حقارات أميركيّة غير مجدية… روسيا تستطيع الردّ وتًُحسنه

جورج كعدي

تمارس الولايات المتحدة منذ عقود طويلة سياسات عدوانيّة، عسكريّة واقتصاديّة وإعلاميّة وثقافيّة، ذات صفة واحدة: الحقارة. حتّى عندما تُنزِل جيشها إلى ميدان المواجهة تمارس الحقارة، مثلما فعلت في فيتنام بإلقاء النابالم الحارق على المدنيّين، أو في العراق حيث ارتكبت المجازر وفضائح «أبو غريب» وسوى ذلك من صنوف الجرائم، ولا تنسى البشريّة جمعاء أنّ هذه الدولة المارقة والمجرمة منذ نشأتها على أرض الغير وإبادة الشعب الهنديّ انفردت بين سائر الدول بإلقاء قنبلتين نوويّتين على شعبي مدينتين يابانيّتين مخلّفة هولاً لا يمحى ممتدّ الأثر إلى اليوم. أمّا في السياسة والاستخبارات فهي ترسم المؤامرات وتديرها في أنحاء العالم، قالبةً أنظمة صالحة وديمقراطية، كما في تشيلي ماضياً، لتقيم مكانها أنظمة عسكريّة ديكتاتوريّة وداعمةً عصابات يهوديّة صهيونيّة محتلّة لأرض فلسطين، ومحاولةً زعزعة استقرار دول كبرى وصغرى، فلا تأنف على سبيل المثال من خلق عملاء لها يسمّون أنفسهم «معارضة» داخل روسيا الاتحاديّة، أو حتى داخل الصين عبر بعض الأقاليم ذات الغالبيّة المسلمة. ومن أحدث مؤامراتها الخطيرة وأشدّها حقارةً وإجراماً تلك التي تديرها منذ نحو أربعة أعوام ضدّ سورية، الوطن والأمّة، لمصلحة المسمّاة «إسرائيل» ومجدها، وآخر حقاراتها ودناءاتها خارج الأعراف والأصول كافّة حتّى الصراعيّة الطبيعيّة بين الدول والأمم شنّ حرب نفطيّة ضدّ روسيا وإيران من خلال خفض الأسعار، بالاشتراك مع أذنابها التابعين والمأمورين في خليج العُرْبة وممالك الرمل ومشيخاته، المغلوب على أمرهم والمخنوقين بالقرار الأميركيّ الذي يسلبهم قوّتهم الاقتصاديّة الوحيدة، النفط، فيتآكل احتياطهم الماليّ الذي يعتدّون به ويمثّل أمانهم الاقتصاديّ و«الوجوديّ» اليتيم.

أميركا المارقة هذه، المصابة تاريخيّاً بداء الـ«ميغالومانيا» أو «العُظام»، وبالعنجهيّة المفرطة المعروفة عنها، لا تقيم وزناً لأيّ قيم إنسانيّة ولا تلتزم بأيّ شرائع أمميّة كالتي للأمم المتحدة ولا بأيّ معاهدات دوليّة، ثنائيّة أو أكثر، ولا لأيّ وعود أو تعهّدات، ولا لأصول ديبلوماسيّة أو سياسيّة أو قانونيّة أو اقتصاديّة تحكم علاقات الدول في ما بينها، بل تمارس أعمال القرصنة و«البلطجة» والغزو والتدمير والتآمر والهيمنة والسطو على الثروات الطبيعيّة والبشريّة، مع سائر البلدان، كبيرها وصغيرها، وفق اقتناعاتها المجرمة والمريضة من نوع أنّها «شرطيّ العالم» نصّبت نفسها ولم ينصّبها أحد و«حامية قيم الديمقراطيّة والنظام الرأسماليّ الحرّ» وأنّها تمثّل «الخير كلّ الخير» وأنّها أمّة «الإيمان» و«التخاطب المباشر مع الله» مثلما صرّح جورج دبليو بوش يوماً من غير خشية أن يتّهم بالجنون! وأنّها فضلاً عن ذلك الدولة «الأقوى» و«الأعظم» و«الأكثر تقدّماً وتطوّراً» و«المتفوّقة بالعلم والتكنولوجيا والسلاح» و«الأغنى» و«الأكثر حرّية»، إلى آخر الصفات التي تسبغها على نفسها وترسّخها في أذهان شعبها الخاضع لتلاعب عقليّ و«أخلاقيّ» منظّم من قبل كارتيلات ضخمة محتكرة وذات مصالح، ونظم استخباريّة وإعلاميّة وتربويّة موضوعة في خدمة إيديولوجيا إمبرياليّة من أخطر ما عرفته البشريّة في تاريخها.

في المقابل، لدينا روسيا الاتحاديّة، دولة العراقة والعظمة الحقيقيّة فكراً وتراثاً وعلوماً وفنوناً، دولة التاريخ النظيف الخالي من الاستعمار ونهب الثروات والتآمر على باقي الأمم والشعوب، الساعية دوماً لخير الإنسانيّة، حتى في ظلّ التجربة الشيوعيّة الأمميّة التي انتهت إلى فشل لسنا هنا في صدد مناقشة أسبابه، على الأقلّ لم تكن غايات تلك التجربة استعماريّة أو إمبرياليّة، وإن تكن تحتمل سجالاً في الإيديولوجيا والعقيدة وصحّتهما. لم تمارس روسيا القيصريّة أدواراً استعماريّة، ولا روسيا الشيوعيّة فعلت ذلك، وليست لدى روسيا الاتحاديّة اليوم غير سياسة الدفاع عن النفس والوجود ضدّ الإمرياليّة الأميركيّة الشرّيرة والمريضة التي لا توقف مؤامراتها ضدّ هذه الروسيا العظيمة، تارة في جورجيا وتارة أخرى في أوكرانيا، وما بين هذه وتلك الدرع الصاروخيّة في بولنده المتاخمة للحدود الروسيّة، ومخطّط إخراج موسكو من آخر مواقع نفوذها في الشرق الأوسط، سورية. فلا يجد رجل العصر الحديث الأبرز فلاديمير بوتين خياراً إلاّ التصدّي للهجمة الأميركيّة المسعورة والهادفة إلى إضعاف روسيا وإنهاكها وزعزعة أمنها واستقرارها ومنع نهوضها وتحوّلها مجدّداً قوّة قطبيّة عالميّة، لذا كانت أحدث المؤامرات الأميركيّة الحقيرة، خفض سعر النفط عالميّاً، للتأثير في الاقتصاد والعملة الروسيّين، وفي الاقتصاد الإيرانيّ كذلك.

إذ لم تحقّق حقارات أميركا ومؤامراتها الدنيئة نتيجة إيجابيّة لها أنّى مارست حقاراتها وتآمرت، سوف تفشل أيضاً في آخر مؤامراتها «النفطيّة» ضدّ روسيا، بعد فشل مؤامرات جورجيا وأوكرانيا والدرع البولنديّة، ولن يعدم رجل العصر الفولاذيّ، الرئيس فلاديمير بوتين، حلاًّ للوقوف في وجه لصوص الولايات المتحدة ومجرميها وقراصنتها، وستظهر ملامح هذا الحلّ ومضامينه وتفاصيله في الفترات المقبلة، وربما بالتنسيق مع الحلفاء الاستراتيجيّين على مساحة الكرة الأرضيّة، من الصين إلى فنزويللا، مروراً بدول البريكس والحلفاء الإقليميّين مثل إيران وسورية والعراق والمقاومة اللبنانيّة والمؤمنين بنهجها، وستُفشل مرّة أخرى مؤامرة الولايات المتحدة وأذنابها العربان الصهاينة، ربما في خلق توازن ماليّ عالميّ جديد عملة جديدة وبورصة مستقلة ربّما يكسر احتكار الدولار وتسلّطه التاريخيّ على باقي العملات، وربما عبر حلول أخرى إضافيّة من النوع الاستراتيجيّ، هنا وهنالك، في هذا الإقليم أو ذاك، على امتداد الجغرافيا الكونيّة ونقاط المواجهة والتصادم والتنافس من سيبيريا إلى كوريا مروراً بأوروبا والشرقين الأوسط والأقصى ، فإن كان العقل الأميركيّ يتقن أشكال الحقارة والتنآمر، فإن العقل الروسيّ والحليف يتقدّمه الشريك الاستراتيجيّ الكامل، الصين قادر على ابتكار أشكال الصدّ والردّ والمواجهة، وإيجاد الحلول الملائمة لكلّ أذى تتسبّب به المؤامرات الأميركيّة المتتالية. روسيا التي هزمت المشروع النازيّ بكامل جبروته وحجمه على أبواب ستالينغراد، وروسيا التي خاضت مع الولايات المتحدة حروباً باردة وساخنة في نقاط عديدة فوق رقعة الشطرنج العالمية، وروسيا المتفوّقة إلى اللحظة الراهنة نوويّاً وعسكريّاً وتنعم بقدرات هائلة جغرافية وسكّانية ونفطيّة وغازيّة وسوى ذلك، لن تكون يوماً لقمة سائغة في فم الوحش الأميركيّ الغبيّ والواهم المبتلى بجنون العظمة. روسيا التي يقودها الرجل التاريخيّ الفذّ فلاديمير بوتين ونخبة مساعديه كبيرة وعظيمة بما يكفي لأن تدحر الوحش الأميركيّ وتردّه على أعقابه خائباً، مرّة أخرى، مهما تمادى واستفحل تآمراً على نحو أحمق ومستميت. حكّام روسيا العظيمة يعون جيّداً تاريخ أمّتهم العريقة والجبّارة، ويدركون دورها المستقبليّ في مصير البشريّة جمعاء، لذا يحسنون التعامل مع اللحظة الأميركيّة الراهنة غير المفضية إلى نتيجة… سوى الخيبة والسقوط عند أعتاب روسيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى