العرب و«إسرائيل» تفاهم وتنسيق أم مصادفة؟

جمال العفلق

رغم أنّ المواقف الرسمية العربية تجاه القضايا الكبرى لم تخرج في يوم من الأيام عن حدود الكلام والبيانات، إلا أنّ الدول العربية تنازلت في الفترة الأخيرة عن تلك البيانات، وخصوصاً في إطار ما يخدم الحرب على سورية وشعبها.

فبعد العدوان «الإسرائيلي» الأخير على الأراضي السورية، لم يتعدَّ الحديث عن هذا العدوان الإطار الإعلامي، واستغلت بعض الصحف العربية هذا الخبر ليفجرَ محرّروها عبقريتهم بأنهم اكتشفوا دليلاً جديداً على وجود عناصر لحزب الله في سورية، رغم أنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعلن ذلك مراراً وتكراراً، كما أنّ الحكومة السورية لم تنكر وجود رجال المقاومة بجانب الجيش السوري في معركته ضدّ الإرهاب.

ولكن يبقى السؤال: أين المواقف العربية الرسمية من هذا الاعتداء والاعتداءات السابقة التي قامت بها «إسرائيل» على بلد عربي تحتل جزءاً من أرضه وأراضٍ عربية أخرى، وتقيم دولتها الإرهابية على أرض فلسطين؟

مقابل هذا العدوان نجدُ الدول العربية الصامتة تطالب بفرض حظر جوي على الطائرات السورية، بحجة ضمان حماية معسكرات تدريب «المعارضة المعتدلة»، حسب ما تسميها واشنطن وحلفاؤها، وفي الوقت نفسه، تستمر هذه الدول بدعم التنظيمات الإرهابية وحماية مصادر تمويلها وتسهيل انتقالها من أجل تدمير سورية وضمان استنزاف جيشها لأطول وقت ممكن.

ويعيدنا هذا الصمت إلى عدوان تموز 2006، حين انقسمت المواقف العربية بين حلف المقاومة وحلف ما سمي حينها بحلف الاعتدال، وقتها كانت المقاومة تضرب «إسرائيل» وتلحق بها الهزائم وكان العرب ينتظرون أن تنفذ «إسرائيل» وعودها بالقضاء على المقاومة وإنهاء دورها في المنطقة، وهذا ما عجزت عنه وما فشلت فيه.

واليوم تعطي الدول العربية الضوء الأخضر لـ«إسرائيل» وتستفيد من قوتها العسكرية في دعم الجماعات الإرهابية لتحقيق تقدم داخلي على الجبهة السورية، بما يضمن لتلك الدول تسجيل مكاسب على الأرض من خلال تلك الجماعات، محققة بذلك هدفها الأساسي في تدمير سورية وتشريد شعبها. لقد قدمت تلك الدول تعهدات لـ«إسرائيل» بأن تبقى الجماعات الإرهابية التابعة لها، في خدمة الجيش «الإسرائيلي» لتسهيل عملياته من خلال خط فاصل تريده «إسرائيل» منطقة عازلة على حدود الجولان المحتل، تستطيع من خلاله ضمان أمن الشمال وضمان عدم التقاء العمل المقاوم جغرافياً على الجبهة الشمالية.

فليست مصادفة أن تقوم «إسرائيل» بضرب الأراضي السورية، وأن يعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن إرسال مدربين لـ«المعارضة المعتدلة»، وأن تطالب الدول العربية بحظر الطيران السوري. وليست مصادفة أيضاً، أن يتلقى المدعو أحمد الجربا وعوداً من الولايات المتحدة بتزويده بالسلاح. هذه المواقف ترتبط بالأمر الذي تلقاه «ائتلاف الدوحة» بعدم المشاركة في الحوار السوري ــ السوري الذي سينطلق خلال الأيام المقبلة من موسكو.

إنّ رغبة «إسرائيل» في إقامة منطقة عازلة، هي رغبة مدعومة عربياً، واستجابة لطلب عربي بحماية عناصر المرتزقة والجيوب العسكرية المسلحة لتكون نواة لجيش سورية الجنوبي، الذي سيكون مرتبطاً بغرفة عمليات «إسرائيلية» عربية ويحظى بمباركة أميركية.

لكننا ما زلنا نعتقد أنّ هناك بقية باقية من الشعوب العربية تدرك مدى خطورة هذا المشروع وتدرك، على عكس حكامها، أنّ نجاح العدوان العربي ــ الصهيوني على سورية لن يكون إلا مقدمة لتوسُّع دائرة هذه الحرب التي سوف تطال الجميع، بمن فيهم الداعمين لهذا المشروع.

على العرب أن يتذكروا أنّ نتنياهو الذي وقف في الصف الأول في مسرحية باريس للتنديد بالإرهاب، هو نفسه الذي يقود الإرهاب في المنطقة، ولم تكن صدفة أنّ القادة العرب الذين شاركوا في المسرحية هم أنفسهم من ينسِّقون أمنياً وعسكرياً مع «إسرائيل».

فكم هو غارق في الوهم، من يعتقد أنّ الصراع الدائر في سورية اليوم هو صراع مذهبي وليس سياسياً يهدف إلى كسر محور المقاومة وتقسيم سورية وعزل إيران وخنق روسيا بحرمانها من مياه المتوسط. وكم هو واهم من يعتقد أنّ محور المقاومة يمكن اقتلاعه أو تحجيم قوته وتطوره. وكم هو واهم من يعتقد أنّ استمرار تغذية الصراع في سورية سيحقق الانتصار للإرهابيين المرتزقة وداعميهم.

ويكفي أن نعلم أنّ الكيان الصهيوني يعيش اليوم حالة من الهلع والترقب والاستنفار الأمني في انتظار ردّ المقاومة. وتدرك الدوائر الصهيونية أنّ الردّ آتٍ لا محالة، وما يزيد «إسرائيل» رعباً، أنّ الدوائر الضيقة تعلم تماماً أنّ حلفاءها من العرب المرتزقة الذين زرعوا في الأراضي السورية، لا يمكن الوثوق بهم أو التعويل على مواقفهم، فالكيان الصهيوني لا يقيم للعملاء وزناً ولا يهمه كثيراً حمايتهم، فإذا ما ضاقت الدائرة على أولئك العملاء، سوف يتخلى عنهم ويتركهم لمصيرهم وهذا ما سيحدث قريباً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى