مدارات هل كانت ثورة حقيقية أم انقلاب خفي أم انتفاضة عفوية؟

ناديا شحادة

تعد تونس احدى دول شمال أفريقيا المطلة على البحر المتوسط والتي يشهد لشعبها بثوراته على الظلم، حيث شهدت تونس العديد من الثورات وكثيراً ما كانت تلك الثورات تمتد لتشمل معظم دول المغرب العربي. ففي عام 1881 عندما خضعت تونس للحماية الفرنسية، انفجرت المقاومة الشعبية وتأسست اول حركة سياسية منظمة عام 1907، ثم ظهر الحزب الدستوري التونسي وحصلت تونس في آذار عام 1956 على استقلالها، وتولى الرئيس الحبيب بروقيبة الحكم كأول رئيس لتونس التي استكملت استقلالها عام 1963 بإجلاء آخر جندي فرنسي عن قاعدة بنزرت، وفي 7 تشرين الثاني عام 1987 تولى الرئيس زين العابدين بن علي مقاليد السلطة وفقاً لاحكام الدستور حيث تمت المصادقة على أول دستور للجمهورية التونسية عام 1959.

وعلى رغم تضمن هذا الدستور العديد من المواد التي تضمن حياة كريمة للمواطنين وتضمن حرية الفكر والتعبير وحرية المعتقدات، الا ان ذلك لم يكن يطبق على ارض الواقع في دولة تونس. وقد فشل النظام التونسي وحكومته في توفيرها للمواطنين، إضافة الى انتشار معدلات البطالة في المجتمع التونسي فقد اشارت برقيات ويكليلكس الى تنامي مشاعر الاشمئزاز بين العديد من التونسيين لوجود الثروات في ايدي القلة في المجتمع في وقت بلغت فيه معدلات البطالة 30 في المئة. وهو ما دفع الشعب التونسي الى أن يثور في 17 كانون الأول حيث انطلقت التظاهرات وخرج آلاف المتظاهرين الرافضين للكثير من السلبيات الموجودة من بطالة وعدم وجود عدالة اجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم، حيث شملت التظاهرات مدناً عديدة في تونس وكان عدد الثوار يتزايد بشكل مستمر ويزداد حماسهم وبدأ الامر يخرج عن نطاق السيطرة الامنية يوماً بعد يوم، وهو ما دفع النظام السياسي لاستخدام اساليب وطرق مختلفة في محاولة لإخماد هذه الثورة ولكنها فشلت جميعها في إيقاف طوفان الغضب التونسي الى ان رحل رأس النظام زين العابدين بن علي.

وفي الذكرى الرابعة للثورة التونسية يستمر الخلاف بين التونسيين حول ما عاشوه، هل هو ثورة حقيقية ام انقلاب خفي ام انتفاضة عفوية ام حلم سرعان ما تبخر؟

هذا الجدل والخلاف بين التونسيين ربما يستمر لسنوات طويلة والى ان يتم التوصل الى توصيف جماعي لما حدث لا يمكن ان يختلف اثنان حول التسليم بأن تونس تغيرت عما كانت عليه في عهد الرئيس السابق.

جاءت مرحلة ما بعد 14 كانون الثاني لتثبت بعد اربع سنوات ان الشعب التونسي لم يتفرق كما كان يتوقع، ولم تسده الفوضى بعد غياب القائد الأوحد. لقد حمى الشعب التونسي مصالحه منذ الايام الاولى لهذا الفراغ الذي خلفه الدكتاتور بطريقة مذهلة وقد تم سد الشغور في شكل دستوري ثم رضي الشعب مؤقتاً بحكومة حققت استمرارية الدولة ثم تلتها حكومة لم تكن متوقعة تم تشكلت هيئة موسعة خلفت البرلمان السابق الذي تم حلّه ثم نظمت انتخابات كشفت عن نضج المجتمع ثم تشكلت حكومة ائتلافية هي الأولى من نوعها ثم انهارت وسلمت السلطة من دون حرب ثم تم الاجماع على دستور رحب به العالم من دون استثناء، وأخيراً نظمت انتخابات تشريعية ورئاسية تحت رقابة دولة غير مسبوقة في كامل المنطقة العربية، ويرى مراقبون ان ما حصل في تونس خلال اربع سنوات امر ليس بسيطاً فتحقيق التدوال السلمي على السلطة محطة تاريخية ضخمة في تاريخ شعوب المنطقة…

وفي الختام لا بد من الإشارة الى انه على رغم أهمية الثورة التونسية وتعبيرها كما نرى عن مطالب الشعب بالحرية والكرامة الا ان هناك من يفسر هذه الثورة بأنها نتاج للادارة الغربية وبخاصة الاميركية، مشيرين في ذلك الى كلمة وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون حول اعادة تشكيل الشرق الاوسط الجديد، حيث يرون ان الثورات ما هي الا محاولات لإثارة البلبلة في المنطقة حتي تستطيع الولايات المتحدة تحقيق اهدافها المتعلقة بالتقسيم او تغيير الزعامات او غيرها من التعديلات التي تخدم المصالح الاميركية والغربية و»الإسرائيلية» في الاقليم.

ولكن تظل في النهاية ارادة الشعب التونسي وصموده واصراراه وراء نجاح الثورة وتحقيقها لاهدافها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى