تضامن النفاق

شهناز صبحي فاكوش

هجوم على «تشارلي ايبدو» في باريس جريمة يحتشد لها العالم ويتداعى لها قادة وزعماء، وتقطع لأجلها قنوات الكيان الصهيوني ويصبح بثها مباشراً من باريس. يتباكى العالم وفي أقلّ من عشر ساعات تنظم مليونية تأتي بحضورها طائرات العالم.

يرتكب الإرهابيون مجازر بحق المدنيين في سورية، ويُستهدف مقرّ قناة الإخبارية السورية ويستشهد بعض أفرادها، يُقنَصُ إعلاميون سوريون، يخطفون ويقتلون بدم بارد، يورد الخبر عابراً كأيّ واقعة، لا يحتاج وقفة ولا تعليق.

يُستهدف جنود سيناء المصريون في رمضان، كما جنود الشدادي في سورية ولا يندّد أحد، والجميع موقن أنه إرهاب منظم، ولا ينبس ببنت شفة. تنتهك غزة والموت الجماعي يوزع مجاناً، ويرثى لحال القاتل الصهيوني لأنّ أفراده قبعوا في الملاجئ أياماً. وينسى العالم صبرا وشاتيلا وقانا، وحطلة وسلمى وخان العسل والحولة…

ترتكب جريمة جنائية في متجر للذهب في باريس، ويربط الحدث بـ«إيبدو»… أما جريمة جبل محسن الإرهابية في لبنان، يتناساها العالم لأنه مشغول بمليونية باريس، فالدم الباريسي غالي الثمن، خاصة أنّ فيه دماً يهودياً. ما قيمة الدم العربي إزاءه!؟

ثكلتكم أمهاتكم أيها العربان، كيف تغمض جفونكم ودم الشهداء في رقابكم، هل أصبحتم غثاء البحر الذي جاء على ذكره النبي محمد صلى الله عليه وسلم. هل مات الإحساس عندكم ولم يستيقظ إلا مع «تشارلي ايبدو». وعاد إلى الموات مع الاستهداف الإرهابي لجبل محسن وقناة الأنباء الليبية. ويدين مجلس الأمن بعضاً بخجل…

أي نفاق هذا الذي ساقكم إلى باريس، تضامناً مع العالم الذي سَمّى الإرهاب في بلادنا جهاداً والإرهابيين ثواراً…! عبد الله الأردن يحنّ إلى دم أمه الإنكليزية، وعباس أنهى كلّ مشاكل أهلنا الفلسطينيين، وحرّر كامل أراضيه. وقضى على الإرهاب الصهيوني ضدّ شعبه. وتفرّغ للإدانة. أيّ قوم نحن يا عرب!؟

الإعلام العالمي يستنفر لأجل مسيرة الجمهورية الباريسية، كثيرون رفعوا شعار «أنا تشارلي…»، كم عربي رفع شعار الإخبارية والأنباء وغزة وجنوب لبنان المغامرة ؟

الإرهاب الذي استهدف سورية في الثمانينات من القرن الماضي، دعا بعد الخلاص منه القائد التاريخي حافظ الأسد إلى مؤتمر عالمي يعرّف الإرهاب ويضع آليات لمكافحته. لأنه لا بدّ عائد بلبوس مختلف بين زمن وآخر فهو لا دين له ولا وطن.

حينها تندّرت دول كثيرة للدعوة، ولم تستجب. اليوم وزير العدل الأميركي يدعو إلى مؤتمر ضدّ الإرهاب في الثامن عشر من الشهر القادم. هل أدرك الرجل اليوم أنّ الإرهاب يستشري في بلادهم التي لم تبد اهتماماً عند استهداف البرجين التجاريين.

في حادث البرجين لم يذهب اليهود الموظفون إلى العمل بتاريخه… في باريس كان بين الضحايا يهود… ما يستدعي التنادي إلى مؤتمر ضدّ الإرهاب… اللوبي الصهيوني ببساطة مهندس الإدارة الأميركية ومحرّر قراراتها… هل من لبس في ذلك!؟

هولاند الفرنسي الذي يعيش أحلامه المدحورة في سورية، متحالفاً مع أردوغان العثماني الذي يحرّر أوهامه السلجوقية بسرقة معامل حلب ومقدراتها الاقتصادية. يحاول الفرنسي اليوم استغلال ما حدث ليوظفه لصالحه، فيكسب تعاطف شعبه لرفع نسبة قبوله التي وصلت إلى 13 وهي أدنى من نسبة سابقه ساركوزي.

هولاند الذي يتهم الدولة السورية بعدم الشرعية، بدلاً من أن يسائله حكام العرب عن شرعيته، يدعمونه اليوم في رفع نسبتها. ويتنصّلون من الوقوف مع الشعب السوري ضدّ الإرهاب الذي يحصد أبناءه، في مجازر جماعية، وقطع الرؤوس.

أما حرية التعبير فهي مسألة مثيرة للاهتمام… عندما يُستهدف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام، الغرب يقزّم الأمر من قضية رأي عام، إلى حرية التعبير… ويُعاب على المسلمين والمسيحين، حرية التعبير في الدفاع عن رسلهم.

ترفع في التظاهرة المليونية شعارات حرية التعبير، ويتصدّرها نتنياهو الذي يستغلّ ما حدث ليعلن في بيانه الانتخابي «أنّ الكيان الصهيوني الدولة الأكثر أماناً ليهود العالم»، داعياً يهود فرنسا للهجرة إلى الكيان، في فلسطين المحتلة. بعد عودة يهوده إلى بلدانهم الأصلية التي ينتمون إليها، خوفاً من صواريخ المقاومة.

أكثر من خمسين رئيساً وممثل دولة بينهم مصنّعو الارهاب ومحتضنوه وداعموه.. داوود أوغلو الحاقد والحاضن للإرهاب، وملك الأردن يتأبّط ذراع زوجته، تاركاَ بلاده عرضة لمبايعة «داعش» في كثير من المدن، المهمّ أن يبقى ملكاً، وأرضه قناة تسريب الإرهاب إلى سورية. ميركل التي تناصب سورية العداء دون سبب، إلا ما يخفيه صدرها. لا تفوّت فرصة لتنال من الشعب العربي. تضامن يجمعهم كلّ لمصلحته.

هولاند يستقطب شعبه في المليونية ليسجل موافقةً لقابل الأيام في محاربة الإرهاب داخل فرنسا وخارجها، كما يصرّح… متباكياً بدموع التماسيح أنه معنيّ بحمايتهم.

الجميع يأسف لما حدث، ليس بياناً، بل موقفاً تجلى بالحضور. أهو خوف حقيقي من تفشي الإرهاب في بلادهم. أم هي رغبة صادقة للقضاء عليه. لماذا الآن؟ هل لأنّ البلل وصل اليوم إلى الذقون…؟ وقبلها حايدة عن ظهري بسيطة .

أَمْنُ الكيان الصهيوني المعمول لأجله، لا يكون إلا بتحطيم العراق… وفعلوا. وبتفكيك سورية، يسعون للوصول إليه ولكنهم يفشلون… أمام الصمود السوري. أما النيل من مصر فقد حصل بربطها برسن «كامب دايفيد». واليوم تنسلّ أيادي الإرهاب إلى داخلها ولكن بالنفس الطويل… سياسة صهيونية بحتة…

هل تتحقق نبوءة أو حلم بن غوريون… أم يستفيق العرب من تخلفهم وجهلهم وغبائهم وغرقهم في تفاهات الحياة؟ والحرص على أموال النفط كي لا يصنّع بها سلاح يرتدّ إلى صدورهم؟ ترى هل تستفيق العشوائيات العربية من استهداف الإسلام السمح؟

هل تَعتَبر غوغائيات الإسلام التي وظفت لقتل أمة الإسلام والعرب؟ إنْ كان الصمم قد أصاب الجميع، فإنّ بيانات نتنياهو وحدها تخترق الآذان رغم صممها… هل من مفكر ومعتبر؟ أم سيظلون في غيّهم يعمهون؟ إلى أن نصبح نتفاً…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى