سورية أولاً… وحتى إشعار آخر

د. فايز الصايغ

استكمالاً للمقال السابق وللتأكيد على مضامينه وأولويات العمل السياسي السوري، في ظلّ الحصار العربي الرسمي وفي ظل التآمر العربي الرسمي متمثلاً ببعض الدول الخليجية وغير الخليجية، إذ لم يقتصر التآمر على البيانات والمواقف وتوريد وتدريب وتمويل الإرهاب الكوني في سورية، الأمر الذي أطال الصراع.

استكمالاً لكلّ ما ذُكر نقول: نعم لقد دفعتنا الأحداث في ظلّ استهداف عالمي شاركت فيه أميركا وأوروبا ودول الجوار العربي وغير العربي، إلى التمسُّك، أكثر من أي وقت مضى، بسوريتنا وبفطرتينا. فنحن بلد الفكر القومي والعمل القومي، بعضنا اندفع أكثر باتجاه الخارطة السورية وبعضنا أرجأ الهام عن الأهم وأعاد ترتيب الأولويات.

إنّ الحفاظ على سورية، موضوعياً، والتمسّك بخياراتها، من شأنه الحفاظ على العروبة والقومية والإسلام الصحيح، لأنّ استهداف سورية وسقوط نظامها السياسي، هو سقوط للأمة العربية لا قبله سقوط ولا بعده، وهو انحسار مرعب لقيم ومفاهيم الإسلام وهو خذلان للشارع العربي عموماً، وهو أيضاً قضاء على تطلعات حركات التحرّر في المنطقة، إن لم نقل في العالم.

إنّ الذين خططوا للمؤامرة على سورية ونفذوها، عرباً وأجانب ودوائر استخبارات، يعرفون ذلك جيداً، وخلصت الدراسات والتحليلات والاجتهادات، إلى أنّ قرار استهداف سورية، خصوصاً بعد أن أثبتت جدارتها السياسية والاقتصادية من جهة، وقدرتها على قيادة العمل القومي وانتزاع مكانتها على طريقة العالم من جهة أخرى، لن يكون سهلاً.

القرار الذي لخصته كوندوليزا رايس عندما كانت مستشارة الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن، الذي قرّر بعد أحداث 11 أيلول استهداف مواقع «القاعدة» في افغانستان. فأميركا تبحث عن أهداف عسكرية أخرى ما دامت مروجّة العدوان وهي لا تريد التوقف عند ملوك «القاعدة» أو مراكز تجمّعها فقط. يومها أعلنت رايس عزم الولايات المتحدة الأميركية على إطلاق ما سُمي «الشرق الأوسط الجديد» والتمهيد له عبر نشر الفوضى الخلاقة. ولم تكد تمرّ ساعات معدودات، حتى انطلقت الفوضى ولا تزال مستمرة، وقد حققت أهدافها في أغلب الجغرافية العربية وبعض الجغرافية السورية، لكنها وبعد أربع سنوات فشلت على أعتاب سورية والجيش السوري والإرادة السورية.

عندما تسقط المؤامرة هنا، تسقط في الأمكنة الأخرى. وبدلاً من أن يتضامن العرب مع سورية وهي تدافع عنهم وعن أموالهم لا يزال التآمر مستمراً،

وها هي تخوض اليوم معركة متعدّدة الأهداف، أبرزها وحدة الأرض السورية وحماية استقلالها والقضاء على الإرهاب. إنها معركة وجود الأمة كلها، معركة بقاء تتطلب وحدة السوريين ووحدة مؤسسات الدولة الوطنية. أما شكل وطبيعة النظام السياسي فيرسم ملامحهما الشعب السوري نفسه وقواه السياسة الوطنية والمجتمع السوري الحي والمتفاعل مع نفسه ومع غيره من المجتمعات العربية، في الإطار القومي العربي، وغير العربي في الإطار الأممي والإنساني، وهو ما شرعنا في تحقيقه على نحو غير مسبوق خلال العقود الماضية من حياة الزهو السوري ومن حياة المشروع القومي العربي المناهض والمتصدّي للمشروع الصهيوأميركي المعروف والموصوف، وآخر علاماته رفض أميركا الاعتراف بدولة فلسطين التي يراد لها أن تكون «دويلة» على بعض من بعض فلسطين المذبوحة بالساطور الأميركي الصهيوني وبالسكاكين العربية نفسها التي تطعن الجسد السوري اليوم.

صحيفة «معاريف» تقول اليوم أنّ الجيش «الإسرائيلي» يستعد للمواجهة ويعمل بشكل مكشوف على طول الحدود اللبنانية ويخترق القرار 1701 ويجمع المعلومات، وهذا يعني أنه يحاول استغلال انشغال سورية في مواجهة الإرهاب لتحقيق مآرب عسكرية لم يستطع تحقيقها من قبل. ألا يستدعي هذا فقط، من بين آلاف الأسباب دعم سورية ورفع شعار كنا في يوم من الأيام ننتقد مطلقيه وهو سورية أولاً… نعم سورية أولاً، وحتى إشعار آخر. منها ومن على ترابها تتحقق الطموحات، إذا ما بقي عند العرب من طموحات… للحديث صلة أيضاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى