كرة قدم بلا جمهور… حركة بلا بركة
حسن الخنسا
تعتبر كرة القدم اللعبة الأشهر والأكثر شعبية في العالم، وقد اكتسبت هذه السمات من الجماهير التي تتوافد إلى الملاعب على مختلف أرجاء المعمورة لمشاهدة المباريات التي تجمع فرقها المفضلة. في لبنان خصوصاً، لا يكتفي المشجّع لفريقٍ هنا أو فريق هناك بمشاهدة المباريات من خلف شاشات التلفزة، بل تدفعه لذة الحضور إلى مدرجات الملاعب لمتابعة فريقه المفضل عن قرب مع المحافظة على الشعارات واليافطات التي ترفع أثناء كل لقاء. هو عصب اللعبة ونكهة الملاعب، له تسجّل الأهداف ومعه يحتفل اللاعبون، بهتافاته تهتز المدرجات وعلى وقع اعتراضاته «ترتجف» أقدام اللاعبين، هو جمهور كرة القدم الذي يُعتبر الحجر الأساس للعبة التي لا بد أن تتراجع في غيابه.
منع الجمهور اللبناني من متعة مشاهدة المباريات على مدرجات الملاعب لأسباب أمنية كادت تطيح باللعبة الأقوى في العالم، وجاء هذا القرار بمباركةٍ من القوى الأمنية اللبنانية والاتحاد اللبناني لكرة القدم، ما أثّر سلباً في الاتحاد نفسه وفي النوادي من الناحية الاقتصادية والفنية.
فنياً، تأثرت جميع النوادي واللاعبين بخلو المدرجات من روّادها، فاللاعب الثاني عشر كانت لغيابه نتائج سلبية على الأحد عشر لاعباً الباقين. من منّا لا يذكر جمهور النجمة الذي لا يتوانى عن حضور مباريات النبيذي، وكيف كان اللاعبون على مرّ التاريخ يتأثرون أداءً بمواكبة الجماهير.
مالياً، تأثرت الأندية والاتحاد بشكل سلبي بسبب قرار المنع الذي طاول عشاق الكرة، فإيرادات الاتحاد من مباريات الدوري والكأس وكأس النخبة والكأس السوبر بلغت ملياراً ومئة مليون ليرة لبنانية عام 2002، حصل الاتحاد حينها على 20 في المئة من المبلغ الإجمالي، أي 220 مليون ليرة، فيما ذهب الباقي إلى الأندية، أي ما قيمته 880 مليون ليرة. المواسم التي تلت شهدت أيضاً دخلاً سنوياً كبيراً من خلال الحضور الجماهيري وصل عام 2004 إلى 737 مليون ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السنوات التي لحقت بسابقاتها حتى جاء عام 2007 حيث كانت الإيرادات صفراً ما عدا أموال النقل التلفزيوني.
وشهدت مباراة النجمة والعهد في ذهاب الموسم الحالي حشداً جماهيرياً لم تشهده مباريات الدوري اللبناني منذ سنين. إذ توافد الآلاف لحضور اللقاء الناري الذي انتهى بفوز النبيذي صاحب أكبر حشد جماهيري في لبنان. وقيمة ما جرى أنه أعاد الثقة للعبة كرة القدم بوصفها اللعبة الشعبية الأولى في لبنان وأعاد ثقة رجال الأمن في جمهورها الذي فاق عدده الثلاثة عشر ألفاً والذي حضر وشجع بشكل حضاري قدر الإمكان.
لنا آمال في العام الجديد بأن تستمر المباريات بتشجيع راقٍ من قبل الجماهير التي تلحق الضرر بنواديها قبل أي أحد بسبب الشتائم والهتافات الطائفية، مع العلم أن جمهور كرة القدم في لبنان على بعض علّاته أرقى بكثير من جماهير اللعبة في كثير من دول العالم ولا سيما المتقدّم كروياً منها، ونتمنى أن تأخذ القوى الأمنية دورها في الملاعب اللبنانية عبر محاسبة كل من يتجرأ على إطلاق الهتافات الطائفية والمذهبية على المدرجات، فالملاعب وجدت لممارسة أرقى طرق تعبير الإنسان عن نفسه وعن ثقافته، وجدت لممارسة الرياضة، لا لتفجير ما بقي من موروثات وأمراض اجتماعية لم تجد مكاناً لها في أروقة التنظيمات الطائفية والمؤسسات الفاسدة الممارسة للسياسة!