المسافات لا تثني المغتربين السوريين عن تحمّل مسؤولياتهم نحو الوطن

ياسمين كروم

كأيّ مواطن سوريّ يعشق وطنه ويفتخر بالانتماء إليه، ومع بداية الحرب الكونية على سورية، كان الإحساس الوحيد المسيطر على عدد كبير من السوريين في الخارج يتجلّى بتساؤلات حول ما يمكن أن يفعله كلّ منهم كمغتربين. وقد باعدت بينهم وبين الوطن كل هذه المسافات الشاسعة لمواجهة هذه الحرب.

بهذه الكلمات، بدأ المهندس عصام منصور، المغترب في الإمارات العربية المتحدة منذ أكثر من ثماني سنوات، حديثه لـ«نشرة سانا الشبابية» حول كيفية انخراطه في العمل الوطني لمساندة سورية من موقعه، وتحرّكه بشكل فعال وجديّ لدعم صمود السوريين بكلّ الوسائل المتاحة. موضحاً «أنّ الجيش السوري لبّى نداء الواجب المقدّس لحماية الوطن والشعب، ومع كل يوم من عمر الأزمة، كان عدد شهداء الجيش يزداد وكانت تخلق في كل لحظة أسطورة بطل لم نسمع عنها سوى في الأفلام والروايات، فدفعتني هذه البطولات لأخذ دوري إلى جانبهم لكن على طريقتي الخاصة. فكنت أزور سورية تقريباً كل ثلاثة أشهر، وأحرص على زيارة عائلة أيّ شهيد أستطيع الوصول إليها لمشاركتهم الحزن والفخر بفقيدهم».

وقال: «امتلأت ذاكرتي بقصص الشهداء وبطولاتهم التي كانت تروى في خيم العزاء، وتعلمت منها دروساً في الوطنية والكرامة. وإضافة إلى قيامي بزيارات المشافي التي تعالج الأبطال من جرحى الجيش السوري والوقوف على احتياجات أسَر هؤلاء الأبطال الذين قدّموا أرواحهم ليبقى الوطن عزيزاً موحّداً».

ولفت منصور إلى أن تجربته في العمل الوطني أتت في البداية بشكل فرديّ عن طريق التواصل مع المجموعات الوطنية الشبابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على قوائم بأسماء جرحى الجيش وعائلات الشهداء، وتقديم المساعدة المادية والمعنوية الممكنة، مع إعطاء الأولوية للحالات الأشد حاجة، سواء بتمويل فرديّ أو عن طريق التواصل الشخصي مع مغتربين سوريين .

وأضاف: «شعرت أن الأمر بحاجة إلى تنظيم أكبر عبر التعاون مع أشخاص فاعلين. وبعد بحث وتدقيق، تعرفت إلى شباب مشروع درب الذي أثبت فعالية كبيرة في العمل التطوعي على أرض الواقع وتنظيم دقيق للموارد المادية والبشرية، فقمت بالتواصل مع كندة نصّار رئيسة المشروع، وانضممت إليهم كعضو مغترب، وأسّست صفحة معاً لدعم شهداء الجيش السوري لتنظيم عملية جمع المساعدات من المغتربين والوصول إلى أكبر عدد ممكن منهم. وبالفعل، كان التفاعل كبيراً من السوريين حول العالم، واستطعنا خلال أيام قليلة جمع مبلغ جيد لبناء منزل لعائلة شهيد من أبطال معركة سجن حلب المركزي، حيث أشرف مشروع درب على عملية البناء والتنسيق مع أسرة الشهيد وسنتابع العمل مع عدد من الشباب والشابات السوريين في الإمارات لجمع تبرّعات بشكل دوري ومستمرّ والتنسيق مع مشروع درب في سورية لمعالجة الحالات الإنسانية المستعجلة».

بدورها، لفتت المغتربة سحر شحرور إلى أن وجودها في الإمارات العربية المتحدة لمدة ثلاثين سنة لم يمنعها من تربية أبنائها على حبّ الوطن وضرورة ردّ الدَّين له خلال الأزمة التي يمرّ بها. مؤكدة أن الأمر واجب على كل سوريّ عاش وتربّى وتعلّم في حضن سورية واستفاد من خيراتها تعليمياً وصحياً واجتماعياً.

وتابعت شحرور: «لم أنقطع عن زيارة سورية كلّما سنحت لي الفرصة، فالزيارات هي المتنفس الوحيد لي لأرى الوقائع على حقيقتها وأكذب الهجمة الإعلامية الشرسة التي عملت على تزييف الحقائق. وحاولتُ قدر المستطاع نقل صورة السوريين الحقيقية في الخارج بدءاً من محيطي وصولاً إلى دائرة أوسع».

وانخرطت شحرور كما تذكر في أعمال وأنشطة إنسانية متعدّدة اعتمدت في تمويلها على نفسها وعلى أصدقائها المقرّبين. كما أن أبناءها اهتموا بموضوع زيارات جرحى الجيش في المشافي والوقوف على ما يحتاجونه، إضافة إلى عقد سلسلة من الزيارات لأسَر الشهداء وأطفالهم وتنفيذ عمليات جراحية لمن يحتاجها من تلك الفئات، إلى جانب تمويل «مطبخ درب» المتخصص في تأمين وجبات الطعام اللازمة لجنود الجيش السوري الذين يواجهون الإرهاب في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، مع تأمين الأدوية والعلاج الطبي اللازم لعددٍ من الحالات المحتاجة لها بشكل فعلي.

وترى شحرور أنّ المغتربين يشكلون داعماً أساسياً للفرق التطوّعية والجمعيات الخيرية الفاعلة في دعم الفئات المتضرّرة. وتجسّد دور المغتربين لإيضاح الصورة ومحاولة استمالة بعض الفئات التي ضلّلها الإعلام المغرض إلى الطريق الصحيح، الأمر الذي حقق نتائج إيجابية ملموسة بشكل كبير.

واختتمت شحرور حديثها بتوجيه رسالة إلى الشباب السوري المغترب، بألّا يطيلوا الغياب عن الوطن وأن ينظّموا زيارات إلى بلدهم ليعاينوا أوجاع الناس ويروا أن الأمن يعمّ أجزاء كبيرة من سورية، وأن المناطق المتوترة سيعاد إليها الأمان بسواعد بواسل الجيش السوري. فالزيارة فرصة لتوفير مخزون وطنيّ كبير يساعدهم في فعل المستحيل وتقديم المساعدة الممكنة للوطن والشعب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى