«شارلي إيبدو»… الأذى لأجل الأذى
روزانا رمّال
يعرف الفرنسيون جيداً انّ أمن البلاد هو أكثر ما يمكن ان تتغنى به الشرطة الفرنسية والسلطات الفرنسة على حدّ سواء، والتي باتت تعرف بعد حادثة «شارلي إيبدو» أنّ الأمور ليست على ما يرام، وأنها لم تعد كالسابق.
لا يمكن الاستهانة بقدرات الاستخبارات الفرنسية والفرق الجنائية والشرطة المتواجدة دائماً التي تواجه اليوم بعد الحادثة تحدياً لا مثيل له من جهة وتحظى بدعم غير مسبوق من جهة ثانية.
ساهمت «شارلي إيبدو» في انقسام الرأي العام الفرنسي والعالمي معا فهناك قسم اعتبر أنّ الحريات مقدسة، وقسم آخر رأى أنّ الحرية المتطرفة تجعل الدولة ملزمة بتحمّل تبعاتها، لأنها قد لا ترتدّ سلباً عند من تستهدف ولأنه قد لا يسلم الحال في كل مرة.
تضامن غير مسبوق مع الصحيفة المسيئة للرسول منذ سنوات، وهو بالتأكيد تضامن إسلامي ـ مسيحي، لأنّ لا الرسول يرغب في الانتقام له ولا يدعو سوى الى التسامح والغفران…
اما وقد حصل ما حصل فإنّ السلطات الفرنسية باتت أمام معطى هام مفاده انّ الإساءة الى نبي الإسلام قد لا تحمد عقباه في كلّ مرة، بغضّ النظر عن انّ الإرهابيين أصلاً الذين يستهدفون فرنسا اليوم لا تقتصر نواياهم على الانتقام إذا صحّ التعبير، بل تتعداها بكثير وربما آخر ما يمكن وضعه بين لائحة أهدافها في أوروبا: الانتقام للرسول.
هذه الجماعات التي أساءت إلى الرسول لا يمكن ان تنتقم له ولا بأي طريقة من الطرق، عدا عن انّ الجماعات التكفيرية أدرجت فتاوى تحريم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف معلنة انها «بدعة»، وهدّد بتدمير الكعبة منذ شهور، وعليه فإنّ اعتبار انّ الإرهابيين أرادوا الانتقام للرسول ليس سوى تحريفاً للمشهد.
السلطات الفرنسية اليوم باتت أمام تحدّ كبير، لكن السؤال المستجدّ: لماذا تسمح السلطات الفرنسية للصحيفة بالإمعان في الأذى والانتقاد طالما انّ النتائج قد تستغلّ وتعتبر مدخلاً الى العبث بالداخل الفرنسي؟
كيف يمكن ان تقتنع الحكومة الفرنسية بأنّ مسالة الحريات أهمّ بكثير من أمن المواطنين الفرنسيين، ولو لفترة بسيطة، خصوصاً أنّ الأمر لا يندرج سوى في إطار الإساءة المشيوهة والمكروهة بالتأكيد؟
«شارلي إيبدو» لم تسئ فقط الى النبي محمد بل أساءت الى المسيحية ايضاً منذ أيام بتناولها السيد المسيح ايضاً، قبل ان تعاود نشر كاريكاتور مسيء للرسول، ايّ قبل مرور اسبوع على الجريمة.
«شارلي ايبدو» صحيفة ككل وسيلة اعلامية قد تبتغي الربح والإثارة والترويج لنفسها، لكن بالتأكيد هناك من قد يستغلّ ما تقوم به الصحيفة للترويج لإساءة مقصودة للإسلام، وتظهير الإسلام داعياً للقتل وقمع الحريات في كلّ مرة يستفز فيها المسلمون في الأرض، بالاضافة الى أنّ هناك اليد الخفية الصهيونية الاستخبارية التي تعمل وتبذل الجهود الحثيثة منذ عقود للإساءة إلى المسيحية والاسلام، وقد نجحت في ذلك عند المسيحيين حتى باتت معظم أفلام السينما تتناول المسيح بشتى الطرق، وتستكمل اليوم مشروعها عند المسلمين حتى تسقط هالة الدين ومهابة النبي وصورته المقدسة عندهم.
«شارلي إيبدو» تعيد نشر صور جديدة مسيئة فقط للأذى، وهي تعرف أنه أذى لجزء كبير من سكان الارض…
الصحيفة هذه ليست معروفة كثيراً عند الشارع الفرنسي ولم تستطع جذب الفرنسيين ومعهم العالم سوى بعد الإساءة إلى الرسول، ليس لأنّ المسلمين أصحاب رأي قمعي، إنما لأنهم لم يعتادوا حتى الساعة على التصالح مع فكرة انّ حرية التعبير تتناول مقدساتهم كما استطاع المسيحيون التأقلم مع الفكرة نفسها حول العالم بجهود صهيونية مبيّتة.
«شارلي إيبدو» نجحت بالتأكيد في رفع سعر المبيع عندها كما ارادت، و استطاعت نشر 3 ملايين نسخة من الأذى لأجل الاذى.
السؤال السياسي موجه إلى السلطلت الفرنسية التي مفترض ان تتعاطى بمسؤولية امام هذا الامر، والمفروض عليها اعتبار ان امن الفرنسيين ودماءهم أهمّ بكثير من اعتبار الإساءة حرية، في وقت لم تكن فرنسا يوماً سوى رمزاً لحرية التعبير، فلا بأس اذا اتخذت بعض القرارات حفاظاً على سلامة المواطنين الفرنسيين، ولعدم إعطاء الإرهابيين مزيداً من الحجة ليس لأ
جل الخضوع انما من اجل رفع مستوى المسؤولية لدى التعاطي مع عدو مجرم.
السلطات الفرنسية مسؤولة عن هذا التجاوز، و«شارلي ايبدو»… أذى لأجل الأذى.
«توب نيوز»