السوريون في لبنان… بين صقيعين

معن بشّور

الصقيع الذي حملته العاصفة الثلجية إلى لبنان بكل مناطقه، خصوصاً مخيمات النازحين السوريين المفتقرة – أساساً – إلى أبسط الشروط الإنسانية، لم يكن الصقيع الوحيد الذي ضرب العائلات السورية النازحة والمشردة، بل رافقه صقيع أشد وأدهى هو ذلك الذي حملته إجراءات رسمية لبنانية وضعت شروطاً تعجيزية لدخول المواطن السوري إلى لبنان، وهو المنكوب اصلاً بمؤامرة كونية تدمر بلده، ببشره وحجره، بدولته ومؤسساته، بحاضره كما بماضيه ومستقبله.

فالصقيع الطبيعي يستمر أياماً وينحسر، أما «الصقيع الرسمي الأخوي» فأثاره باقية لا تُزال بسهولة، كيف لا وهي تأتي ممن يفترض به ان يكون شقيقاً لشعب لم يغلق يوماً حدوده وبيوت أهله لأي شقيق «نكب في بلده، وأصيب في أمنه وأمانه، واستهدف في حريته وكرامته».

لقد كشف الصقيع الطبيعي للسوري النازح الى لبنان والاردن وتركيا وغيرها من بلدان «الشتات» السوري، كما النازح داخل بلده، كم كان فرية مغمسة بالدم والموت والدمار تلك التي سموها قبل أربع سنوات بـ «الربيع العربي»، فإذ بشتائه يزداد يوماً بعد يوم، وبصقيعه يشتد عاماً تلو الآخر، وبشقائه يتخذ أبعاداً لم تخطر يوماً ببال أحد…

ورب العائلة السورية الذي تتقاذفه اليوم انواء العاصفة وتحاصره ثلوجها ورياحها في خيمته «المشلّعة»، ويرى أطفاله أمامه وقد رجفت أبدانهم واصطكت أسنانهم من شدة البرد، واصفرت وجوههم ونحلت أجسادهم من قلة الغذاء، بات يراجع اليوم تلك الوعود التي أغدقها عليه حكام وهيئات وقنوات فضائية تعلن أن ما من أمر يحركهم سوى «حرية الشعب السوري ومصلحته وحياة أبنائه»، فإذ به بعد أربع سنوات يجد نفسه وقد أُغلقت بوجهه أبواب السفارات، ومُنعت عنه تأشيرات الدخول، خصوصاً إلى دول قدمت «نفسها» راعية «لثورة» تتحول كل يوم إلى مأساة بحق شعبها، كما سُدت بوجهه كل سبل العيش، وأصبحت بناته سلعاً في أسواق البيع والشراء، وتناقصت المساعدات الاجتماعية والغذائية يوماً بعد يوم، وبات المجال الوحيد لحريته هو «حرية الهجرة في سفن الموت» إلى دول بعيدة، حتى وصل الأمر إلى لبنان نفسه، الذي طالما كان الشقيق التوأم لسورية، فتحول مسرحاً لخطابات عنصرية، واجراءات عنترية، يعلنها من ملأ الأسماع بالأمس نحيباً وحزناً على «مصائب» حلت بالشعب السوري.

وأسوأ ما في ذلك كله، ان الذرائع التي تستخدم لكل ما يواجهه النازح السوري اليوم من اجراءات هو قلّة الأموال، والحرص على الأمن، فيما يدرك هذا النازح انه لو أنفق هؤلاء الذين يحاصرونه اليوم، على تأمين شروط حياته بنسبة ضئيلة مما أنفقوه على تصدير فنون قتله وموته لكان اليوم بأحسن حال.

أما المخاوف الأمنية، وهي مشروعة، فالنازح السوري الوافد مع أطفاله وعائلته، يدرك أنها ليست محصورة بمن حمل السلاح من السوريين، بل إن كثيراً من «الخطرين» على سورية ولبنان والمنطقة يتجولون من دون تأشيرة، كما أن الأموال تحوّل اليهم من دون حسيب أو رقيب، لأن الكثيرين منهم يحملون جوازات سفر «محظية».

وحين تعرّض لبنان وعاصمته تحديداً، لموجة من التفجيرات الإجرامية وكان بعض منفذيها والمخططين من حملة هذه الجوازات، اعترضنا يومها على قاعدة تزرُ وازرة وزر أخرى، ومن موقع مبدئي على المطالبة بوضع تأشيرات دخول على مواطنين عرب، وما زلنا نعترض، فيما بعض معترضي الأمس هم اليوم الأشد حماسة لإجراءات اليوم بحق السوريين، علماً ان تنسيقاً بسيطاً بين حكومتي البلدين يمكن له أن يوجد حلاً لكل القضايا المتصلة بتدفق السوريين إلى لبنان.

واذا كان الصقيع الطبيعي هو قدر لا فكاك منه، بل لثلوجه بعض الايجابيات كتخزين المياه في جوف الجبال في بلاد يهددها الجفاف «والتصحّر»، فإن الصقيع الرسمي هو ضرر على كل المستويات، ضرر انساني واجتماعي، ضرر وطني وقومي، ضرر راهن ومستقبلي، بل هو نوع من الحرب التي تلحق الأذى بسمعة لبنان من جهة، وتريد «تكفير» السوريين بعروبتهم من جهة أخرى.

قبل عامين، ومع صدور تقارير تظهر حجم استغلال البعض لظروف المرأة السورية المشردة في أكثر من عاصمة دفعتها إليها عذابات الحرب، كتبت مقالاً بعنوان «تجارة العذاب»، أدعو فيها كل القادرين والمانحين إلى توفير شروط إنسانية كريمة ليعيش فيها النازحون السوريون، ولكنني اليوم بدأت ألاحظ مع معاناة السوريين في بلاد «النزوح» أن الأمر أكثر من تجارة … انه «عقيدة» تستهدف شعباً عظيماً يدفع اليوم ثمن خيارات مبدئية تمسّك بها حين تخلّى عنها كثيرون، بل «عقيدة عذاب» يتولى الترويج لها بخبث من ادعوا بالأمس أنهم «أصدقاء سورية» … فإذ بهم يؤكدون من جديد حجم عدائهم للسوريين والعرب جميعاً.

اللهم احمني من «أصدقائي» أما أعدائي فأنا كفيل بهم.

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى