«شارلي ايبدو» في قلب الشرق الأوسط

روزانا رمّال

لا يمكن قراءة ما جرى في فرنسا او ما يمكن ان يجري أكثر من عمليات إرهابية أو وضعه سوى في نفس إطار العمليات الإرهابية المتفرّقة والمتزامنة مع بعضها البعض في أيام متتالية مقصودة وفي أهداف مدروسة، وكلها حققت إصابات سوى في نفس الإطار.

بعد السعودية وتركيا، اليوم تاتي فرنسا واستهداف لصحافيين في جريدة «شارلي ايبدو» اضافة الى آخرين ورجال شرطة واكثر من 12 قتيلاً…

ليس سهلاً على الفرنسيين هذا المشهد، ولكن الحديث اليوم ليس معهم بل مع حكومتهم.

العمليات الثلاث محترفة ومخطط لها مسبقاً بدقة، لكن عملية «شارلي ايبدو» لها طابع آخر ومعنى آخر، فهي حصلت في وضح النهار عن طريق مسلحين جابوا الطرقات وقاموا بتفريغ اسلحتهم فوق رؤوس المستهدفين وقتلهم أمام الجميع.

إنها جرأة ودقة واحتراف ما بعده حديث… سينظر الفرنسي جيداً الى هذا المشهد… سينظر جيدا الى هذا العبث والاهتزاز الامني على ارضه.

هذا العمل الإرهابي بكلّ المقاييس مدان، لكن اسباب هذا التدهور الأمني في فرنسا يعود فقط الى استراتيجية الحكومة وتعاطيها مع الارهاب في الشرق الاوسط، خصوصا في ما يتعلق بما يجري في سورية، ففرنسا لم تختر مواجهة الإرهاب يوماً سوى بانتقائية، فهي بعدما دخلت التحالف الدولي لمكافحة «داعش» كانت قد تعاطت في الملف السوري طرفاً داعماً لإغراق سورية بالإرهاب، فدعمت وسلحت ودعت الى مؤتمرات لتسليح المعارضة السورية غير الموجودة أصلاً، وحشدت من أجل ان يتطور المشهد العسكري في سورية.

على اي حال، يبدو ان الأخبار من فرنسا تتوالى وستتوالى، ولكن المفاجئ انها تتوالى بسرعة كبيرة، فهناك إطلاق نار في جنوب فرنسا، وهناك مصابون، وأنباء عن تفجير قرب احد المساجد في باريس أيضاً…

تعرف فرنسا ويعرف معها العالم انّ الارهاب ينتقل الى اوروبا عبر البحر المتوسط، خصوصاً عبر سورية، ولذلك كان لا بدّ من كسر شوكة الإرهاب في سورية، والتعاون لا من أجل سورية فقط بل من أجل الجميع.

الامنيون الفرنسيون ليسوا بحاجة إلى كلّ هذا الشرح لأنّ تقاريرهم كانت تدرك تماماً معنى ان يمتلك الإرهاب نفوذاً على البحر الابيض المتوسط، فكيف الحال اذا كان موطئ القدم هذا للمتشدّدين المتطرفين في فرنسا أصلاً؟

بعد الذي جرى بات على فرنسا ان تدرك انه لا يمكن بعد الآن الجمع بين العداء للإرهاب والعداء لسورية في نفس الوقت، أو الطريقة فالخطر لامس المحظور ومواجهة الإرهاب تبدأ بسياسة واضحة لها في الشرق الاوسط، لأنه بلا تعاون مع سورية وترييح العلاقات وإزالة التشنجات وحلّ المعارضة بتسوية بأقلّ الخسائرلا يمكن لحكومات الدول الاوروبية التي تعتبر الأقرب الى منطقة الشرق الاوسط ان تسلك طريق الأمان في هذا الإطار.

انتهى وقت الترف الفرنسي وحان وقت السياسة، ولم يعد مجدياً بعد الآن ان تكون فرنسا رأس حربة في الحرب السورية وتماديها سلباً بمنع التوافق بين العراقيين إضافة الى المراوغة في الحديث مع إيران وصولاً الى مدّ اليد الخفية من تحت الطاولة لـ«جبهة النصرة» فكيف هذا؟

كيف يمكن العمل بازدواجية مكافحة الإرهاب من جهة ودعمه سراً من جهة اخرى؟

الأكيد أنّ سورية والعراق بعد اربع سنوات من الأزمة استطاعا رسم معالم الخروج منها، حتى لو من دون انتصار نهائي الا انّ الصمود في وجه الإرهاب بات أكيداً… ليبقى السؤال: ماذا سيحلّ بحكومات ودول الغرب اذا ما دخلت الجماعات الإرهابية فعلاً في مرحلة التصعيد وتوسيع نطاق عملياتها في فرنسا والدول الغربية؟

ترتبط «شارلي ايبدو» ارتباطاً وثيقاً بالشرق الاوسط، وهي في قلب او وسط الأحداث بسبب الزخم الذي أعطي للإرهاب فيه والتقدّم الذي حصل ما أسّس لثقة بالقدرة والقوة على انه كإرهاب أصبح ورقة قوية في هذا العالم بإمساكه مفاصل حساسة وكلّ هذا بعد دعمه وتسليحه وفتح الممرات له من جهات ظنت انه بالإمكان حصره.

«شارلي ايبدو» ستغيّر معالم التسويات، ومعها الموقف الأوروبي من العلاقة مع سورية ومع الرئيس بشار الأسد تحديداً.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى