مجدل زون… واجهة أثرية بين أيادٍ متعثّرة وكسّارات مدمرة

تحقيق: غادة دايخ وكوثر عيسى

ذات صباح أخضر جميل، أشرق الانتصار شمساً جديدة ما بين الجبل والبحر بعدما ذبل الزرع طويلاً. واليوم، تلامسه أياد كتبت معنى الحرّية. 25 سنة، وبلدة مجدل زون الجنوبية تتحدّى أسى الظلم ووحشة الهجرة، وهي على تماس مع عدو غاشم.

قاومت قبل عشرات السنين وجود العدوّ «الإسرائيلي» داخل الأراضي اللبنانية، كانت تتبع هذه البلدة ولاية عكّا خلال الحكم التركي برئاسة أحمد باشا الجزّار الذي تولّى عكّا في ثمانينات القرن الثامن عشر. فكان جدود آل الزّين في مجدل زون حلفاء للأمير بشير في ذلك الوقت. وعند انتصار الجزّار على الأمير بشير، هدر أموال آل الزين وحلل سفك دمائهم. وهرباً منه، تشتت العائلة المؤلفة من تسعة أخوة في بلدان عدّة بعيداً عن الظلم والاستبداد.

تتواتر المعلومات والروايات الكثيرة في هذه البلدة الصغيرة، والمؤكد منها أنّ أهل مروحين الجنوبية كانوا من السكان الأصليين لمجدل زون، روايات أخرى تقول أنه قديماً، كان يسكن البلدة بعض البدو في قطعة أرض تسمّى اليوم «جبّانة العرب».

ويقال أيضاً إنه من آلاف السنين كان اسم البلدة «دير مجد» أي على أيام الرومان والبيزنطيين وهو إسم سيرياني، والآثار الموجودة تدلّ على أن البلدة كان يسكنها المسيحيون. فالأسماء التي لقبّت أراضي البلدة بها تدلّ أيضاً على ذلك: «مرج مارون»، «كرم نصيف»، «خلّة مارون»، «جلّ الميدان»، «كرم النبيّ». أمّا الإفادة العقارية للبلدة فتفيد أنّ اسمها «خلّة مارون».

عاشت مجدل زون خطّ تماس مع العدوّ «الإسرائيلي» على مدى خمس وعشرين سنة تهجّر خلالها نصف سكّانها إلى بيروت و10 في المئة منهم في محيط صور هرباً من القصف المتواصل. ولكن أهل القرية عاشوا حياتهم الطبيعية القروية المقاومة بكل تفاصيلها على رغم استهدافها أكثر من كلّ القرى المجاورة لها، وكانت الأراضي الشرقية في القرية لا مجال لدخولها.

تقع مجدل زون في قضاء صور محافظة الجنوب وترتفع عن سطح البحر 440 متراً، وتتمدّد بشكل واسع إذ تصل مساحتها إلى 1400 دونماً، أمّا عدد سكّانها فيصل تقريباً إلى 4500 نسمة، فيما يصل عدد المقيمين في البلدة 750 نسمة، 50 في المئة منهم موزعون داخل لبنان وخارجه، و15 في المئة منهم في ألمانيا.

تتألق القرية بموقعها الجغرافي المميّز، إذ تتمتّع بمناخ الجبل والساحل كونها شبه جبلية وقريبة من البحر، فأصبحت اليوم منفتحة على لبنان كله بعدما كانت بلدة مغلقة.

تمتاز البلدة أيضاً بزراعة التبغ والزيتون والقمح، وغالبية الأهالي مكتفون ذاتياً، ما مكّنهم من تأمين لقمة العيش بعرق جبينهم.

وقام المقتدرون في البلدة بحفر بعض الآبار الإرتوازية الحديثة التي تفتح مجالاً أوسع لخلق فرص عمل جديدة، ما ساعد في زيادة اليد العاملة وإنهاء البطالة.

معصرة القديمة

خلال جولة لموقع «صوت الفرح» الإلكتروني في مجدل زون من أجل إظهار جمال الجنوب الصامد وتسليط الضوء على تراث البلدة، روى لنا أحد كبار السّن في القرية عن معصرة زيتون قديمة الصّنع، يعود عمرها إلى أكثر من سبعين سنة. ولم يبق منها إلّا آثارها، مثل جرن الرحى والدولاب والمكبس. إذ كان الأهالي يجرّونه بوساطة الحصان. ويتابع المسنّ: عصر الزيتون في تلك الأيام كان يبدو وكأنّ أهلّ القرية يتحضّرون للذهاب إلى حفلة تجعلهم يشعرون بنكهة مميزة، توقّف العمل بالمعصرة عام 1978 عندما تهجّر الناس بعد اجتياح الجنوب من قبل العدو «الإسرائيلي»، وتأثرت المعصرة بشكل سلبي، إذ هُدمت وتوفي صاحبها. أمّا اليوم فالناس يعتمدون على المعاصر الحديثة، والمعصرة القديمة في البلدة أضحت من الآثار.

بلدة تراثية

تستحقّ قرية مجدل زون الجنوبية أن تصنّف بلدةً سياحية هامة على صعيد الجنوب، فهي تملك عدداً، لا بل آثاراً قديمة كثيرة تؤّكد مرور الرومان والبيزنطيين فيها من مئات السنين. فقد اكتشف أهالي البلدة على مرّ السنين، عدداً من الآثار والمغاور والمدافن التي تثبت حقّا أنّها بلدة تراثية.

مغارة تنافس جعيتا

واكتشف أهالي مجدل زون مؤخراً مغارة في باطنها، تشبه بمواصفاتها مغارة جعيتا، وكانت قبل عام 2000 موقعاً لقوّات الطوارئ وتسمّى «خلّة مقلو» بمحاذاة مكان لرمي النفايات.

بعد التحرير عام 2000، كانت تلك الحفرة تمتلئ بالماء سنة بعد سنة، ومؤخراً، ولدى مرور صيادين هواة في المحلة، حاول بعضهم اكتشاف هذه الحفرة، وعند المعاينة اكتُشفت المغارة المختبئة لآلاف السنين. بلّغت بلدية المجدل مدير مكتب الآثار في صور وأبدى الأخير اهتمامه، فأعدّ تقريراً وقدّمه لوزارة الثقافة للاهتمام بها من كل جوانبها، كما أبدت البلدية وأهالي مجدل زون فرحهم العميق لهذا الاكتشاف النوعيّ المميّز، منتظرين وزارة السياحة لرسم خطّة عمل للمغارة من قبل المختصّين في هذا المجال.

تجاهل وإهمال

بلدية مجدل زون مستحدثة منذ عام 2004. قدّمت البلدية في بداية عملها جهداً كبيراً، إذ تنكبت مهمة تلبية حاجيات المواطن، واستكملت البلدية الحالية عملها مع عرقلة بعض الأمور السياسية. ومع استقالة رئيس البلدية الحاليّ، كلّف نائب الرئيس حسين الدر من قبل وزير الداخلية والمجلس البلدي بترؤّس البلدية.

يؤكد الدر أنّ البلدية تعمل بما تيسّر بغياب تامّ للدولة اللبنانية منذ انتخاب البلدية، فهي لم تحصل على أيّ مشروع من وزارة الأشغال، لا بل أنّ المشاريع تقام على نفقة البلدية، على رغم أن هذا يحصل على عاتق الوزارة. وقدّمت البلدية عدّة ملفات مطالبة بحقّها إلا أن وزارة الداخلية كانت تحتجّ في كل مرّة.

وتحتاج البلدة إلى التفاتة من الدولة لأنها تعاني من نقص المياه وسوءاً في البنى التحتية وغيرها، كعدد من البلدات اللبنانية. ولفت الدر إلى أنّ إهمال منطقة صور مقصود، فالطرقات من شمال لبنان إلى جنوبه يعاد تأهيلها وصولاً إلى بداية مدينة صور من برج رحّال إلى آخر الجنوب. واشتكى قائلاً: «لا جامعة لبنانية في صور، فإذا أراد المواطن تعليم أولاده يبيع أرضه ليرسلهم إلى مناطق أخرى للتعلّم، والدولى غير مستعدّة لبناء مستشفى حكومي في المنطقة، إذ يموت المواطن مذلولاً على أبواب المستشفيات الخاصة. وإذا أراد المواطن الحصول على سجلّ عدلي أو إفادة عقارية أو تثبيت إخراج قيد فهو مجبر على مغادرة منطقته ليحصل على ذلك».

التهجير ممنوع

صاحب مكتب هندسة، مكلّف من قبل وزارة البيئة بإعداد دراسات التصنيف، وهو المهندس «ح س» من منطقة صور، اشترى بعض الجبال والأراضي في بلدة مجدل زون بأسعار بخسة، بحجّة أنها أرض مهجورة وغير مصنّفة. أعدّ الدراسة للوزارة وصنّفت مجدل زون بلدة كسّارات. وعندما قدّم للمجلس البلدي طلب كسّارة، رفض المجلس الطلب بالإجماع، لافتاً إلى إجماع أهالي البلدة من كبيرهم إلى صغيرهم على رفض إقامة هذه الكسّارة.

وأكّدت البلدية أنّ أهالي البلدة يعتاشون من زراعة التبغ والزيتون وغير ذلك، ولن يسمحوا لأيّ شخص أن يقطع أرزاقهم لكي يلبي مصالحه الشخصية، عدا ما تلحقه الكسارات من تخريب في الطبيعة وأذية للبشر.

وناشد نائب رئيس البلدية عبر «موقع صوت الفرح» وزارات البيئة والسياحة والأشغال إعادة النظر في التصنيف الذي صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 2/14/ 2008 الذي صدر عبر معقبين وسماسرة لا يعملون إلّا لمصالحهم الشخصية ولا يهمّهم بيئة ولا مواطن. متمنياً مشاهدة طبيعة مجدل زون ومعاينتها، ثم إعادة تصنيفها، وتبيان المعالم السياحية في البلدة والاهتمام بها. كما تمنّى اعتماد طرق علمية أي لا تكون عبر مهندسين تجاّر عقارات ، وألا تترك أمور هامّة كهذه لمكتب عقاري.

كما أشاد أهل البلدة بالموقف المشرّف الذي قامت به البلدية تجاه الأهالي، برفض القرار، رافضين كل الرفض إقامة الكسارة لأنها ستقضي على المزروعات وتلوّث المنطقة.

فاعليات من البلدة

نسبة المتعلمين في مجدل زون مرتفعة جدّاً، ويقول مدير مدرسة البلدة السابق ورئيس «مركز الجنوب لتدريب مدراء المدارس الرسمية» الأستاذ نواف هرموش: «أقمنا عدّة دورات لمحو الأمّية، وما تغيّر بين الأجيال هو الفلتان الأمني، ما سببّ تسرّباً مدرسياً، ومعالجة هذا الأمر تحتاج إلى تعاون كبير بين الأهالي والإدارة. فالوضع الاقتصادي المتردّي المسيطر يؤثر على الطالب لأنه إذا تعلّم ـ وفق رأيه ـ لن يحصل على الوظيفة، ما يشكّل عقدة لدى الشباب».

ويتابع: «هذا ما تتحمّل مسؤوليته الدولة، خصوصاً أنّ بعض الموتورين احترفوا الإدمان واستغلوا الأطفال وخصوصاً المراهقين، ولولا أن كل مدير يعتبر المدرسة له لكانت سقطت المدرسة، والوزارة لا تتعاطى بالشكل المطلوب على مستوى التجهيزات التقنية لتحديث المناهج.

أما بلدية مجدل زون فأحدثت قفزة نوعية في تاريخ القرى الجنوبية، وتعاونت معنا على المستوى التربوي بشكل ممتاز، وركزّت على جمالية القرية بكاملها من ناحية الإنماء».

أمّا الأستاذ أحمد الزين، وهو أستاذ ثانوي في الفلسفة والحضارات ولديه مؤلفات خاصة ودرّس في مختلف المناطق اللبنانية، فيقول: «نحن أولاد القرية وجزء منها، دفعنا الأثمان كاملة من جهة التصدّي للعدو الإسرائيلي، وعيوننا تفتّحت على الأذى. وأنا من الذين دفعوا الثمن، إذ خُطفت من قبل الكومندوس عام 1974، حينذاك خطفوا نسفوا ستّة بيوت، ولما اشتكى أهالي القرية لقائد الجيش في ذلك الوقت من تعدّي الإسرائيليين عليهم، كان جوابه: لماذا نُسفت بيوتكم ولم تنسف بيوت الآخرين؟

مختار بلدة مجدل زون الحالي محمد الدّر يقول: «بعد خمس سنوات في المخترة، وصلت إلى نتيجة أنّ دورنا اليوم أصبح مهمشاً سياسياً. فمنذ ستين أو سبعين سنة، كان المختار يستطيع أن يفرض سلطته بالاحترام والهيبة، وكانت كلمته مُهابة لدى المخافر، وكان مرجعاً في أيّ أمر يخص القرية، أما اليوم فيقتصر دوره على ختم فقط».

رجل يبلغ من العمر تسعين سنة، عائلته الكبرى أبناؤه وأحفاده مؤلفة من خمسين فرداً، يروي أكثر الروايات إلفة وجمالاً، إنّه مختار القرية السابق محمد هرموش، الذي يروي أنّهم كانوا يذهبون إلى فلسطين ثلاثة أشهر في الصيف على الجِمال لقطع الحطب، ويأخذون الطحين والسكر والرّز من لبنان للتجارة به في فلسطين، وحتى أثناء الحرب كانوا يذهبون لتأمين لقمة العيش، إلى أن احتُلّت فلسطين عام 1948 فتوقفوا عن الذهاب إليها.

ويذكر علي شبلي الدر، بعض الأحداث من الماضي قائلاً: «عدنا إلى مجدل زون بعد التحرير عام 2000 واستقرينا فيها، وما زالت تسكنها الإلفة والسهرات ومشاركة الأفراح والأحزان خلافاً لما عشناه في المدن. قريتنا في الواقع قديمة وتاريخها عريق، إذ تعيش نهضة ثقافية عمرانية، تقع على رأس تلّة ومشرفة على البحر وفيها مراكز آثارات وأهلها بسطاء طيبون يعيشون على الزراعة ولديهم صفات الكرم من دون مبالغة». ووجّه الدر رسالة لكل اللبنانين من شمال لبنان إلى جنوبه لزيارة البلدة، «فكل بيت من بيوتنا لهم ونتشرّف بهم».

إن كان للكرامة عنوان فأهل الجنوب مثال للعزّة والكرامة. رسموا الانتصار بعد أن ذاقوا ألوان الظلم وصنوفه، ولن يتركوا وطنهم الصغير لتحيا المصالح الشخصية الرخيصة لدى البعض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى