حول حوار موسكو
غالب قنديل
بكلام ينتمي إلى مراحل مضت، يتحدث بعض المعارضين السوريين المدعوين إلى حوار موسكو، وبصورة تدعو مرة جديدة للسؤال عن مدى نضج أولئك وقدرتهم على التقاط فرص التقدم في عملية سياسية سورية داخلية بعيداً عن التدخلات الخارجية. والسؤال يطرح نفسه أيضاً عن جدوى مشاركة الدولة الوطنية السورية في هذه اللقاءات، طالما يعلم القاصي والداني أن العديد من الواجهات المعارضة لا تمتلك وزناً شعبياً يعتد به، وبعضها بات كناية عن تجمعات منتهية الصلاحية لأزلام سفارات واستخبارات.
وقد ثبت غير مرة، أن تلك الجماعات غير قادرة على التحكم أو التأثير بأي شكل كان بالوضع الميداني من خلال التشكيلات العسكرية التي تشهد انتقالاً متزايداً نحو كل من «جبهة النصرة» و«داعش»، تحت تأثير الاستقطاب الجاذب لمصادر السلاح والمال وفي مناخ من التناحر الذي تبخرت معه ألوية وكتائب كثيرة، شكلت موضوع مراهنة أميركية وأطلسية على ما يوصف بالمعارضة المعتدلة. فالتقارير الغربية تعترف بأن غالبية المسلحين، الذين تم تدريبهم في معسكرات تركيا والأردن والسعودية وتم تخريجهم تحت يافطات ما يسمى بالجيش الحر، باتوا بعدتهم وعتادهم في صفوف «داعش» و«النصرة» في حين تعيد الولايات المتحدة الكرة بتصميم عبثي على الغوص في هذه اللعبة الدموية الجهنمية عبر مشاريع تدريب جديدة.
التجاوب السوري مع المبادرة الروسية يتوخى تحقيق غايتين:
تجسيد نهج الدولة الوطنية المتجاوب مع جميع المحاولات الهادفة لحقن الدماء وتوحيد الجهود في الدفاع عن الوطن، وهو ما يعبر عنه التصميم السوري على متابعة التحرك في خط المصالحات المحلية إلى جانب استمرار العمليات القتالية التي يخوضها الجيش العربي السوري لتحرير البلاد من عصابات الإرهاب التكفيري ولحماية المواطنين السوريين من هذه الشبكات الإجرامية التي تضم خليطاً أجنبياً متعدد الجنسيات من معتنقي التكفير العالمي وجماعات من المرتزقة والقتلة الذين ينطبق عليهم أي وصف إلا اعتبارهم معارضة سورية مسلحة كما يردد المعتدون.
من خلال التجاوب مع مبادرة موسكو، تسعى الدولة الوطنية السورية بالتعاون مع حلفائها الكبار، روسيا وإيران والصين، إلى تعزيز الفرص المتاحة لمباشرة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بتجفيف منابع الإرهاب وإلزام الدول المتورطة بالحرب على سورية بوقف أعمالها العدائية المتمثلة بتسهيل إرساليات الإرهابيين والأسلحة والأموال.
التعديلات التي أدخلتها المبادرة الروسية على إطار الحوار تمثل استجابة للتغييرات الجوهرية التي طرأت على ميزان القوى، وأظهرت فشل المراهنات على النيل من الدولة الوطنية السورية. وبعدما حسم الشعب السوري بنفسه في انتخابات الرئاسة السورية العام الماضي ثبات الشرعية الشعبية والدستورية للرئيس بشار الأسد وبزخم كبير، ولّد صدمة أذهلت حلف العدوان على سورية وقيادته الأميركية الأطلسية التركية الخليجية. لذلك، فإن رسم إطار الحوار انطلاقاً من مرجعية الرئيس بشار الأسد، هو من البديهيات التي فرضها الشعب السوري على العالم كله… على أصدقاء سورية وأعدائها معاً. وهذه الحقيقة التي يتلعثم بعض المدعوين إلى موسكو في الإقرار بها من خلال اجترار ما تردد سابقاً عن هيئة انتقالية باتت واقعياً في ذمة التاريخ، ويبدو اجترارها ضرباً من الهذيان والتخريف.
إن حضور الرئيس بشار الأسد ثلاثي الأبعاد في المعادلة السورية. فهو في آن الزعيم الشعبي المقاوم والبارز المفوض من غالبية سورية ساحقة بلا منازع، وهو القائد العام للجيش العربي السوري ولوحدات المقاومة الشعبية السورية، كما هو رئيس الدولة الوطنية السورية. وهذا ما يجعل تجاهل مكانة الرئيس بشار الأسد في خطاب بعض المعارضين استمراراً لمنطق الرهان على العدوان الأجنبي وتجاوزاً لحقائق عنيدة شجت رؤوساً كبيرة في المنطقة والعالم خلال السنوات الأخيرة.
طبعاً، في حوار موسكو لم يعد الائتلاف التابع لحلف العدوان أو مجلس اسطنبول مرجعية حصرية مفروضة بعد ما طاولهما من تفكك وانقسام وإفلاس سياسي منذ جولة جنيف الأخيرة. وتسعى روسيا الاتحادية راهناً، من خريطة الدعوات التي وجهتها، إلى إشراك جميع الجهات السياسية المعارضة في الداخل والخارج، بينما تتصرف الدولة الوطنية السورية كالعادة بحرص شديد على إعطاء كل الفرص لإنشاء شراكة وطنية سورية في سبيل تخليص البلاد من خطر الإرهاب التكفيري الذي يمثل التهديد الجوهري لسورية. وقد تكشفت أمام أعين السوريين العاديين خفايا ارتباط العديد من فصائل الإرهاب بالعدو الصهيوني، وحسمت الأحداث والوقائع ترجيح الأولوية السورية التي رفضها حلف العدوان وأذنابه في جنيف، وهي أولوية مكافحة الإرهاب التي تفرض نفسها على الطاولة في موسكو، وتستدعي نقاشاً في سبيل العمل السوري المشترك لتدعيم جهود الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة ومؤسساتها الحية التي أثبتت قدرة استثنائية على الصمود والاستمرار.
عضو المجلس الوطني للإعلام