الإسلام منبع الإفاضات السماوية
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
الإسلام هو دينٍ للبشر، للحياة، والاستقامة الاجتماعية والتكامل الأخلاقي. دين يقوم على اليسر والبِشر والمحبة والأخوة. دين ينبذ العنف والتصنيف الطبقي والاستغلال السياسي والكراهية بكل أبعادها. ما يجب أن يعرفه جميع الذين تظاهروا في باريس ضد الإرهاب أنّ دين الإسلام هو دين خدمة الإنسان وسعادته وهو الأساس لتطوير قدراته ومؤهلاته وكمالاته الروحية. وهو يتخذ من مصالح الناس محوراً لتشريعاته، ومن صلاحهم محوراً لحركته. من هنا تأتي الدعاية السيئة والنظرة السلبية إلى الإسلام لغرضين في الحد الأدنى: الأول، السيطرة على بلاد المسلمين وسلب ثرواتهم. والثاني، للقول إنّ الحضارة الغربية بماديتها وثقافتها وقوانينها هي الأرقى والأصلح للبشرية. ومن المفيد القول إنّه ثمة قيد آخر لكل ما يروج له في الغرب ضد الإسلام وهو الفكر التكفيري الذي غذته الوهابية والعثمانية بما يحتاجه من مدد ليتوهج ويضرب أصالة الإسلام بكل عناوينه وقيمه.
ما نفهمه عن الإسلام الذي نحمله بقلوبنا أنّه لم يأتِ بغرض إرهاق الناس وتقسيمهم أوإنهاكهم بالواجبات وإنما لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن أُسر المادة إلى عالم النور.
الإسلام منبع الإفاضات السماوية الذي يتجلى بقوله تعالى: «لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً». ما يشدد عليه هذا الدين هو فتح الآفاق بين العبد وربه، بين عالم الشهادة وعالم الشهود، بين ما هو حركة على الأرض وانفتاح وانتباه إلى السماء. سماء الرحمة والمحبة. لذلك نرى في كل الحركات الاستعراضية التي تقوم اليوم بمواجهة الإرهاب بكونها صورة من صور المخادعة والزيف. أليس كل ما يحصل في بلادنا هو بسبب السياسات الاستكبارية الاستعمارية؟ أليس كل هذه الدماء والقتل والهمجية هي بفعل الدعم الغربي والتغطية الغربية؟
أليس وجود الكيان «الإسرائيلي» الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة ويمارس أبشع أنواع الإرهاب والعنصرية ضد العرب والفلسطينيين هو بإرادة امبريالية غربية؟ أليس الخطة القديمة لتقسيم العالم العربي لمنعه من التوحد، والخطة الجديدة لتمزيق الأرض بين قوميات ومذاهب وجماعات وعشائر وإمارات هي بسبب الذهنية الغربية النفعية المادية التي تقوم على المصالح لا القيم؟ أليس كل هذا الخراب والفوضى في العلاقات هو بسبب التدخلات الخارجية والضغوط الغربية؟ الغرب الذي بدأ يشعر بالخطر من التكفير والإرهاب لم يكن فطناً كفاية، بل كان منساقاً لغرائزه ومصالحه التي لا تعرف حدوداً إنسانية أو أخلاقية. لا نشمت بالغرب وما يحل به اليوم، ولكن من طبخ السمّ ها هو يتناوله بيده هذه الأيام.