موسكو بمن حضر…

جمال العفلق

بهذه العبارة أراد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضع النقاط على الحروف لعكس صورة حجم التقييم الدولي لأطياف المعارضة السورية وعلى رأسهم ما يسمى «ائتلاف الدوحة» الذي رفض الدخول في مفاوضات غير مشروطة ليثبت مدى إخلاصه لمشغليه، وليس انتماءه إلى الشعب السوري كما يدعي، وإنّ إضاعة أي فرصة للوصول إلى حلّ سياسي يوقف آلة القتل ويحدّ من حجمها، هو جريمة جديدة تضاف إلى قائمة الجرائم الطويلة للائتلاف الذي يعمل وفق أجندة سعودية تركية بالتناوب، لكنه لا يخرج عن إطار تعليمات دوائر المخابرات «الإسرائيلية».

يعلم أعضاء هذا الائتلاف أنّ حضورهم وغيابهم لا يقدم ولا يؤخر في شيء لدى الشارع السوري عموماً، ولدى الجزء المعارض الذي لا يجد فيه ممثلاً حقيقياً له. وليس حال هيئة التنسيق بأفضل من حال الائتلاف، فهي مستمرة في التردّد ومسك العصا من النصف، ربما لحصولها على تعهدات ووعود من القاهرة، لكنّ السبب الأكثر قرباً من الواقع هو عدم امتلاك الهيئة أي آلية اتصال مع الشعب السوري، حتى أنها لا تمتلك أي سلطة على الجماعات المسلحة، والتي تشير الإحصاءات إلى أنها تفوق السبعين فصيلاً.

من هنا تأتي أهمية عبارة «موسكو بمن حضر»، لأنّ الذين سيحضرون إلى العاصمة الروسية يدركون أهمية فتح نافذة، ولو صغيرة، لتقريب وجهات النظر والتشاور في إمكانية وضع آلية مشتركة سياسياً لمواجهة الإرهاب الذي يقوم الجيش السوري بمحاربته، وحده.

وبالرغم من ادّعاء الولايات المتحدة الأميركية أنها نصحت ما يسمى «ائتلاف الدوحة» بالحضور إلى موسكو، إلا أنها سمحت للوكلاء بتعطيل قرار الائتلاف بالحضور، وذلك لإبقاء أبواب المساومة مفتوحة أمام الجميع للحصول على جوائز ترضية لقاء خدماتهم الكبيرة في تدمير سورية ومحاولات قتل شعبها المستمرة من خلال دعم الجماعات الإرهابية. وفي الوقت نفسه، ترى الولايات المتحدة أنّ التخلص من الائتلاف والاكتفاء بالمعارضة الداخلية أصبح ضرورياً، لأنها وجدت في المسعى الروسي مخرجاً لها وبوابة وصول إلى دمشق لرفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري لمحاربة الإرهاب، وهذا التنسيق لا يمكن أن يتم من دون موافقة دمشق مقابل توقف أميركا عن التصعيد الإعلامي.

وبعد عملية «شارلي إيبدو» في باريس، أعتقد أنّ دعوة الائتلاف تصبح خطأ لأنه يمثل «الإخوان المسلمين» وهذه الجماعة غارقة في الدم السوري منذ ثمانينات القرن الماضي، وما إرهاب اليوم إلا امتداد لنفس الفكر السلفي القائم على إلغاء الآخر، كما أنّ رئيس الائتلاف الجديد هو رجل تركيا وهذا سبب كافٍ لمعرفة وجهة الائتلاف القادمة، والتي لن تكون خارج مصلحة تركيا وطموحات أردوغان في توسيع أراضي تركيا على خطى العثمانيين. ولا أعتقد أنّ الجاهل لا يدرك ما تريده تركيا، فكيف بالذي يقيم في فنادقها وتحت إشراف مباشر من مخابراتها؟ لذلك أرى أنّ عدم الجلوس مع الائتلاف ومع من أراد السير والتنسيق معه أصبح الآن ضرورة سياسية لأنّ رفض الحوار من قبل هذا الائتلاف هو إقرار صريح بدعم الإرهاب.

إنّ اجتماع موسكو التشاوري بمن حضر، هو بوابة أمل لفصل المواقف وتعرية داعمي الإرهاب وتنسيق الجهود من أجل فتح صفحة جديده تقدم مشروعاً طموحاً لإخراج البلاد من أتون الحرب ودعم الجيش السوري في عملياته العسكرية لاجتثاث الإرهاب، هذا الإرهاب الذي تجاهل العالم وجوده أو بعبارة أكثر وضوحاً، صدَّره إلينا بما يحمل من دموية وأمراض سارية وأفكار هدامة، لكنه أنكره وأنكر علينا حقنا في الدفاع عن وطننا فحاصرنا اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً، معتقداً أنّ هذا الحصار سيلغي حقنا في الحياة الكريمة والعيش الواحد.

كان يكفي الائتلاف «مسرحية» باريس ليفهم أنّ الغرب غير ممتن له أو لغيره، عندما تتعلق القضية بأمنه، وكان يكفي العرب عموماً، ومن شاركوا في مظاهرة باريس خصوصاً، أن يفهموا أنّ الدم العربي ليس في الحسابات الإنسانية ولا الأخلاقية لدى الغرب، وعلى المعارضة الحقيقية التخلي عن شعار «عدو عدوي هو صديقي» إذا كانت مخلصة في شعاراتها التي ترفعها من أجل الشعب السوري، رغم أنّ هذه المعارضة، ومع كلّ أسف، لم تقدم حتى اليوم أي برنامج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يخدم الشعب السوري في شيء، حتى لو كان حبراً على ورق، وجلّ ما تسعى إليه هو الوصول إلى السلطة لنيل المناصب وأخذ الامتيازات. قد لا يكون هذا حال الجميع، لكنه حال الأغلبية المشرذمة والواقفة على أبواب السفارات الأجنبية تنتظر دورها للدخول. ولا يزال الشعب السوري، من جهته، يرى أنّ كلّ الاجتماعات والمؤتمرات هي خارج طموحه إذا لم تُعقد في عاصمته دمشق.

وأخيراً، إذا ما أعلن ما يسمى ائتلاف الدوحة حضوره، فلن يكون إلا لتمثيل مشغليه وفق تغيرات الواقع الدولي الجديد والتسابق في إعلان البراءة من العمليات الإرهابية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى