مرويّات تاريخيّة الأمينة جمال ناصيف المنذر… الرفيقة الأولى في بيروت

لبيب ناصيف

في أول شبابي، كنت أسمع بها. كانت قريبتها الخورية ماري ناصيف، عقيلة الأب إيليا برباري، تُحدث عنها وتطري جمالها وثقافتها وذكاءها وحضورها الاجتماعي. ويحدث عنها جيران صلاح المنذر، شقيق الرفيق حافظ الذي كان يقطن المصيطبة، وفي محيطه الرفيق سليم بتلوني، خالَيْ أندره جحا، وصهرَيْ الرفيق ميشال صباغة.

كانت الأمينة جمال ناصيف، مثل الرفيق حافظ المنذر، لصيقين في ذاكرتي قبل انتمائي الى الحزب، حتى إذا انتميت وبت أقرأ أكثر، تعرّفت الى ما كانا عليه، والى ما تميز به والده الأديب والشاعر والنائب ابراهيم المنذر.

في مطلع التسعينات، ووجدت وفاء وتقديراً أن أكتب نبذة تعريفية عن الأمينة جمال ناصيف، قصدت الأستاذ الجامعي، الدكتور جمال معلوف الذي زوّدني مشكوراً بالكثير من المعلومات عن ابنة عمته التي اهتموا بها في شيخوختها، بعدما كانت فقدت زوجها ورفيقها.

عن أول مديرة لمديرة السيدات، الأمينة جمال ناصيف، هذا القليل.

في النبذة عن دور المرأة القومية الاجتماعية، وقد عرضنا فيها عن أوائل الرفيقات اللواتي انتمين الى الحزب، اوردنا ما كان أفاد به الأمين جبران جريج على «أن الانتماء الرسمي للسيدات كان بدأ مع الرفيقة جمال ناصيف».

لانتماء الرفيقة جمال قصة، رواها الأمين جريج في المجلد الأول لسلسلة «من الجعبة» ، إذ يقول:

«تخرّجت جمال ناصيف من مدرسة الإنكليز للبنات في بيروت. كانت تحب الرياضة ولعبتها المفضلة «التنس» التي كانت تمارسها في ملعب «السان جورج» 1 حيث كان يمارس اللعبة نفسها الرفيق أمين زهير ابن أحد مالكي مصرف كرياكوس وزهير إذ كانا يلتقيان هناك بين حين وآخر. في أحد هذه اللقاءات عرّفها أمين إلى شاب كان اصطحبه معه للعب. هو أستاذ اللغة الألمانية في الجامعة الأميركية. اسمه أنطون سعاده.

«جرّهما التعارف إلى التحدث فتناولا شتى الميادين وجالا فيها جولات موفقة. افترقا وهي جمال ناصيف معجبة بهذا الشاب الذي تحدوه روح وطنية عامرة من هذا النوع في الوقت الذي يهاجر الشباب أوطانهم ساعين وراء الثروة والجاه».

«رغبت جمال في المزيد من ثقافتها لجهة اللغة الفرنسية فقررت الالتحاق بإحدى مدارس الراهبات الفرنسية تمضي فيها سنتها الدراسية وهكذا كان، لكنها اصطدمت بروحية غريبة شعرت بخطرها منذ الوهلة الأولى. فالراهبة التي تدرّس التاريخ والجغرافيا تتعمد إظهار شعبنا كأن لا تاريخ له. إنه شعب ذليل، مهان، لا عزة نفس له ولا كرامة ولا أمجاد كما للشعب الفرنسي النبيل، واضع أسس الحرية والأخاء والمساواة ؟!

«صارت جمال تحس بدافع داخلي باطني يدعوها إلى مناقشة الراهبة الحساب فبدأت على نطاق ضيق لا يتعداها ثم راحت تهيب بزميلاتها لتقتدي بها وهكذا أصبح لها مريدات ومحبذات وقد تفاقم «خطرها» إلى درجة أن رئيسة المدرسة نبهتها أولاً وثانياً، وأخيراً تمنّت عليها أن تغادر المدرسة غير مطرودة.

«وفي إحدى زياراتها لصديقة لها في بلدة أرصون، التقت بشقيق صديقتها، الرفيق يوسف شقير، فأعجب بها لثقافتها من جهة ولروحيتها الثائرة من جهة ثانية وفي أثناء محادثته لها تمنّت جمال لو أن عدداً من الفتيان والفتيات يجتمعون ويتوحدون كتلة واحدة لمحاربة الاستعمار.

«اغتنم يوسف الفرصة التي أتاحها هذا التمني وأسرّ لها بوجود عدد من الشباب يعملون في سبيل ما تتمنى.

«تابع الرفيق يوسف الطالبة جمال واهتم بتعريفها على المبادئ الأساسية والإصلاحية وعلى غاية الحزب، وفي منزل الرفيق جميل شكر الله في بيروت تمّت المراسم وأصبحت جمال عضواً في الحزب وهي أول فتاة في بيروت تؤدي هذا القسم الرهيب في ذلك الوقت.

«هنا تحدث المفاجأة الكبرى إذ يدخل الشاب أنطون سعاده الغرفة وقبل أن تثوب جمال إلى رشدها، بادرها سعاده بالقول: «تعرفنا في وقت اللعب أما الآن فالوقت وقت جد».

تمر الأيام وينكشف أمر الحزب، فإذا بالرفيقة جمال تستدعى للمثول أمام المحقق الفرنسي لساعات ثم يخلى سبيلها، إنما لتسجل أنها أول عنصر نسائي في لبنان، بل في العالم العربي تستدعى لاستجواب بتهمة العمل السياسي. «إنه أول حدث مميز يحصل في تاريخ المنطقة الحديث» كتاب «من الجعبة» الجزء الثاني .

يذكر الدكتور جمال معلوف أن توقيفها تمّ بعدما أن اتهمت بتوزيع مناشير حزبية في لبنان وخارجه، وخاصة في فلسطين حيث كانت هناك في مهمة حزبية. ولما عادت وأوقفت وحققت معها السلطات الفرنسية لم تتمكن من إدانتها وهي كانت قد تساءلت أمام المحققين: هل يعقل أن تقوم فتاة في مثل عمرها بنشاط حزبي؟ وكان عمرها آنذاك 18 سنة.

تمر الأيام أيضاً، وفي فترة الأسر الثاني الذي تعرّض له سعاده أوائل العام 1937، تولى الأمين أنيس فاخوري مسؤولية نائب الزعيم، بواسطة مرسوم أصدره سعاده في سجنه، ونقله محاميه إبراهيم المنذر، فشكل هيئة تنفيذية من مفوضين كان فيها الأمين جبران جريج مفوضاًَ للمالية، الرفيق قاسم حاطوم مفوضاً للداخلية، الرفيق إميل خوري حرب للدعاية والنشر، كما شكل لجنة مالية مؤلفة من الرفيقات جمال ناصيف رئيسة، حرية شمنق أرسلان، شقيقتها سميحة، أميرة تيماني، نعم فاخوري، سلوى بدران، وأسما سلام أعضاء. كان لهذه اللجنة الفضل في جمع مبالغ مالية جيدة، استعانت بها الهيئة التنفيذية في أعمالها الحزبية، كما في مساعدة الرفقاء الأسرى.

وفي العام 1937 تمّ تأسيس أول مديرية للرفيقات توّلت مسؤولية المديرة فيها الرفيقة جمال ناصيف، وكان من أعضاء المديرية الرفيقات أنجيل عبد المسيح، سلوى البستاني، نعم فاخوري، سلوى بدران، عفيفة حداد، سميحة شمنق الجزء الثالث من مجلد «من الجعبة» .

في أواخر العام 1937 منح سعاده رتبة الأمانة إلى الرفيقة جمال ناصيف، وإلى الرفيق مصطفى المقدم منفذ عام طرابلس وإلى الرفيق الدكتور محمد أمين تلحوق. حتى إذا أطل أول آذار من العام 1938 أقيمت احتفالات في كل المناطق، وتسلق الرفقاء قمم الجبال العالية لإشعال النيران كما أطلقوا الأسهم النارية في المدن وأناروا أسطح المنازل.

من أبرز الاحتفالات الكبيرة والحفلات الخاصة المختصرة التي أقيمت، تلك التي أقامها فرع السيدات برئاسة الأمينة جمال ناصيف «حيث تجلّت الروح القومية الاجتماعية من الجنسين، لقد كانت حفلة عيد ميلاد عصرية تضمنت كل ما يجب أن تتضمنه، إن من حيث البهجة والحبور أو من حيث المأكولات المتنوعة الجزء الرابع من مجلد «من الجعبة» .

في الصفحة 373 من كتابه «من الجعبة الجزء الثالث» يقول الأمين جبران جريج: «وبدأت المساعي عام 1937 – لجمع المال اللازم لإنشاء جريدة «النهضة» كان أول مبلغ يتوجب تأمينه خمسمئة ليرة لبنانية بدل الامتياز. تقرر أن يكون الامتياز باسم أحمد دمشقية المطابقة أوصافه الشروط المطلوبة حسب قانون المطبوعات. أصبح أحمد دمشقية عضواً سرياً في الحزب.

ثم يضيف: «أمّن عميد المالية، مأمون أياس، الخمسمئة ليرة من الرفيقة جمال ناصيف، سمعت الزعيم يقول وقد عرف بحضور المبلغ بعدما انتهت المعاملة: «ما كان ليجوز أن يؤخذ المبلغ من جمال فقد تحتاج إليه، قبل استطاعة العميد مأمون رده إليها. كأنه كان يتنبأ بما وقع فعلاً».

واستمرت الأمينة جمال ناصيف في نضالها الحزبي، وحضورها المميز. عام 1943 شاركت في قيادة التظاهرة النسائية التي اندلعت في بيروت تصدياً للقوات الفرنسية ودعماً لحكومة الاستقلال في بشامون، ولأركان الدولة المعتقلين في راشيا. كانت الأمينة جمال إلى جانب السيدة كلودا ثابت وعدد كبير من الرفيقات اللواتي شاركن في تلك التظاهرة.

الأمين عبدالله قبرصي بدوره يشير بتقدير إلى الدور الجيد الذي قامت به الأمينة جمال ناصيف ووالدتها إذ يقول في الصفحة 180 من الجزء الأول من «عبدالله قبرصي يتذكر» ما يلي:

«جمال ناصيف ووالدتها كانتا خاصة جمال من المشتركات في تأسيس الفرع النسائي في الحزب والعاملات على إنمائه وانتشاره، ولا استبعد أن يكون سعاده قد عناها عندما قال: «قد تدرك المرأة بقلبها ما لا يدركه الرجل بعقله».

اقترنت الأمينة جمال من الرفيق «الشيخ» حافظ المنذر، من المحيدثة بكفيا، ابن النائب والمحامي والشاعر والأديب والخطيب والمقاوم للسلطات الفرنسية «الشيخ» إبراهيم المنذر الذي كان له دور فاعل إبان سجن سعاده، ليس على صعيد قيامه بدوره كمحام فحسب، إنما بالنسبة إلى تأمين نقل المراسيم والتوجيهات الحزبية إلى خارج السجن، كما أشرنا أنفاً، وكان بقي صديقاً للحركة، وللزعيم، حتى آخر حياته.

الرفيق حافظ كان له جهاده أيضاً. انتمى إلى الحزب عام 1934 وكانت له اليد الطولى في تأسيس العمل الحزبي في طرطوس عندما كان طالباً في معهد اللاييك، إذ استطاع أن يجتذب بعض زملاء الدراسة وعلى أثر ذلك توجه وفد من بيروت قوامه مأمون أياس وفؤاد مفرج فالتقى في طرطوس الطلاب الذين كان بدأ معهم الرفيق حافظ وعملا على تحقيق انتمائهم إلى الحزب نذكر منهم: رياض عبد الرزاق، بدر مرقبي، نقولا عرنوق، وبدوي بوز.

في كتابه «ذكريات» الصادر عام 1983 يقول الرفيق حافظ:

«في الحزب شغلتني إحدى الفتيات. شغلتني رفيقة، وشغلتني صديقة، وشغلتني حبيبة، وشغلتني زوجة، جمال ناصيف، اسم لمع كثيراً في حركتنا السياسية الثورية. فالذين رافقوا تلك الحركة في نشوئها الأول ثم في اندفاعها وانتشارها لا يمكن أن ينسوا فتاة شقراء جميلة تتحلى بالجد والنشاط، رأست سيدات الحزب وقادتهن في العمل النضالي الكامل، لا فارق بينهن وبين الرجال.

«الرفيقة جمال قدوة بين أعضاء الحزب، رجالاً ونساءً على السواء. قدوة برصانتها، بأناقتها، بإدراكها العميق للعقيدة ولأصول العمل الحزبي».

وإن كان الرفيق حافظ عرف في شبابه عملاً حزبياً ناشطاً، إلاّ أن سعاده أصدر قراراً بطرده بعد انتخابات العام 1947 بسبب خروجه على القرار الحزبي واستمراره في خوض الانتخابات النيابية. مع ذلك بقي الرفيق حافظ وفيّاً لحزبه ولما آمن به، فلم يصدر عنه أيّ تصرف مسيء، بل هو بقي يتكلم عن الحزب، ويتناقش في أموره مع رفقائه حتى آخر لحظة من حياته.

وهذا ما توضحه الأمينة سهام بشير جمال 2 في كلمتها عنه، بعد وفاته، تقول: «أحمل من طفولتي ذكرى لك حلوة، ندية كلمعان عينك الضحوكة. كنت لنا المثال والقدوة مع رفيقة عمرك جمال ناصيف وكنت أنا الصغيرة أعشق ابتسامتك الدائمة ووداعتك والحنان الدافق من عينيك والكلمة الحلوة الحاضرة بصدق على لسانك لكل من يلتقيك. والأهم الأهم تواضعك، هذا التواضع العارف المفقود.

«كبرت أنا وباعدتنا المسافات وانتميت إلى مدرستك أنت وجمال، وكنا كلما التقينا في المحيدثة تسألني عن القريبين مني وأسألك عن القريبين منك ونستعيد الذكريات الحلوة ونحلم بالغد كما نشتهي. حسبك البعض متخلياً عن إيمانك ومبادئك، أعذرهم لأنهم لم يعرفوك وما أدراهم أنك كنت شيخ المؤتمنين على الودائع، تمارسها بأدق تفاصيلها على كل مرافق الحياة الخاصة والعامة. كنت الابن البار لأبيك الشيخ إبراهيم المنذر المدرّس والأديب الشاعر والثائر على الظلم والاستعباد، والنائب المدافع عن القضايا الوطنية، كنت الأقرب إليه قلباً وقالباً، من مدرسته ترفّعت إلى مدرسة سعاده. دخلتها نخبويّاً، عالي الثقافة والشأن لأنك أدركت أنها السبيل الوحيد لبلوغ الأمة إلى مكانها اللائق تحت الشمس.

«كنت لجمال مثال الزوج العاشق المحب وكنت لها الرفيق والأخ والصديق. يا للوعتها على غيابك، ومن لم يلتع على رحيلك يا أصفى الرفقاء وأشدهم إيماناً وأصدقهم ممارسة. كنت خارج الأعمال وتواريخ الولادة وأبداً وفياً لمبادئك. أمثالك ندرة، طفل مع الأطفال، وشيخ مع الشيوخ، وشباب دائم في القلب والروح والخلق. قرأت آخر أشعارك مهداة إلى نعمى 3 في أيلول الماضي وشِعرك كما نثرك كما المواويل والقرادة التي تنظم صافية عميقة سلسلة كصفاء روحك وعمق تفكيرك وسلاسة طباعك.

«حزينة المحيدثة على فراقك، وحزننا نحن أن الكثيرين من الرفقاء والأمناء لم يعرفوك».

بطاقة هوية ومعلومات

الإسم الكامل: جمال جرجي ناصيف.

الأم: كاترين معلوف.

مواليد المصيطبة، بيروت، عام 1919.

توفى والدها وهي طفلة في الثانية من عمرها، فرعتها والدتها بالعطف والحنان والتربية المثلى.

دراستها الأولى في مدرسة داخلية تعود لراهبات القديس فانسان دو بول، في بيروت، وانتقلت إلى مدرسة الإنكليز للبنات ثم إلى مدرسة مار يوسف – الضهور.

كانت زميلاتها يطلقن عليها لقب «زعيمة الشباب» ذلك أنها كانت تتصدى باستمرار للمعلمات الفرنسيات اللواتي يتعمدن إهانة لبنان وشعبه.

اقترنت من الرفيق حافظ المنذر عام 1945، إلا أنهما لم يرزقا أولاداً. في 6/1/1990 وافت المنية الرفيق حافظ، فأقيم له مأتم مهيب وحافل في كنيسة بلدته، سيدة المحيدثة بكفيا .

الذين رثوه وكتبوا عنه، كثيرون. منهم الأمين شوقي خيرالله، المتأهل من الرفيقة هدى ابنة شقيقة الرفيق حافظ، سلوى إندراوس، الدكتور ميشال جحا، الوزير إدمون رزق، الأمين عبدالله قبرصي، والأمينة سهام جمال.

عرفت الأمينة جمال في سنواتها الأخيرة بعد رحيل رفيقها وحبيبها وزوجها العطف والحنان والاهتمام لدى أبناء خالها إيليا معلوف: جورج، د. جمال وسمير، إلى أن وافتها المنية في 14/8/1997، فأقيم لها الجناز في كنيسة سيدة المحيدثة ودُفنت في مدافن آل المنذر إلى جانب زوجها.

يروي الدكتور جمال معلوف وكان شديد التعلق بها وعلى اتصال دائم بها ومقرباً منها، الآتي:

«كانت الأمينة جمال ناصيف تجيد لعبة التنس، وكرة السلة، كذلك كانت تجيد اللغتين الإنكليزية والفرنسية، بالإضافة إلى العربية، وكانت تملك ثقافة متنوعة وشاملة على صعيد العلوم كافة، كالتاريخ والجغرافية والاجتماع واللغة وغيرها، مما جعل منها شخصية متكاملة وفاعلة في المجتمع.

كانت أيضاً سيدة جميلة خَلقاً وبهية خُلقاً، لها شعر أشقر وعينان زرقاوان وجبهة عريضة تخفي ذكاءً حاداً وشخصية قوية. جريئة في موقفها لا تلين أمام الصعاب، عنيدة ومناضلة للحق، لا تغضب وهي دوماً تمتلك أعصابها وتشد على جراحها. تكره الكذب والنفاق والسياسة الملتوية وتدعو إلى الإخلاص والمحبة والنضال في سبيل الحق والحرية.

وكانت على درجة كبيرة من الثقافة والإطلاع، تقرأ كثيراً وتحلل وتحفظ القيّم ولا تبالي بالسخيف من الأفكار.

… إلى ذلك كانت الأمينة جمال فنانة وكاتبة، ترسم وتصور أثناء أوقات الفراغ أو الراحة، ولها كتابات عديدة جيدة ورسوم رائعة لم تنشر مع الأسف».

نشرت مجلة «المال والعالم» في العام 2001 ملفاً خاصاً عنوانه «رائدات لبنانيات» خصصت فيه نصف صفحة عن الأمينة جمال ناصيف تحت عنوان: «جمال ناصيف المنذر… أول امرأة تنتمي إلى حزب سياسي».

ويضيف:

– كانت الأمينة جمال وحيدة لأهلها، فلم يكن لها أخت ولا أخ. لذا كان خالها السيد إيليا معلوف يشكل لها الأخ والصديق والرفيق، كان وسيم الطلعة، يجاري الحداثة ولم يكن يتخلف عن كل سلوك اجتماعي جديد، في الملبس والمأكل والمجلس والسهرات والاحتفالات والرقص.

وكانا إيليا وجمال لا يفترقان ولا ينفصلان. متلازمان أينما حلاّ أو ارتحلا. فكان إلى جانبها في البيت، كما خارجه. كان يشاركها المهمات والاجتماعات الحزبية العامة لم يكن رفيقاً ويرافقها في السهر والدعوات، وفي لعب التنس والسباحة والبريدج والرحلات، وقد كسبا معاً جولات في الرياضة، وفي الرقص ونالا جوائز تقدير.

كانت تملك سيارة من نوع «روز رويز» مكشوفة، تتنقل بها وتستعملها في خدمة نشاطاتها الحزبية والعامة المتعددة.

عرف الأمين شوقي خير الله الرفيقة الأمينة جمال ناصيف جيداً، كون الرفيق حافظ إبراهيم المنذر هو خال زوجته الرفيقة هدى فؤاد إندراوس. في مذكراته يورد في أكثر من مكان عن الأمينة جمال. في إحداها ص 247 يقول:

… لما عادت جمال من التوقيف إلى المدرسة بحماسة متزايدة عن قبل وبقناعة رسولية ركينة لم تحاول المديرة صدّها أو منعها أو معاقبتها ولكنها حادثتها بما يلي: قالت: «يا جمال، أنا لا أتدخل في قناعاتك القومية ولا في إيمانك وانتسابك، بل أنا معجبة بما سمعت وقرأت عن الحزب ومبادئه وزعيمه وتصرفه وتصرفكم في الاستجواب والتحقيق، وما بعد الخروج من السجن. وأنا أيضاً منتمية إلى حزب أو منحى فكري وسياسي في بلادي. ولكني أنبهك إلى أن خطط أوروبا وأميركا واليهود هي غير ما أنتم تقولون وتؤمنون به وتفعلونه. بل هي النقيض التام لكم، فكراً وعملاً. خطتهم الطويلة المدى هي أن ينشئوا دويلات أصغر من لبنان وسورية والعراق والأردن وفلسطين. إنهم ينوون أن يجمعوا كل دين ومذهب وطائفة في رقعة خاصة، وأن يفرّقوا بين الدويلات قدر ما يستطيعون كما كانت ألمانيا وإيطاليا قبل الوحدة في كليهما. فإنه لا يمكن لـ«إسرائيل» التي بدأوا يستقدمون إليها اليهود، أن تعيش وتبقى مع انتصار عقيدتكم أو أي عقيدة عربية توحيدية غيركم. زعيمكم يريد أن يغلب بكم العالم، وأنا افهمه أكثر منك. لقد اخترت يا جمال أصدق عقيدة وأصح عقيدة ولكنها الأصعب تحقيقاً بسبب تخلف شعبكم ومقاومة اليهود وأوروبا لكم.

روت الرفيقة جمال ناصيف هذا الحديث للزعيم فاستمع ملياً ثم أجابها: يا رفيقة جمال، مديرتك قالت صواباً، وليس من حرف خطأ في ما قالت. والزعيم، لأنه يعرف ذلك جميعاً ومقتنع به، فقد أنشأ الحزب بهذه العقيدة وبهذا النظام. نحن ردّ على التحدي الاستعماري اليهودي الذي يتهددنا في أرضنا ووجودنا وحضارتنا. الحزب على معرفة تامّة بما قالت مديرتك وهو ردّ عملي عليه. إنه استنفار للقوى الذاتية في الأمة السورية، للقوة التي فينا جميعاً وفي كل مواطن، لكي يعي الخطر ويؤمن بالخلاص عبر مبادئ نهضتنا فينتسب إلى الحزب ويعمل في حقل النهضة. هم يريدون شيئاً ونحن نريد شيئاً آخر. ورهاننا هو النصر».

«من رسالة الزعيم الى الرفيق جورج بندقي في 15/08/1939

وردني من بيروت انه قد ارسلت الى ادارة «سورية الجديدة» لائحة باسماء قوميين لإرسال الجريدة إليهم إلى الوطن،

ولما كان إرسال «سورية الجديدة» الى الأشخاص المذكورين في اللائحة ضرورياً للحركة القومية أطلب الإسراع في إرسالها واعتبار الرفقاء الأمينة جمال ناصيف وزكي صواف ورشيد فرعون مهدى إليهم، لأن هؤلاء الاعضاء كانوا مساهمين في جريدة «النهضة» ومن الذين لعملهم أهمية».

رئيس لجنة تاريخ الحزب

هوامش

1. إسم النادي «بيروت تنس كلوب» بحسب إفادة ابن خالها، الدكتور جمال معلوف.

2. الأمينة سهام بشير، من المحيدثة، بكفيا، واقترنت من الأمين أنيس جمال.

3. إبنة الأمين شوقي خيرالله وعقيلته الرفيقة هدى اندراوس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى