دبابيس «الدقّة القديمة… أحلى»!
أحمد طيّ
ثمّة رأي سائد، وربما يكون سديداً، يقول إن كل قديمٍ أجمل وأفضل من أيّ جديد. ولو أسقطنا هذا الرأي على جملة تفاصيل من حياتنا اليومية، للمسنا مواطن التقدّم في الجمال والأفضلية. ففي عالم السيارات مثلاً، كان كل طراز يتفرّد بميزات معيّنة تميّزه عن سواه، أمّا اليوم، فالجديد متشابه بين شتّى الطُرُز. وفي عالم البناء، ما زلنا حتّى اليوم نقف مذهولين أمام المنازل القرميدية المتواضعة، أو الأخرى الترابية، أو القصور والقلاع القديمة، بينما لا تذهلنا اليوم الأبراج الشاهقة، ولا ناطحات السحاب، ولا حتّى المنازل غريبة الشكل.
وإن أردنا أن نتحدث عن الأجمل والأفضل بين القديم والجديد في عالم المرأة، لوجدنا أنّ المرأة قديماً كانت الأجمل، إذ إنّها لم تكن تستعمل هذا الكمّ الهائل من المساحيق والمراهم و«الكحلة والحُمرا»، وصولاً إلى النفخ والشفط، والبوتوكس والسيليكون وما إلى ذلك من أساليب التصنّع.
وليسمح ليَ القرّاء الأعزّاء أن أتطرّق هنا إلى العواصف، خصوصاً أننا في هذه الأوقات، نعيش تفنّناً في إطلاق التسميات على العواصف، وذلك على سبيل تقليد «الأميركان» في تسمية الأعاصير. فمن «أولغا» إلى «آلكسا»، ومن «ميشا» إلى «نانسي» إلى «زينة»، وربما تطالعنا عواصف أخرى أسماؤها: «ريتا وزيتا، ميا وتيا، نايا وكايا»، أو كما يحلو لمن يهوى إطلاق هذه التسميات.
إلّا أنّ العواصف قديماً كانت أحلى. حتّى لو لم تكن تحمل أسماء، وحتّى لو أطلقنا عليها فرضاً أسماء قديمة. فحسبما أذكر، أنّ العاصفة «نفناف»، التي ضربت لبنان مطلع التسعينات كانت أجمل. كان منظر الثلوج «نظيفاً»، وناصعاً، وكان الأطفال في القرى الفقيرة التي لم تصلها تكنولوجيا الـ«سكي» في ذلك الوقت، يفرحون ملء قلوبهم، ويضحكون ملء أفواههم وهم يمتطون قطعةُ من النايلون ليتزلّجوا بوساطتها على التلال، ويتزحلقوا على المنحدرات. وكان الفتيان يعينون الكبار في فتح الطرقات بوساطة الرفوش والمجارف وحتّى «المجرود». وأذكر جيداً أنّ «رجل الثلج» ذو الأنف الجزرة، كان يدوم ويدوم ويدوم.
وحسبما أذكر، كانت العاصفة «مُهجة» التي سبقتها بأسابيع قليلة، انهالت على الأرض خيرات وبركة، ولم تغرق الشوارع بالسيول على رغم غزارة الأمطار.
وأذكر أيضاً أنّ الناس بعد «نفناف» بأسابيع قليلة أيضاً، غضبوا من العاصفة «نُفّجة»، التي كانت أقسى قليلاً، عفواً… كثيراً. فكلنا نذكر تلك العاصفة التي طمرت قرى بكاملها، لا سيما قرية حزّرتا في البقاع الأوسط الواقعة في حضن سلسلة جبال لبنان الغربية على ارتفاع أكثر من 1350 متراً عن سطح البحر.
بين «آلكسا وأولغا» من ناحية، و«نفّجة ونفناف» من ناحية أخرى، يبقى لنا القول إنّ «الدقّة القديمة» أجمل وأكثر فعالية.