إرهابيون في باريس و«ثوار» في دمشق؟
جمال العفلق
ليس بالعنوان الغريب، ولا هو لعب على الكلام، بل هو حال الواقع الدولي والإقليمي منذ اندلاع الحريق الكبير في المنطقة تحت اسم «الربيع العربي» ولا يزال مستمراً حتى الآن.
فما أن تمت العملية، حتى وصفها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالإرهابية، ولسنا مختلفين على التوصيف، لكنّ المفارقة أنّ هذا الوصف الجنائي لم يكن يوماً ينطبق على ما حدث ويحدث في سورية طوال السنوات الأربع، وخصوصاً أنّ الشعار الذي رفع في باريس لا يختلف عن شعارات ترفعها الجماعات الإرهابية في سورية، بدءاً من «النصرة» وانتهاءً بـ«داعش». لكنّ الغرب في شكل عام وفرنسا خصوصاً، يصرُّ على رفض وصف تلك العصابات التي تقتل الشعب السوري بالإرهابية، بل يعتبرها مجموعات ثورية ويصرُّ على تسمية مجرميها، الذين يديرون عملياتها من باريس واسطنبول والدوحة، بالمعارضين الذين يطالبون بحقوقهم. وليس هذا بالغريب عن فرنسا أو عن الغرب الذي طالما كال الأمور بعشرات المكاييل ووفق مصلحته وما يناسبه، وما التسهيلات التي قدمتها وتقدمها فرنسا ومن معها لهذه الجماعات، بتأمين السلاح لها وتسهيل تنقل أفرادها ودعم إيجاد كيان سياسي لهم من خلال دعم بعض السوريين الذين يعيشون في باريس ويحملون الجنسية الفرنسية ويتقاضون أجورهم عن كلّ تصريح ضدّ وطنهم الأم سورية، إلا دليلاً على ذلك. فالسياسة الفرنسية التي تسعى إلى خلق مستعمرات جديدة، بدأت في دعم الانفصاليين في ليبيا ودعم مشروع تقسيم سورية ولبنان من خلال العملاء الذين باعوا أنفسهم للأمسيات الباريسية.
إنّ ما ضرب فرنسا اليوم هو الفكر نفسه الذي يضرب سورية والعراق والمنطقة العربية، بالأدوات نفسها، وهو الفكر نفسه المدعوم غربياً، فلا يمكننا تجاهل الدور الأميركي في صناعة «القاعدة» وأنّ حلفاء أميركا والغرب في المنطقة، وخصوصاً السعودية، هم مصدرو الإرهاب والإرهابيين، ولم يعد مقبولاً اليوم أن تتجاهل فرنسا أنّ أهم حلفائها في المنطقة، كان الممول الأكبر للإرهاب، ومن الغريب أن يلتزم الشعب الفرنسي الصمت تجاه حكومته التي تدعم الإرهاب من خلال تحالفها مع مموليه.
على المقلب الآخر، خرج علينا ما يسمى «الائتلاف» ببدعة جديده أراد منها تقديم الولاء وتأكيد الطاعة لسيده في باريس، وفي الوقت نفسه، تثبيت دوره الغارق في الخيانة والمتاجرة بدماء السوريين، فكان بيانه المكتوب بأيدٍ ملطخة بالدم والعمالة، موجهاً رسالته إلى القمة الأوروبية طالباً من الأوروبيين محاربة سورية واعتبارها مصدر الإرهاب، بعبارات تدلّ على مدى الانقياد والعمالة. نسي كاتب البيان أو تناسى، أنّ فرنسا كما بريطانيا من قبلها احتضنت وتحتضن متطرفي الجزائر من الذين قادوا عمليات عسكرية ضدّ الجيش الجزائري، فما الجديد إذاً في أن يتم تنفيذ عمليات في قلب العاصمة الفرنسية؟
لم يخجل ائتلاف الدوحة من إصدار بيان الإدانة، في وقت كان الإرهاب، ولا يزال، يحصد أرواح السوريين. ولطالما اختار هذا الكيان تسمية العمليات الإرهابية بالعمليات العسكرية، ولم يحرّك قطع الماء والكهرباء عن المواطنين السوريين وقتل المدنيين وقطع الطرق وسرقة البيوت مشاعره، وهو الذي يعلن ليل نهار أنه يدافع عن الشعب السوري، بل ويدّعي أنه ممثل له.
ومع هذا الفصام الأخلاقي الذي يجتاح العالم، قرّر مجلس الأمن الوقوف دقيقة صمت حزناً على الضحايا الفرنسيين، في وقت لم يكن هذا المجلس قادراً على إيجاد صيغه تدين مصدّري ومموِّلي الإرهاب الذي يحصد أرواح الأبرياء في سورية، والإرهاب نفسه، الذي يحصد منذ عقود أطفال فلسطين على يد العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة. وقد تناسى هذا المجلس أنّ مئات الآلاف من الأبرياء في الشرق هم ضحايا الإرهاب نفسه والفكر نفسه الذي ضرب قلب فرنسا وسوف يضرب قريباً في عواصم أخرى.
فما هو مصدر هذا الفصام الأخلاقي؟ لا أكون متطرفاً إذا قلت إنّ الغرب لا يقيم اعتباراً لدماء الضحايا في الشرق، ولا يعنيه العدد الذي يُقتل، ولا يعنيه من المنتصر، شرط أن يكون هذا المنتصر تابعاً له وخادماً وفياً لمصالحه.
إنّ هذه النظرة لدى الغرب، ناتجة من تبعيته العمياء للمشروع الصهيوني الذي يسيطر على مفاصل الاقتصاد الأميركي والأوروبي ويمتلك أكبر الماكينات الإعلامية التي توجِّه عقل المتلقي لما يخدم مصلحتها. فقتل الناس في سورية وسقوط الضحايا هو ثورة، أما في باريس فهو إرهاب أسود أُدين بأشدّ العبارات، وقد تكرّرت كلمة إرهاب ألف مرة على لسان الإعلاميين والسياسيين خلال ساعات فقط من وقوع الجريمة، بينما في سورية تصرّ فرنسا على أنّ ما يجري هو عمليات عسكرية متبادلة بين الجيش السوري والمعارضة المعتدلة .