ماري عجمي… صوت الحق بعيون امرأة سورية

لورا أحمد

عملت في الإعلام في أصعب الظروف التي تمر بها سورية، ساهمت في النهضة النسائية السورية بإصدارها المجلة النسائية الأولى، وأسست النوادي الأدبية والمدارس والجمعيات النسائية. ماري عجمي، صاحبة الفكر واليقظة وحاملة مشعل العلم والوعي، قدرها وضعها في صميم معركة النضال الوطني في عمر مبكر، إذ خاضت دروب الكفاح وشاهدت عن كثب المعاملة السيئة التي يتلقاها الوطنيون على أيدي المستعمر، والتي بلغت حدّ الاستشهاد.

ولدت الكاتبة والصحافية ماري عجمي في دمشق في 14 أيار عام 1888 من أسرة حمويّة الأصل، وكان جدّها تاجراً يوناني الأصل، فغلب عليه لقب «العجمي».

تلقت علومها الأولى في المدرسة الروسية والمدرسة الايرلندية، وبعدما أنهت دراستها في سن الخامسة عشرة، أثار اهتمامها طلاقة اللسان وسمو الكلام واللغة السليمة التي كان يخطب بها أنيس سلوم، ما أغراها لمتابعة تحصيلها العلمي، فتعلقت بالمطالعة، وقرأت كتب التراث.

أتقنت ماري عجمي اللغتين العربية والإنكليزية، ونالت الشهادة عام 1903، وكانت في هذه الفترة تكتب الشعر وتتقن أعمال الترجمة. نظمت قصائدها في البداية تحت اسم مستعار، «ليلى»، ثمّ نالت شهرة كبيرة فتخلّت عن المستعار وعادت إلى اسمها الحقيقي.

في هذه الفترة، بدأت تراسل الصحف والمجلات السورية واللبنانية والمصرية، منها: «المقتبس، المهذب، الإخاء، الحقوق، لسان الحال، الحسناء»، وراسلت بعض الأدباء، منهم «فليكس فارس»، و«جرجي نقولا باز» نصير المرأة وصاحب مجلة «الحسناء» البيروتية و«جورج قصاص» و«أديب فرحات» و«جبران خليل جبران» و«ميخائيل نعيمة» والصحافي بترو باولي الذي انضم إلى قافلة الشهداء سنة 1916، الذين أعدمهم جمال باشا السفاح.

انتقلت إلى الاسكندرية عام 1909، وعيّنت مديرة في إحدى المدارس، وعادت إلى دمشق وأصدرت مجلة «العروس» في شهر كانون الأول 1910 وهي مجلة علمية أدبية صحية فكاهية، شعارها «إن الإكرام أعطي للنساء ليزيّن الأرض بأزهار السماء»، وكان عدد صفحاتها 32 صفحة، وتطبع في مطبعة جريدة حمص.

توقفت المجلة في عام 1914، بسبب الحرب العالمية الأولى، ثم استأنفت صدورها عام 1918، وزادت عدد صفحاتها إلى 64 صفحة، واستمرت هذه المرّة حتى عام 1926، وأصدرت منها 11 مجلداً وكانت شهرتها قد ملأت الآفاق الأدبية. فقد كانت بمفردها تحمل عبء تحرير المجلة إنشاء وترجمة، عدا عن مساهمتها في مجلات عدّة أخرى في الوطن والمهجر.

ارتبط كفاح ماري عجمي بشهداء السادس من أيار، فزارت السجون، ووصفت أحوالها الرديئة القاسية التي كان يعاني منها السجناء، وكتبت ما رأته في السجن فقالت: «في ردهته 420 سجيناً من كل الطبقات، والنوافذ فيه صغيرة، كنت أحادث الشهداء وبإرشاد الخفير،… ورأيت مرّة خفراء يُخرجون جثة مضى عليها 24 ساعة» كما وصفت جمال باشا السفاح بأنه شرّ طاغية ابتليت به البلاد، غير خائفة من عقابه ولا من جواسيسه ومشانقه.

أسّست ماري جمعية «يقظة المرأة الشامية» مع نازك العابد وفاطمة مردم وسلوى الغزي ثم جمعية «نور الفيحاء» وناديها، ومنحهن الملك فيصل مدرسة لاحتضان بنات الشهداء. وفي عام 1920 أسست النادي الأدبي النسائي مع نخبة من السيدات السوريات، ثم انتخبت عضواً في جمعية «الرابطة الأدبية» في لجنة النقد الأدبي، وكانت الآنسة الوحيدة في هذه الرابطة التي كان من أبرز أعضائها «خليل مردم بك، فارس الخوري، أحمد شاكر الكرمي، وفخري البارودي، وغيرهم». جعلت منزلها صالوناً أدبياً يجتمع فيه أعضاء الرابطة.

ظلّت هذه المرأة على رغم كل شيء، تنشئ المدارس، وتعطي الدروس الخاصة للفتيات المتشوقات للعلم. وأقيم لها حفلات تكريمية في حيفا ويافا في فلسطين سنة 1928، وفي دمشق سنة 1929، وعيّنت أستاذة لتدريس اللغة العربية وآدابها في مدرسة «دار السلام» لأربع سنوات عام 1931. كما فازت بجائزتين من الإذاعة البريطانية في المباراة الشعرية عن قصيدتها «أمل الفلاح».

حظيت ماري عجمي بتقدير كبير من البلدان العربية، خصوصاً لبنان، إذ دعا الأديب جرجي نقولا باز نصير المرأة إلى حفل لتكريمها عام 1926 بمناسبة يوبيلها الفضي في حقلي الأدب والصحافة.

في أيامها الأخيرة، سيطر عليها الحزن واليأس وأصبحت أسيرة الوحدة القاسية فآثرت العزلة، وكان جهاز الراديو تسليتها الوحيدة. وفي النهاية اشتدت عليها وطأة النوبات العصبية، وتوفيت في 25 كانون الأول عام 1965، وأقيم لها حفل تأبين على مدرج جامعة دمشق تحدّث فيه عدد كبير من كبار الأدباء والأديبات.

ماري عجمي لفتت الأنظار بمقالاتها التي تدعو إلى مناصرة العامل والجندي والفلاح، فبالنسبة إليها هذه هي الأركان التي يقوم عليها بناء الوطن. الشاعرة والصحافية التي لوّنت بقصائدها لوحات خالدة اقتحمت يوماً مقر الحاكم التركي جمال باشا السفاح، وقابلته وناقشته في أمور كثيرة ثم خرجت لتكتب مقالاً تصف فيه ما جرى بينهما. كاد ذلك أن يقودها إلى السجن وربما إلى الموت، لم تتردّد يوماً عن مناصرتها كلمة الحق فوقفت في وجه الظلم ونادت بالحرية وحثّت على الثورة. شفافيتها وصوتها الرخيم لم يمنعاها أن تصرخ بالصوت العالي بكلمات تطالب بإنهاء ظلم المستعمر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى