أقوال مأثورة للشاعـر المنسيّ بـوبـليـو السوريّ 85-43 ق.م
إعداد وترجمة يوسف المسمار كوريتيبا ـ البرازيل
«ان الشعاع الأول للشرائع التي يسيرعليها البشر ظهر في سوريا ، وأخذ يمتد من هناك الى العالم حيث أخذه المفكرون مثالاً نسجوا عليه وأضافوا إليه ما قضت الحال به ، ولا يزال ذلك الى عصرنا هذا»
أنطون سعاده
سانتياغو- أيار 1940
قال المدير السابق لمتحف اللوفر أندريه بارو 1901-1980 :«لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان وطنه الأم وسوريا «.
وُلد الشاعر الحكيم المنسيّ السوريذ الجنسية عام 85 قبل الميلاد في أنطاكية حيث اعتقل من قبل الجيش الروماني الذي اجتاح سوريا في ذلك الحين وكان عمره اثنتي عشرة سنة. في البداية اعتقل من قبل الرومان كأسير لحصول تبادل أسرى لاحقاً في حال وقوع أسرى رومانيين في يد السوريين ، وربما لأن ذلك الطفل الأسير كان أحد ابناء العائلات السورية المهمة في أنطاكية أو أحد أبناء عائلة ذات مكانة اجتماعية متميّزة . ولكن بعد استتباب أمر الاحتلال والسيطرة لروما أصبح الأسرى السوريون تحت السيطرة ونقلوا كعبيد الى روما حيث تم توزيعهم هناك لخدمة بيوت المسؤولين وذوي المكانة الاجتماعية . ولاحتمال كون بوبليو ابن عائلة سورية مرموقة فقد كان نصيبه أن يكون خادماً في بيت أحد وجهاء روما حيث عومل في البداية بقسوة . ونظراً إلى نباهته وذكائه تحولت المعاملة الى لطافة وعناية في منزل سيده وتلقى تربية طيبة ومن ثم أُطلق سراحه ومُنح لاحقاً الحرية .
في الواقع، لا أحد يعرف اسمه الحقيقي الذي سمـَّاه به أبواه في انطاكية- سوريا ، وكل ما يمكننا تصوره هو أن الرومان أطلقوا عليه عدة ألقاب كانوا ينادونه بها مثل: «يا هذا» و «يا سوري» و»يا عبد» و «يا خادم» و «يا أخرس» إذ لم يكن يحسن في بداية أسره التكلم بلغتهم ، ولعلّ هذا اللقب دفعه الى العمل الهزلي المسرحي الصامت الذي برع فيه وأبدع وعمت شهرته جميع أرجاء إيطاليا وجعلت الجميع ينادونه باسم أو لقب آخر أضحى مشهوراً به وهو «بوبليو السوري». وكلمة « بوبليو» تعني عند الرومان «صديق الشعب» أو «صديق الناس» أو «الشخص المخلص للعامة» ، الودود ، العادل ، اللطيف والمحبوب من الجميع .هكذا يمكننا أن نعرف ونفهم معنى إسم الشاعر المنسي «بوبليو السوري» الذي شرَّف أصله السوري من خلال حُسن الخُلُق ، والسلوك المتميِّز ، والمعرفة الواسعة ، والحكمة العالية .
عُومل معاملة جيدة في منزل سيده وأرسل الى المدرسة لاكتساب العلم حيث أظهر أثناء دراسته أهلية كبيرة وتعلـَّم بسرعة وبسهولة اللغة الجديدة وأتقنها اتقاناً كبيراً.
هكذا بدأت تظهر على « بوبليو « معالم الذكاء والموهبة القائمتين على الأسس الأخلاقية العالية والمعرفة الجيّدة . ورويداً رويداً بدأت شهرته تكبر عندما بدأ يكتب التمثيليات الصامتة ويلعب أدوارها ويزور الكثير من المدن والقرى الإيطالية المختلفة حتى استقر به المقام أخيراً في روما حيث تحقق له ما أراد واحتل مكانة جديرة به بين المفكرين الى جانب القيصر إمبراطور روما.
بلغت شهرته درجة عالية بعد المباراة التي حصلت أمام الأمبراطور قيصر عندما أحرز تقدماً كبيراً في العمل المسرحي الذي أدّى فيه دور الكاتب المؤلف، واللاعب الممثل، والارتجالي ، ما جعل الإمبراطور يعطيه الأفضلية على» لابيريوس « الروماني المشهور ويعيّنه مستشاراً له لمدة 15 سنة حتى وفاة الامبراطور عام 29 قبل الميلاد الموافق لسنة 728 لتأسيس روما .
أنتج بوبليو آلاف النصوص الشعرية والحِكَم الإنسانية العالية النوعية المتصفة بتماسك المعنى الأخلاقي والأشكال المصقولة والعبارات البليغة المعبِّرة عن معرفة واسعة وحكمة إنسانية رائعة موروثة عن أجداده السوريين.
قال أحد معاصري بوبليو المفكرين عنه: «إن آية واحدة فقط مما كتبه بوبليو السوري تجعل المرء يصبح أخاً طيّباً له ، وصديقاً حقيقياً». وقال معاصر آخر لبوبليو عنه وهو المعلم المايسترو سينيكا في هذا الشأن: « التفوّق والبلاغة في الحكمة الموجزة والفصيحة هي السمات البارزة لما أعطاه بوبليو السوري» بحسب إشارة المفكر لويس غاليدي في المؤلف فرنسيسكو ألفس ص 25- ريو دي جانيرو.
اللافت للانتباه أن كثيراً من الحكم والأقوال الماثورة التي يرددها يوميا كثير من الناس في كثير من البلدان يعود أصلها الى أعمال هذا الشاعر الذي طواه النسيان. ولذلك، فإن مسؤولية المثقفين السوريين تصبح أكبر لنفض غبار السنين واكتشاف الأعمال القيّمة التي أنتجها مفكروهم الموهوبون ، وتسليط الضوء على الرواد السوريين العباقرة الذين أثروا التراث الثقافي للحياة الإنسانية المتحضرة .
إن مهمة البحث عن الحكم والأقوال المأثورة الواردة في هذا الكتاب لم تكن مهمّة سهلة، بل تطلب البحث عملاً شاقاً وصبراً طويلاً للعثور على مثل هذه الأقوال من خلال عدة لغات، بما في ذلك البرتغالية والإسبانية والإنكليزية والفرنسية .
أخيراً ، أود القول إن هذه الأقوال الأخلاقية المأثورة الواردة في هذا الكتاب ليست كل ما ترك لنا الشاعر المنسي بوبليو السوري من الثروة الفكرية والأمثال التي تنتظر الباحثين لاكتشافها ونشرها .
عسى أن أكون نجحت في تحقيق وإعداد وترجمة ونقل أفكار الشاعر المنسي بوبليو السوري الجميلة ، وحِكمه البديعة الى قراء العربية من السوريين وأبناء العالم العربي، متمنياً أن ننتفع بها ونستفيد منها بقدر ما تسمح لنا مواهبنا ومؤهلاتنا على الإفادة .
من أقوال الشاعر بوبليو السوري
أفضل ما يكون التنافس عندما يكون في اللطافة والصلاح .
من يُهِنْ أحداً من الناس يهدّد الكثيرين .
أسوأ البؤس هو العيش تحت تحكّم الآخرين .
حتى لو لم يكن الشرير قادراً على الأذى ، فهو دائماً يفكّر في ذلك .
من يريد أن يفعل الشر لا يعجز أبداً عن إيجاد ذريعة .
لا يمكن أن يكون هناك مكسبٌ لأحد من دون خسارة آخر . مكاسبُ قومٍ عند قومٍ خسائرُ .
من يسيطر على غضبه ينتصر على ألد أعدائه .
الشك نصف حكمة . الشك وسيلة لتعلِّم الحكمة .
وحده البريء لا يفقد الأمل في الشدائد .
الشعب جدير بالاحترام حيث تُحترم القوانين .
نجاح الأشرار تعاسة للأخيار .
من خسر شرفه ليس لديه ما يخسره .
أصدق القرابة التقرّب من النفس الخيِّرة .
لا يمكن أن يقبل الاهانة الشجاع ولا الكريم.
الصبر دواء كل ألم .الصبر علاج الشفاء .
يعاني حياة المنفى من يتنكر لخدمة وطنه.
لا تشتم عدوك على فشلك ، بل فكّر في سوء تخطيطك .
مثلما تعامل الآخرين عليك أن تتوقع أن يعاملوك