انتحاريو جبل محسن من جيل مرحلة الإحباط التكفيري في لبنان
يوسف المصري
كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق بعد الاجتماع الأمني في سرايا طرابلس أمس، عن احتمال أن يكون انتحاريا مقهى أبو عمران في منطقة جبل محسن لديهما صلة بالإرهابي منذر الحسن الذي كان يقف وراء انتحاريي فندق دي روي، ثم قامت القوات الأمنية اللبنانية لاحقاً بمتابعته وقتله في طرابلس ليل 19- 20 /7/ 2014.
ويؤشر هذا الاتهام في حال أثبتته التحقيقات المستمرة لقضية خلفيات تفجيري مقهى أبو عمران، مضافاً إليه تبني «جبهة النصرة» للجريمة، إلى ملاحظات عدة مبكرة يجدر التوقف عندها بحسب مصادر مواكبة لملف الإرهاب في لبنان:
الأولى، تتعلق بأن ارتباط انتحاريي المقهى في جبل محسن وهما ابنا منطقة المنكوبين في طرابلس، بالإرهابي من عكار منذر الحسن إلى وجود خلايا نائمة قوامها أفراد لبنانيون من الشمال العكاري والطرابلسي. وهؤلاء بحسب نماذجهم الثلاثة المتوافرة لدى الأمن اللبناني ينتمون لفئة عمرية ما دون الثلاثين سنة الحسن مواليد عام 1990 ولديهم اتصال وثيق الصِّلة بجماعة «النصرة» في القلمون. وتعتبر هذه الخلايا أشد خطراً لكون أفرادها لبنانيين ومن أبناء المنطقة وليس هناك بيانات عنهم لدى قوى الأمن. وثمة من يجازف بالقول إن هذه النماذج هي الجيل الجديد من الإرهابيين اللبنانيين الذين ولدوا بفعل حافزين اثنين الأول نجاح «النصرة» في اختراق شمال لبنان مستفيدة من ظروف سياسية وأمنية شهدتها مرحلة الجولات العشرين في طرابلس، والثاني يتمثل بأنهم ولدوا في ظل نتائج معركة طرابلس الأخيرة التي فرضت على المجموعات الإرهابية الذهاب الى العمل السري واستبدال تكتيكاتها لمصلحة الاعتماد على أفراد محليين لا يثيرون الشبهات في محيطهم الذي ثبت أنه لا يشكل بيئة حاضنة للتكفيريين. ولا تستبعد مصادر أمنية أن تكون الجماعات التكفيرية قد عمدت لإعادة بناء خلاياها في طرابلس والشمال على أساس التكيف مع مرحلة ما بعد حسم الجيش لمعركة طرابلس، خصوصاً لجهة أخذ العبرة من تعاظم الشعور الشعبي في كل الشمال بضرورة التوحد ضد الإرهاب. وبكل الأحوال فإن مثال منذر الحسن الذي أشار الوزير المشنوق إلى إمكان أن يكون انتحاري جبل محسن من مجموعته، يحمل معانٍ عدة، أولها ولادة جيل لبناني من الانتحاريين ينمو في ظل ظروف فقدان الخطة الأمنية لطرابلس من بعد تنموي اقتصادي، وثانيها ولادة حيثية أمنية لبنانية خالصة لـ«جبهة النصرة» في لبنان، وثالثها وجود ذيول إرهابية لا تزال تتفاعل لنتائج المواجهات السابقة للقوى الأمنية مع الإرهاب في الشمال، وهذه الأخيرة تحاول القيام بتجديد نفسها وفق طبيعة المرحلة الجديدة وذلك عن طريق بناء خلايا محلية لبنانية جديدة ليست هناك معومات بشأنها بعد لدى الأمن اللبناني أو الخارجي، ويحاول أيضاً القيمون على تحريكها في القلمون، خوض عمليات تصفية حسابات بواسطتها مع المرحلة السابقة من القتال في طرابلس، وأيضاً استخدامها للانقلاب على خطط الدولة والقوى السياسية لتحصين مرحلة التهدئة التي بدأت مع إنهاء حقبة خطف طرابلس والشمال من الإرهاب.
الملاحظة الثانية، تتعلق بإعلان «جبهة النصرة» تبنيها التفجيرين الانتحاريين. وثمة رأي سائد بقوة لدى متابعين للوضع في القلمون يفيد بأن هناك هدفاً أساسياً لعملية مقهى عمران وهو تأكيد «جبهة النصرة» أن التخريب في الساحة اللبنانية لا يزال بيدها ولم ينتقل بكامله إلى أيدي «داعش» كما تتحدث مواقع الجماعات التكفيرية. وهناك من يذهب أبعد من ذلك ويقول إنه في مقابل الكلام عن خسارة «النصرة» لوجودها الفاعل في عرسال وجرودها لمصلحة «داعش» فإن الأولى تعلن عودتها إلى طرابلس ومنطقتها. وثمة أسئلة مطروحة في هذا الإطار الذي يحاول رسم سياق سياسي لتوقيت هذه العملية. وهنا تطرح ثلاثة أسئلة:
هل تعبر هذه العملية بدرجة كبرى عن وجود صراع بين «داعش» و«النصرة» على تأكيد نفوذ كل منهما في مناطق سيطرتهما العسكرية المباشرة أو الأمنية غير المباشرة؟!
هل تريد «النصرة» من خلالها إعلان أنها نجحت في تعويض خسارتها لبنيتها الأمنية خلال معركة طرابلس الأخيرة. عبر بناء بنية أمنية جديدة عصية فتية وغير مخترقة؟
هل تعبر العملية عن افتتاح موسم تفجيرات أمنية جديدة أو حرب أمنية في لبنان بعد فشل «الدواعش» و«النصرة» في تسجيل انتصارات أمنية على الجبهة البرية مع الجيش اللبناني والمقاومة على طول خطوط تماس السلسلة الشرقية من جبال لبنان؟!
وأياً كانت الإجابة الصحيحة عن الأسئلة الثلاثة الماضية، فإن عملية مقهى عمران في جبل محسن، تعبر عن محاولة من قبل التكفيريين لتعويض خسارة في ملف ما في حربهم الإرهابية على لبنان ولذلك يشاع في الوسط الأمني وصفها بأنها عملية لوقف مسار تعاظم حالة الإحباط لديهم.