اتجاهات

اتجاهات

«المفاوضات النووية» مع إيران: سباق بين الاتفاق ومفاعيله

خضر سعاده خرّوبي

تصر فئة وازنة من النخب على أن إعلان لقاءات بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين حول الملف النووي الإيراني، كتلك المرتقبة في جنيف الأسبوع المقبل، هو لتأكيد «المسار الدبلوماسي الثنائي» الموازي والأكثر أهمية من جولات المفاوضات النووية بين «المجموعة السداسية» وطهران باعتباره ينطوي على حقيقة قائمة خلافاً للتصورات الشائعة عن تلك المفاوضات بأنها «متعددة الأطراف». فالمصالح الأميركية والإيرانية في هذا الملف هي ما تحكم مساراته ومآلاته. وقد تصدق التحليلات التي تتحدث عن العراق كميدان مواز للتفاوض تَختمر فيه التفاهمات وتُختبر ميدانيا بين الأميركيين والإيرانيين. ومن يدري فقد تتوسع إلى مناطق أخرى في الإقليم في حال نجاح عملية «جس النبض» أو ما يمكن أن يُسمى اختبار النوايا وسبر أغوارها. وفي هذه الحال قد يتغلب منطق الحلول ونزع فتائل التفجير على ما عداه في مناطق «العُقد السياسية والأمنية» المتمدد إلى أرجاء مختلفة من المنطقة كأزمة الفراغ الرئاسي المستعصية في لبنان حتى الآن، ومعضلة انعدام الاستقرار الأمني والسياسي في اليمن وما تحمله في طياتها من بذور تقسيمية و«عوارض مرَضية»، يُخشى أن تصيب جغرافيا الشرق الأوسط ككل بعدواها.

بالنسبة إلى واشنطن، العراق يعني لها الكثير في منظورها الاستراتيجي وهي التي كان في مخططها أن يبدأ «ربيع العرب النموذجي» من بغداد وليس من ميادين تونس. من ناحية أخرى، لا تخفى على أحد الحساسية التي يشكلها «الصداع العراقي» على استقرار الجمهورية الإسلامية حتى ندرك أهميته في استراتيجيتها كما صرح مسؤوليها قبل فترة. إلى اليوم، بقي العراق ساحة رئيسية للتفاهمات بين الولايات المتحدة وإيران، لا سيما أن ملف الإرهاب يمثل عنصراً ضاغطاً على العلاقات بينهما إلى حد بات يفرض ما يعتبره البعض «شراكة موضوعية» في هذا الملف. حتى الآن، لم تتقارب المواقف الغربية والإيرانية بشأن البرنامج النووي إلى حد عقد الاتفاق النهائي، ولكن ذلك لم يقف عائقاً أمام وجود «جيوب اتفاق» في قضايا أخرى «غير نووية «في الظاهر ولكنها «نووية» من حيث المفاعيل السياسية على الأرض، وهو ما يتفق عليه كثيرون، في حين يقارب آخرون الموضوع من زاوية معاكسة تماماً بالقول إن «الاتفاق النووي» قد أنجز بشقه التقني ولم يتبق سوى الشق السياسي المتعلق بدور إيران الإقليمي.

وبغض النظر عن حقيقة ما جرى وما إذا كان بالإمكان أن يغلّب اتجاهاً على آخر، فقد يحمل إلينا مسار الأحداث و«المحادثات النووية» بطريقة أو بأخرى صورة عن وفاق ما تحقق بالفعل وإن جرى استخدام خطوة تمديد التفاوض «النووي» لإبقائه خارج دائرة النفي أو التأكيد بانتظار ما يرجحه محللون ويعتبرونه مساحة زمنية ضرورية لبناء الثقة بين الجانبين. تجدر الإشارة هنا إلى الحذر المشوب في هذا الملف من جانب فريق السياسة الخارجية في إدارة أوباما المتحمس للتواصل والاتفاق مع طهران بوجود جهات تعارضه، سواء خارجية كدول الخليج و«إسرائيل»، أو داخلية كالجمهوريين بعد فوزهم الأخير في انتخابات الكونغرس النصفية. يُستشف أيضاً، لغة خفية بين واشنطن وطهران في هذا الخصوص، شكل «اتفاق السلم والشراكة» في اليمن أحد أبرز تجلياته الخطرة على «المعسكر القلق» كونه أتاح تغييراً جذرياً في موازين القوى السياسية التاريخية داخل اليمن.

مع التذكير بموقف الرئيس الأميركي الذي يتبع سياسة قصيرة الأمد ويشن جيشه غارات «محدودة» في سورية كونه يعتبر أن وجود تنظيمات إرهابية فيها ليس محرجاً كما هو في العراق، فإنه توجد قناعة الآن لدى المحللين والسياسيين أن «كباش» الطرفين في سورية لا يبدو على الدرجة نفسها من الحدة في العراق بعدما شجع الإيرانيون فيه إفساح المجال لغير المالكي ـ مع الحرص على إبقائه داخل المشهد السياسي بإسناد أحد مقعدي نائب رئيس الجمهورية- في رئاسة الحكومة التي تمضي في طريقها نحو تقارب مع دول الإقليم لا سيما دول الخليج، وتسوية الخلافات مع الأكراد التي تعد إرثاً ثقيلاً من حقبة الحكومة السابقة المتهمة في سياساتها بـ» الفئوية» وخلق التوترات السياسية والأمنية.

قد يصح اعتبار أن الترحيب الأميركي بالأنباء حول شن الطيران الإيراني غارة على التنظيمات الإرهابية في العراق، والنفي الإيراني المقابل مهم كي ندرك شيئاً عن حجم الفرصة والخطر اللذين يخيما حتى اللحظة على جو العلاقات الثنائية وعمن يملك الحماسة للتعاون وعمن يُقدّم الحذر عليه خصوصاً بعد تصريحات عدة لوزير الخارجية الأميركية بخصوص أهمية إيران في معركة «التحالف الدولي ضد الإرهاب»، مع الإشارة إلى أن السيد خامنئي لم ينف محاولات واشنطن مع الإيرانيين في هذا الشأن. ويكشف ظهور الجنرال سليماني في الميدان العراقي، بجلاء، حقيقة الالتزام الذي تشعر به إيران تجاه العراق وأمنه. معروف عن الإيرانيين تأنيهم في حياكة السجاد، وهم في ملفهم النووي، على ما يبدو، يتأنون في حياكة الحلول وتشكيل الصيغة المثلى لمستقبلهم ولعلاقاتهم مع الأميركيين، بين حقوق قد تكون الفتيل لإشعال حرب لا تبدو وشيكة، أو السبيل لسلام نراه دانياً على الأقل هذا ما نأمله . ليس من السهولة بمكان توقع ما ستؤول إليه الأمور مستقبلاً، إلا أن موجة التفاؤل تلك قد لا تقف عائقاً أمام إمكان حدوث انتكاسات قد تأخذ طابعاً حاداً مع اقترابنا من الموعد المحدد لعقد «اتفاق نهائي» مع طهران. أطراف عدة تنوي تغيير شروط اللعبة في المنطقة، وأخرى شرعت في ذلك بالفعل، فما الذي يؤخر ساعة الحسم التي سترسم حدود الجغرافيا والسياسة في الشرق الأوسط في شكلها النهائي لا سيما أن هناك من يتحدث عن ديون للمنطقة في رقبة بعض العواصم، تراكمت عليها بفعل الزمن، وقد آن الأوان لدفعها؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى