الشعبية، يقول إنّ شخصية اليهودي في المأثور الشعبي العربي استوقفته أثناء دراسته في المعهد العالي للفنون الشعبية فوضع دراسة مُصغرة في هذا الموضوع مُعتمداً على حكايات «ألف ليلة وليلة»، وبعد ذلك تفرّغ لكتابة الموضوع نفسه على نحو أوسع وأشمل فوجد أن بُخل اليهودي ومكره يتجليان في قصة «الأحدب واليهودي» وفي «ألف ليلة وليلة» وفي سيرة علي الزيبق التي يتعاون فيها الطبيب شمعون مع دليلة للإيقاع بالزيبق والقضاء عليه.

كذلك يعكف د. خالد أبوالليل، مدرس الأدب الشعبي في كلية الآداب في جامعة القاهرة، على تأليف كتاب حول «اليهود في الأدب الشعبي»، ويقول حول هذه المسألة: «بعد دراستي صورة اليهود في الأدب الشعبي العربي القديم، وجدت أن الصورة السيئة عن اليهود حديثة نوعاً ما، وأن العرب لم يكن لديهم موقف مُعادٍ لليهود أو اليهودية كديانة، وما كانت الاختلافات بينهما تتجاوز المشاكل الحياتية المألوفة بين الجيران أو أبناء المهنة الواحدة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى