الإرهاب واستثمار المذهبية والطائفية في مخططات واشنطن
عمان ـ محمد شريف الجيوسي
غزا الفرنجة بلادنا على مدى قرنين من الزمن باسم الدين، وحكم الأتراك المنطقة العربية باسم الدين، وكنا نطلق عليهم لقب الخلفاء، لنبرّر خنوعنا وخضوعنا، فيما كانوا يسمون أنفسهم سلاطين، وتركوا بلادنا أكثر تخلفاً وجهلاً ومرضاً وتشتتاً مما كانت عليه في عهد سابقيهم المماليك، الذين حكموا البلاد والعباد بدورهم تحت مسمى الدين أيضاً.
اعتنق الماليك الإسلام لا اختياراً وإنما بحكم أنهم أصبحوا مماليك أسيادهم، ما مكنهم لاحقاً من الإمساك بزمام بلاد الشام ومصر على الأقل، ومن بعدهم اعتمر نابليون العمامة وحاول إيهام الشعب المصري باعتناقه الإسلام.
اليوم، يريد خلفاء بني عثمان استرجاع التاريخ عبثاً وحكم المنطقة عبر أدوات محلية، وبدعم وتشجيع أجنبيين غربيين أميركيين ـ صهيونيين، ليس حباً بسنة ولا بشيعة، ولا بعرب أو ترك أو كرد أو «فُرس»، وإنما لإذكاء صراع سني ـ شيعي، عربي ـ عربي، تركي ـ إيراني، وصراع عربي ـ سني بمواجهة صراع عربي ـ إيراني ـ شيعي.
الأهداف الأبعد من ذلك، تقتضي إشغال المنطقة بحروب بلا نهايات في المديات المنظورة والمتوسطة، بحيث تستنزف ثروات وطاقات الأمة العلمية وروح الأخوة والعيش الواحد، وتقيم شروخاً من الفرقة والكراهية، بحيث يحتاج التعافي منها إلى أمد بعيد لترميم الجراح. وسيقود إلى نشوء دويلات بخلفيات مذهبية وطائفية متقاتلة مفككة الأركان، سواء كانت عربية أو كردية وربما تركية وإيرانية ستكون طائفية ومذهبية المحتوى، لا جامع قومياً بينها ما سيضفي «شرعية مقبولة»على الطابع «الديني اليهودي العنصري الصرف» للكيان الصهيوني. وهذا أيضاً سيحقق لـ «إسرائيل» وعلى مدى 10 سنوات على أقل تقدير، استقراراً أنموذجياً، تكون خلاله الدولة اليهودية الآمر الناهي، والكيان الأموذجي للأنظمة الطائفية والمذهبية في المنطقة، وبحكم الدعم الأميركي والغربي لها، ستكون حجر الرحى، الذي يطحن كل شيء في المنطقة.
والهدف الأبعد كما أشرنا آنفاً، استسنزاف ثروات وطاقات الأمة واستعباد شعوبها كافة على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وأصولهم القومية.
ولكي يتحقق ذلك، فإن الغرب بمجمله، معني بإطالة أمد الصراعات في المنطقة وخلق مزيد من أسبابها، وهذا سيحقق ويستوجب تكتيكياً في آونة واحدة:
أولاً: عودة واشنطن وباريس ولندن وبون إلى المنطقة وحلف النيتو عموماً بذريعة محاربة الإرهاب، وستكون لتركيا حصة في العودة باعتبارها أحد أدوات الصراع والمنتفعين به.
ثانياً: جر أطراف لا تريد التورط في الصراع كإيران وروسيا، وإن كانتا تدعمان الصمود السوري بالسلاح والاقتصاد والخبراء.
ثالثاً: خلق مشاكل اقتصادية لحلفاء سورية روسيا وإيران وفنزويلا باستخدام العقوبات الاقتصادية والنفط.
رابعاً: خلق قلاقل داخلية في إيران وتعطيل إمكانات التوصل إلى حلول بشأن المفاعل النووي.
خامساً: استخدام الشيشان وأوكرانيا وغيرهما كعناصر ضغط على روسيا، وتشتيت لجهودها.
سادساً: استخدام هونغ كونغ ومسلمي الصين في الغرب كعناصر ضغط عليها.
سابعاً: تكرار محاولات قلب نظام الحكم في فنزويلا، ودول أميركا اللاتينية التي شبت عن طوق وصاية الولايات المتحدة.
ثامناً: إعاقة التوصل إلى حلول في لبنان بغرض الإبقاء على المقاومة اللبنانية خارج مكانها الطبيعي في جنوب لبنان.
تاسعاً: مع كل ما سبق لا بد من استدامة أمد الحرب أطول فترة مستطاعة من وجهة نظر الغرب، وتزويد الجماعات الإرهابية بكل أنواع السلاح وفي الوقت نفسه عدم إتاحة تفوق أحدها على الجماعات الأخرى، حتى لا يحسم الصراع سريعاً، والحيلولة دون نجاح أية محاولات للحلول السياسية، وتعظيم دعم الجماعات الأكثر رفضاً للحلول، ومحاولات إغراء حلفاء سورية والعراق بالتخلي عنهما، والعمل بكل الوسائل من دون الاتصال الجغرافي بين سورية والعراق، ودفع الأعمال الإرهابية باتجاه حتى الدول التابعة، بغرض خلط الأوراق، والحيلولة دون اقتصار أمد الحرب، وللتشكيك بالدول الأكثر استهدافاً بحيث تضيع بوصلة الصراع، ولأجل سيطرة مأمونة على ثرواتها.
عاشراً: سيكون التطرف الديني المذهبي والطائفي رأس حربة الصراع، بدعاوى دينية إيمانية ظاهرة، فيما الحقيقة تبعية وعمالة للأجنبي مطلقة، وتحت شعارات زائفة يضيع البعض، وتختلط الرؤية لديهم ويصابون بعمى ألوان سياسي.
لقد كان استخدام الدين لشن الحروب على المنطقة يجرى سابقاً من الخارج إلى الداخل حروب الفرنجة ، ثم تطور ليأتي إسلام المستعمر أو المحتل أو المتسلل الآتي من خارج المنطقة، وصولاً للحكم لاحقاً، كالمغول والمماليك والترك… وفشلت محاولة نابليون… لكن المستعمرين الأوروبيين استبقوا احتلالهم للمنطقة بإرساليات ومستشرقين واختراع جماعات ترفع راية الدين الإسلامي كالوهابية والإخونية.
اليوم يريدون استثمار ما اخترعوا، بخلق تناقضات فيما بينهم وتفريخاتهم من «داعش» ونصرة وعشرات المسميات الإسلاموية الإرهابية من جهة، وبينهم مجتمعون من جهة أخرى ضد مجتمعاتهم العربية والإسلامية بكل ما تشتمل عليه من انصهارات حضارية بعمر التاربخ.
تلك أمانيهم ومخططاتهم ورؤيتهم، وليس بالضرورة أن يحققوا نجاحات تذكر، بل إن كل المؤشرات تؤكد أنهم في طريق انتحارات جماعية وفشل ذريع وارتدادات، ولعل ذلك يكون محل حديث لاحق.