الهموم المعيشية والقضايا الاقتصادية أساس البرامج الانتخابية «الإسرائيلية»
د. مصطفى يوسف اللداوي
يوماً بعد آخر يقترب موعد الاستحقاق الانتخابي التشريعي «الإسرائيلي» الذي سيتمّ يوم السابع عشر من شهر آذار المقبل، بينما تستعر الحملات الانتخابية، وتتزايد البرامج التعريفية بالمرشحين الجدد والقدامى، وتتزاحم الشخصيات وتتنافس الأحزاب، وتتعدّد البرامج والرؤى، وتكثر الوعود، ويرتفع مستوى التعهّدات، وتضطرم بورصة الترشيحات بأسماء مختلفة.
الجهات المتابعة للحملة الانتخابية رصدت خروج وانسحاب عدد من الرموز «الإسرائيلية» القديمة، المعروفة في الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية، وغيابها عن مسرح الحياة العامة، لصالح مرشحين جددٍ، لم يكن لهم أدوارٌ سابقة، وليس لأسمائهم هذا الحظ الوافر من السمعة والشهرة، ولكنهم يعدون بالفوز، ويتعهّدون بالتغيير، ويؤكدون أنهم الأنسب للمرحلة، والأقوى على مواجهة التحديات والصعاب التي يمرّ بها كيانهم، وتواجهها المنطقة خاصة والعالم عموماً.
ربما تكون نتائج هذه الانتخابات التشريعية التي جاءت مبكراً، وفرضت كحلّ لمشكلةٍ، والتفافٍ على تكتلٍ معارضٍ، شعر رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو بخطورتها على أدائه، وأثرها السيّئ على شخصه، وتأثيرها المباشر على السياسات الداخلية والخارجية لكيانه، فأراد أن تكون الانتخابات هي الحلّ للمشكلة، والوسيلة المشروعة للطرد والإقصاء، والطريقة المثلى لتحديد الأوزان والأحجام، وتأييد أو معارضة السياسات التي حاول بعض الوزراء المشاكسين فرضها عليه.
لهذا نشط المرشحون في طرح برامجهم، والتعريف بأنفسهم، وتسليط الضوء على رؤيتهم للمستقبل، التي بدت مغايرة للتوقعات ومخالفة للمألوف في مثل هذه الانتخابات، إذ كانت الهموم المعيشية والقضايا الاجتماعية هي الموضوع المشترك في البرامج الانتخابية المختلفة، وقد طغت كثيراً على الجانب الأمني والسياسي، حيث يبدو أنّ جميع المرشحين يتفقون ولا يختلفون على ضرورة تفوّق كيانهم، واستعلاء جيشهم، وطول ذراع أجهزتهم الأمنية، وبطش مؤسساتهم العسكرية، في مواجهة أيّ تحدياتٍ محلية أو خارجية، وآنية أو مستقبلية.
كما لا اختلاف عند المرشحين حول قضايا الأمن واتفاق القيادة السياسية والعسكرية والأمنية على وجوب مواجهة الصعاب، لينجو كيانهم من التحديات والمخاطر، ويبقى قادراً على الصمود والثبات، والوجود والبقاء، فلا يهدّد وجوده جيشٌ آخر، ولا تربك أمنه وتقلق مستوطنيه عملياتٌ عسكرية تقوم بها قوى مقاومة مختلفة.
ويتفق المرشحون إجماعاً على ضرورة الحفاظ على التحالف القائم مع الولايات المتحدة الأميركية، وعدم التفريط فيه أو التهاون بشأنه، وأهمية الانتباه إلى خطأ الرهان على حلفاء آخرين غير أميركا، فهي الحليف الأقوى والأصدق، وهي الأكثر ثباتاً واستقراراً، والأكثر تفهّماً وتأثيراً، فلا يجوز التهديد بالبحث عن غيرها، ومناصرة خصومها أياً كانت القوى الأخرى المراهن عليها، فهي يمكن أن تكون إضافة استراتيجية، لكنها لن تكون بديلاً على كلّ الصعد السياسية والعسكرية والأمنية، التي هي عماد العلاقة الاستراتيجية بينهما.
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد من بين المرشحين متطرفون في آرائهم، ومتشددون في مواقفهم أكثر من غيرهم، وإن كانوا يتفقون مع غيرهم في أصل المواقف، وثوابت السياسة، لكن هذا لا يمنع وجود برامج ترانسفير العرب، وهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه، وتوسيع الاستيطان، وزيادة وتيرة مصادرة الأراضي العربية، وبناء المزيد من المستوطنات، وتوسيع القائم منها، ورفض السلام مع الفلسطينيين، وعدم الاعتراف بهم كشريكٍ أو أصحاب حق، فهذا الفريق من المرشحين الذين ينتمون في الغالب إلى الأحزاب اليمينية المتشددة، والدينية المتطرفة، لا يغيبون عن مسرح الانتخابات، ولا يقايضون مواقفهم المتطرفة، بمصالح ومنافع آنية، ولو كانت قضايا اجتماعية معيشية ملحة.
لما كانت القضايا السياسية والعسكرية والأمنية محل اتفاقٍ غالبٍ بين «الإسرائيليين»، فقد احتدم التنافس بين المرشحين على استعراض الهموم المعيشية والقضايا الاقتصادية، التي يرون أنها ميدان التنافس ومضمار السباق، وهي العناوين التي تجذب المؤيدين، وتمايز بين المرشحين، ومنها قضايا الرفاهية والضمان الاجتماعي، والأسر الشابة والمسكن الأول، والضرائب وفرص العمل ومحاربة البطالة، وتثبيت برامج غلاء المعيشة التي ترتبط بجداول الأسعار المتزايدة، ودعم المدارس الدينية، وإعفاء طلابها من الخدمة العسكرية، والاهتمام ببرامج الإنماء المتوازن، ومعالجة سياسات الحظر الأوروبية على بعض المنتجات «الإسرائيلية»، والملفات الضريبية المتعلقة بالدخل والقيمة المضافة، التي تؤثر على حياة الأفراد، وتعطل بناء الأسر الجديدة.
كما يشعر المرشحون للانتخابات أنّ الشارع «الإسرائيلي» غير راضٍ أو سعيد بأن يُجرّ بالقوة ودون استشارته إلى صناديق الانتخابات التشريعية بعد أقلّ من سنتين على الانتخابات الأخيرة، وأن يدفع إلى التصويت والمشاركة في معركة نشبت بين أقطابٍ سياسية وحزبية على خلفياتٍ شخصية، ومنافع فردية، ورغبةٍ ذاتية في الانتقام والثأر من بعضهم، بأيدي الشعب، وأصوات المواطنين، دون أن يكون للمواطن في برامجهم الانتخابية ما يلفت نظرهم، ويسترعي انتباههم، أو يعوّضهم عن مشاركتهم كأدواتٍ موقتةٍ في معركةٍ قد لا يستفيدون منها كثيراً، بل قد تنعكس نتائجها سلباً عليهم، لهذا كانت القضايا المطلبية الشعبية والاقتصادية تتصدر البرامج الانتخابية، وتسبق غيرها في الأولوية والاهتمام، علها تجذب الأصوات أكثر، وتؤثر في آراء الناخبين بما يجعل التغيير ممكناً، ويزيد في فرص فوز مرشحين جدد ممن يحملون برامج متقدمة.
يدرك «الإسرائيليون» أنهم يواجهون تحدياتٍ كثيرة وخطيرة، وهي إنْ استفحلت وتعمّقت، وتجذرت واستشرت، فإنها قد تهدّد المستقبل الوجودي للكيان الصهيوني، ذلك أنها عوامل قوة في حال وفرتها، وعوامل هدمٍ وضعفٍ في حال غيابها، وقد تكون آثارها ونتائجها أشدّ من المعارك وأبلغ من الحروب، لأثرها المباشر على السكان في الداخل، وعلى الحلفاء والمموّلين في الخارج، وعلى مصادر الدخل والإمداد الاستيطاني، الذي يردف الكيان بالسكان، ويربط اليهود بـ«أرض الميعاد»، وهو ما انتبه إليه المرشحون في الانتخابات التشريعية، علماً أنّ من بينهم سيدات أعمال، ونساءٌ شاباتٌ يتميّزن بالجمال، ويهتمنّ بالموضة والأزياء، ويعرن الأسرة والطفل اهتماماً أكبر، وغيرهن من المنتسبين الجدد إلى الأحزاب «الإسرائيلية» المختلفة، الذين يتطلعون إلى الفوز من مواقعهم، وانطلاقاً من برامجهم، لكن من المؤكد أنهم جميعاً يتطلعون إلى بقاء كيانهم، وشطب الفلسطينيين وطردهم من أرضهم، وحرمانهم من كلّ حقوهم.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
moustafa.leddawi gmail.com