النساء والأعاصير
رولان رياض مشوح
ترتبط الأسماء دوماً بحياة الشخص ارتباطاً وثيقاً، منذ ولادته إلى ما بعد مماته، وجرت العادة أن يختار الناس لأولادهم أسماء جميلة. لكن من الغريب أن تطلق أسماء النساء على الأعاصير، ونذكر منها «كاترينا» و«ريتا» و«إرين» و«كاميليا» و«فيكي» و«أجنيس» و«دوللي»، و«لي لي» وأخيراً «ساندي»… ولكن هذه الأسماء ليست أسماء لسيدات أميركيات جميلات بل لأعاصير مدمرة حصدت الأرواح والأرزاق وأشعلت المنافسة السياسية وشرّدت الناس ودمرت استقرارهم.
سؤال مهمّ يفرض نفسه هنا: لمَ اختيار أسماء نسائية للكوارث المدمّرة التي تحمل الخراب للإنسان؟
يقال إنه في العصور القديمة لم تكن هناك آلية أو منهجية معينة لتسمية الأعاصير، فكانت الأعاصير تسمى إما بأسماء بعض القديسين مثل إعصار «هرقل» و«سانت ماريا» و«سانت بول» و«سانت لويس» أو بأسماء السنوات التي حدثت فيها، أو المكان الذي حدثت فيه، مثل إعصار ميامي وإعصار هيوستن. وتعود بداية التسمية النظامية إلى عالم الأرصاد الجوية الأسترالي كليمنت راج 1852 1922 إذ أطلق على الأعاصير أسماء البرلمانيين الذين كانوا يرفضون التصويت على منح قروض لتمويل أبحاث الأرصاد الجوية. وقيل أيضاً إنه في بعض الأحيان كانت تُطلق على الأعاصير أسماء النساء اللواتي يكرههن، وفي ما بعد تمكن السياسيون من أن يبعدوا أنفسهم عن التسمية بأساليبهم المختلفة، فألصقت التسمية بالعنصر النسائي الأضعف.
وكانت الآراء متباينة عن سبب وجود توافق بين الأعاصير والنساء، فثمة رأي يقول: المرأة يصعب التنبؤ بمزاجها وبعنفها، وهي صاحبة أمزجة متقلبة وذات بطش عندما تكره وتظهر غضبها، ولا تكتمه مثل حال الإعصار.
وهناك رأي آخر يقول: إن تسمية الأعاصير بأسماء النساء كانت بدافع الأمل في أن تكون أعاصير المستقبل ناعمة ولطيفة غير مخرّبة كحال النساء، وهناك من يذهب في اتجاه آخر فيقول إن الأسماء في البداية كانت مؤنّثة، ذلك أن كلمة إعصار بالإنكليزية Hurricane مؤنثة، ما جعل السياق اللغوي يحتم وضع «أسماء أنثوية» لجميع الأعاصير المتوقعة.
خلال الحرب العالمية الثانية طورت القوات المسلحة الأميركية تسمية الأعاصير فكانت القوات تقوم بعملية متابعة ورصد دقيقة لها في شمال غرب المحيط الهادي، ولمنع تعدد الأسماء والاختلاف حولها أطلق خبراء الأرصاد الجوية العسكرية على الأعاصير أسماء زوجاتهم أو صديقاتهم. وبعد الحرب العالمية الثانية أعدت الأرصاد الجوية الأميركية قائمة أبجدية بأسماء الإناث ارتكزت على فكرة رئيسية هي استخدام أسماء قصيرة وبسيطة وسهلة التذكر.
في مطلع عام 1950 ظهر أول نظام لتسمية الأعاصير، فاختيرت بداية الأسماء بحسب الأبجدية الصوتية العسكرية، قبل أن يقرروا عام 1953 العودة إلى الأسماء النسائية، وعُمّمت تلك الأسماء على مناطق عديدة، بما في ذلك أعاصير المحيط الهادي والمحيط الهندي، وبحر تيمور والساحل الشمالي الغربي لأستراليا، ورتّبت عملية التسمية للأعاصير، فكان يطلق على الإعصار الأول اسم المرأة التي تبدأ بأول حرف أبجدي، والثاني باسم المرأة التي يبدأ اسمها بالحرف الأبجدي الثاني، مع مراعاة أن تكون الأسماء قصيرة يسهل نطقها وتذكرها، وأُعدّت قائمة لـ84 إعصاراً كلها بأسماء إناث.
عام 1979 وسّعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بالتنسيق مع الأرصاد الجوية الوطنية الأميركية، تلك القائمة لتشمل أيضاً أسماء الرجال. وفي ما بعد تطورت تلك الأسماء لتتناسب مع المناطق التي تصيبها الآسيوية أو الأوروبية أو غيرها، فتختار أسماء قريبة من تسميات المجتمع أو المنطقة التي تصيبها. في العام نفسه طُرحت قوائم جديدة بمعدل قائمة لكل ست سنوات تتضمن أسماء ذكور وإناث على التوالي، فتوضع أسماء مسبقة للأعاصير المتوقعة، وهذه الأسماء تطلق تباعاً بحسب قائمة أبجدية ، وغالباً ما تكون الأسماء المختارة مألوفة بين الناس في المناطق التي تمر بها الأعاصير، شرط ألا يكون الإعصار مدمراً، فإذا زادت حدة الإعصار يشطب الاسم من القائمة المستقبلة تشاؤماً، ويستبدل به آخر من النوع نفسه يبدأ بالحرف ذاته، وهذا ما انطبق على الإعصار «أندرو» الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في آب 1992 مخلفاً 23 قتيلاً وخسائر بقيمة 21 مليار دولار، وإعصار «ميتش» الذي أهلك الحرث والنسل، وإعصاري «تشارلي» و«إيفان» اللذين ضربا فلوريدا وكوبا بين آب وأيلول 2004، فهذه أسماء أعاصير لن تتكرّر مرة ثانية في القوائم المستقبلية. ولا تحمل العواصف الاستوائية أسماء إلا إذا وصلت قوتها الى ما بين 8 و11 درجة على مقياس بوفورت، أي ما بين 65 و110 كلم في الساعة. ولربما يتدخل عنصر في القائمة فيحمل اسماً جديداً من غير المكتوب، فإعصار «كاترينا» أطلق على أول من اكتشفت قدومه إلى الشواطئ الأميركية، وهي موظفة عاملة في مركز بحوث الأرصاد الجوية، وبالتالي، بحسب التقاليد المرعية أطلقوا اسم «كاترينا» على ذلك الإعصار وهكذا إعصار «ريتا»، فأغلب الأعاصير الأميركية وأكثرها دماراً اختيرت لها أسماء نساء، ومع انحدار الشعوب إلى رغبة الاستقلال عن الولايات المتحدة قررت بلدان الشرق الآسيوي أن تسمي أعاصيرها بنفسها وتلغي الأسماء المستوردة من أميركا، مثل إعصار «تيد» وإعصار «فرانكي» وهي أسماء أميركية أطلقت على الأعاصير الآسيوية بحجة أنها غير مفهومة لشعوبها فاستخدمت أسماء حيوانات بدلاً من الأسماء البشرية مثل إعصار «دامري» ومعناه الفيل في اللغة الكمبودية، وإعصار «كيروجي» وهو اسم نوع نادر من البط البري في كوريا الشمالية. وتتضمّن القائمة أيضاً أسماء من هونغ كونغ واليابان ولاوس وماكاو وماليزيا وكوريا الجنوبية والفلبين وتايلاند وفيتنام وإعصار «غونو» الذي ضرب السواحل العمانية يعني الحقيبة المصنوعة من سعف النخيل بلغة سكان المالديف الأصليين.
تجدر الإشارة إلى تسمية الأعاصير التي تتشكل في شمال المحيط الهندي من قبل المركز الإقليمي المتخصص للأرصاد الجوية ومقره في نيودلهي، بالنيابة عن البلدان الأعضاء في المنظمة الدولية للأرصاد الجوية المفوضية الاقتصادية والاجتماعيه لآسيا والباسفيك، وهذه الأسماء هي على النحو الآتي: الإعصار «ليلى» الذي تطور في المحيط الهندي قبالة ساحل اندرا براديش وخلف دماراً كبيراً وسمّته الباكستان، والإعصار الذي تلاه اسمه «باندو» وأطلقته سريلانكا، أما اسم الإعصار الحديث «فيت» فأطلقته تايلاند.
كماعملت الأرصاد الجوية العربية منذ العام الفائت على قرار موحد هو تعريب أسماء العواصف الشتوية التي تهب على البلدان العربية، لجعل مسمّيات كلّ عاصفة ثلجية تهبّ على العالم العربي تحمل معاني وهوية عربية وليس أجنبية، وكانت تسمّى بعض الأعاصير والعواصف ماضياً بأسماء أجنبية ليست لها أي دلالة تمتّ إلى العالم العربي بأي صلة. ويهدف إطلاق الأسماء على العواصف الشتوية إلى تفادي الخلط بينها وبين غيرها، خاصة العواصف التي تضرب مناطق وبلداناً متقاربة، أو المناطق التي تجتاحها العواصف بصورة مستمرة، ولتسهيل القيام بالتحذيرات والتنبيهات حول قدوم العاصفة وأضرارها، فالاسم يحمل ما تتضمنه من شدة وقوة حذر منها المسؤولون في هيئة الأرصاد لاتخاذ الحيطة والحذر.
لذا اتفق العديد من الراصدين الجويين على إطلاق الأسماء العربية على بعض العواصف التي تجتاح البلاد راهناً، فأطلق اسما «هدى» و«زينة» على العاصفتين اللتين تضربان بلاد الشام في الأيام الأخيرة. وعقب مسؤولون في الأرصاد على سبب تسمية العاصفة باسم «هدى» بأنه يحمل معنى الخير والإرشاد والصلاح ليكون تفاؤلاً منهم بأن تكون هذه العاصفة عاصفة خير، تبشر بموسم مطري وزراعي.كما ذكرت بعض مواقع الطقس أن أصل التسمية يعود إلى ذكر كلمة «هدى» في القرآن الكريم في قولة تعالى: مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين . أما حول تسمية العاصفة باسم «زينة» فذكر مسؤولو الأرصاد أن مسمياتهم أتت في البداية للابتعلاد عن تسمية العواصف العربية بالأسماء الأجنبية، وتفاؤلاً بالأسماء التي تحمل خيراً قريباً سيحلّ على البلاد، وعلق مسؤولو أرصاد آخرون على تسمية العواصف بأسماء النساء ربما لتلطيف آثار العاصفة، كونها تحمل اسم أنثى. لذا لا بد ندعو إلى الله أن تمر زيارة «زينة» و«هدى» على بلادنا زيارة خفيفة ولطيفة.
محامية