التحدّيات التي تواجه عاهل السعودية الجديد كانت مرصودة… والسيناريوات للخروج من الأزمة أيضاً

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

منذ أكثر من شهر، عندما ألمّ المرضّ عميقاً في جسد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتحكّم بحياته، وحتّم عليه انتظار الموت في أيّ لحظة. عاشت مملكة الرمال أزمةً كان عنوانها في الخفاء، الوقوع على ملكٍ جديدٍ تتفق عليه أقطاب العائلة الحاكمة، وعلى وليّ للعهد، ووليّ لوليّ العهد، ووليّ لوليّ أولياء العهد حتّى آخر أمير صغير ما زال في رحم أمّه.

لكن الصحافة الغربية، ذهبت إلى أبعد من اختيار اسم، إذ كتبت مطوّلاً عن التحدّيات التي تنتظر الملك الجديد، بغضّ النظر عمّن يكون. ونُشرت تقارير كثيرة في أكثر من صحيفة. حتّى الصحافة الغربية تطرّقت إلى هذا الموضوع، إذ كتب يوئيل جوجانسكي في 14 الجاري: «من الممكن أن يكون للعربية السعودية ملك جديد في سنة 2015، إن الاستشفاء الطويل لحارس النفط والأماكن المقدسة الاسلامية، عبد الله بن عبد العزيز، يثير المخاوف في شأن استمرار استقرار هذه الدولة المركزية والسياسة المستقبلية لها، في الوقت الذي تواجه تحدّيات كبيرة سواء من الداخل أو من الخارج.

وأيّاً كانت هوية الملك، فإنه سيواجه تحدّيات ليست بسيطة. وكما يبدو، فإنّ العالم العربي موجود الآن في أصعب أوقاته، وهناك تأثيرات على المستوى العربي للاستقرار السياسي في العربية السعودية. إن عائدات النفط والغاز كانت حتى الآن أداة، قامت دول الخليج باستخدامها، من أجل تشكيل المشهد الشرق أوسطي…

تحاول الأسرة المالكة، أن تظهر أن الأمور تسير على ما يرام، ولكن هنالك درجة من عدم الوضوح في خصوص الوضع الصحي وقدرة الملك عبد الله على القيام بمهامه. لقد ذهب الملك للاستشفاء في 31 كانون الاول 2014 من أجل إجراء فحوص طبية. وقرب سريره في المستشفى في الرياض، يتواجد طوال الوقت أفراد عائلته، أي قيادة الدولة، وبعثات من الدول المجاورة التي جاءت لتطمئن إلى صحته. بعد فترة الاستشفاء، أصدرت وكالة الأنباء السعودية بياناً جاء فيه أن الملك يعاني من التهاب رئوي وقد احتاج إلى تنفّس اصطناعي موقّت. إن عدم التأكد من حالة الملك الصحية يزيد التشويش في العربية السعودية ويشكّل أرضية للتقارير المتناقضة في هذا الخصوص في وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة.

المصلحة العليا للعائلة المالكة السعودية تكمن في استمرار الحكم في أيديها. لهذا، هناك أهمية كبيرة لنقل مقاليد الحكم في المملكة بصورة سلسة قدر المستطاع. ولكن، خلال أقل من سنة عُيِّن ثلاثة أولياء للعهد ـ الامر الذي أكّد مسألة ذات أهمية فورية: طالما لم يتم تعيين وليّ للعهد من بين أحفاد إبن سعود، فإن موضوع الوراثة، أي، القدرة على إعطاء جيل جديد من القادة إدارة الشؤون الحاسمة للمملكة، سيؤثر على استقرارها…».

أمّا وقد رحل عبد الله بن عبد العزيز ونُصّب سلمان ملكاً على العربية السعودية أمس، فإنّ تقريرنا التالي، المترجم عن مقالات عدّة كُتبت قبل رحيل عبد الله، يبيّن أنّ التحدّيات التي ستواجه عاهل السعودية الجديد كانت مرصودة، سعوديّاً وخارجياً، وحتّى السيناريوات التي رُسمت للخروج من أزمة الخلافة كانت مرصودة أيضاً. والدليل، اختيار الملك الجديد «بشكل سلس لأنّ المصلحة العليا للعائلة المالكة السعودية تكمن في استمرار الحكم في أيديها»، وفق ما قال يوئيل جوجانسكي منذ أسبوع تقريباً.

قبل الشروع في التقرير، ارتأينا أيضاً نقل ما قاله أمس الجمعة الرئيس الصهيوني رؤوفين ريفلين الذي أشاد بالعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، معتبراً أنّه «قائد نموذجي بحُكمه المتين والحكيم والمسؤول». وعبّر ريفلين عن حزنه لوفاة الملك عبد الله. وقال: «إنّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله تحرّك بحكم الاعتدال واحترام ما للقدس من حساسية وقدسية وسعى إلى تشجيع رؤية ازدهار في المنطقة».

الخلافة السعودية «الأزمة»

كتب أنتوني كورسمان:

في كلّ مرة يُصاب فيها العاهل السعودي بمرض أو وفاة، تُصاب وسائل الإعلام السعودية بالجنون حول أزمة الخلافة السعودية. هناك جولة من التكهّنات المطروحة حول الصراعات الكبيرة المعشّشة داخل الأسرة المالكة وتزعزع استقرار المملكة العربية السعودية وإمكانية أن تؤدي التوترات المختلفة داخل المملكة إلى أزمة أهلية أو صراع حتميّ. ومرض الملك عبد الله ليس استثناءً على الإطلاق، فكلّ من كتب حول شؤون المملكة تلقّى سيلاً من المكالمات حول ما يمكن أن يحدث لو توفي الملك السعودي: هل ستجتاح السعودية أزمة سياسية واسعة النطاق، أم أنّ العائلة الملكية ستخضع لتدمير ذاتيّ، أو سيتمّ الاستيلاء عليها من قبل المتطرفين الجهاديين؟

قد يكون هذا مجرد قلق طبيعي. فالملك عبد الله ملك استثنائي، استطاع بنجاح الحفاظ على استقرار المملكة في فترة تغلي فيها الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. بدأ يتصرف بجدّية لافتة أثناء مرض الملك فهد عام 1995، ليصبح ملكاً في آب عام 2005 لفترة قاربت العقدين من الزمن. وطوال تلك الفترة، أُفيد عن هذا الرجل مناهضته الواضحة للولايات المتحدة ومحافظته الشديدة وذلك قبل توليه السلطة، أصبح حليفاً قوياً ومصلحاً كبيراً.

التقدّم تحت حكم الملك عبد الله يمكن أن يجادل الغرباء حول وتيرة هذه الإصلاحات، لكن الملك عبد الله ترأس حركة التحديث وتحرير الاقتصاد السعودي بثبات وعزم. التعليم الحديث ما زال نادر الوجود، غير أن المملكة العربية تمتلك الآن جامعات خاصة، وعدداً لا بأس به من الطلاب السعوديين الذين يدرسون في الولايات المتحدة، يتخرّج عدد أكبر من النساء من المدارس الثانوية أكثر من الرجال. استطاع الملك عبد الله أن يحدّ من نسبة الفساد بشكل ملحوظ، كما وحدّ من امتيازات الأسرة المالكة. الميزانيات السعودية والخطط الخمسية تتحسّن بشكل مطّرد لتنويع الاقتصاد، وبناء بنى تحتية، صحة وتربية أفضل. وعلى العكس من الدول العربية الأخرى، فإن المملكة السعودية حققت استثمارات أساسية جديدة في قطاعات كالتربية، خلق فرص عمل للشباب السعودي، تحسين الإسكان وغيرها من الحاجات الاقتصادية والاجتماعية الدقيقة التي تساعد على تحقيق التوازن في العالم العربي بعد عام 2011.

عمل الملك السعودي على تحديث الحكومة السعودية وأجهزتها الأمنية بشكل مطّرد، مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على كلّ المستويات. فازدادت وتيرة وفعالية أنشطة مكافحة الإرهاب في المملكة، وعملت جنباً إلى جنب ـ في هذا المجال ـ مع الولايات المتحدة أكثر من أيّ وقت مضى منذ ظهور خطر «القاعدة» في الجزيرة العربية عام 2003. وقد تمحور تركيز كلّ من الولايات المتحدة والسعودية حول كيفية إدارة الأزمات في كل من إيران، العراق، سورية، البحرين، اليمن، والتطرّف الإسلامي ليس بسبب الحاجة إلى التعاون أو لمعالجة المشاكل المعنية. فالحكومة السعودية تمكنت ـ وبهدوء تام ـ من السيطرة على أكثر رجال الدين السعوديين تطرفاً، حدّت من دور الشرطة الدينية، وركزت اهتمامتها على الإصلاح التطوري. تطورٌ يعكس حقيقة واضحة وهي أن الأسرة الحاكمة السعودية ليست مجموعة من محافظين يقمعون السكان الليبراليين، إنما هي جزءٌ من نخبة تتضمن تكنوقراط وقادة من رجال الأعمال الذين عملوا على مواكبة تحديث شعب محافظ أكثر من أيّ وقت مضى منذ أيام ابن سعود.

في عهد الملك عبد الله، استحدثت الحكومة السعودية تحديثاً جذرياً لكلّ مظاهر جهاز العدالة. فهي راكمت دور الهيئات التشريعية مثل مجلس الشورى، فضلاً عن أنها خاضت تجربة الانتخابات عامَيْ 2005 و2011 ـ مع ضمانات قدمّها الملك عبد الله تمنح المرأة حق التصويت والترشح لمنصب انتخابات البلدية المقرّرة هذه السنة. وعلى رغم أن نتائج الانتخابات الماضية كانت محض قبلية ومحافظة إلى حدّ أنها أنتجت حذراً كبيراً حول تحقيق المزيد من الإصلاحات.

ومن المهم أيضاً أن نلاحظ من وجهة نظر أنانية بعض الشيء، أن دور المملكة في قيادة الدول العربية الجنوبية في منظمة التعاون الخليجي، تعمل مع الأردن والمغرب، في تقديم الدعم لمصر وغيرها من الدول العربية، ودعوة دعاة خطة السلام إلى لعب دور استراتيجي في التأكيد على استمرار التدفق المستقرّ لصادرات النفط كما هو منذ السبعينات، وحتى خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية 1980 ـ 1988 ، وخلال حرب الخليج لتحرير الكويت عامَيْ 1990ـ1991. ولطالما كانت المملكة السعودية حاسمة في الحفاظ على درجة معينة من الاستقرار الإقليمي في مواجهة نموّ التهديد الإيراني، أثناء صعود التطرّف الإسلامي الذي أعقب الاجتياح الأميركي لأفغانستان والعراق، وخلال الموجة الجديدة من الاضطرابات التي عمّت المنطقة في ربيع 2011.

تحدّيات

بالكاد نستطيع القول إنّ المملكة العربية السعودية لا تعاني المشكلات، وإنّها لا تتنقل بسرعة في عدد من المجالات، وإنها ليست بحاجة إلى إجراءات مستمرة من الإصلاحات الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية.

يجب أن يتغيّر دور المرأة بصورة أساسية في المملكة، وأن تُستغلّ قدراتها ومهاراتها لتصبح أكثر إنتاجاً. كما من المفترض أن تُلبى حاجات الأقلية الشيعية لناحية الحقوق والمساواة. يحتاج التعليم إلى تحديث أسرع مما يسمح به المجتمع السعودي، فضلاً عن ضرورة تفعيل دور الهيئات التشريعية والانتخابية.

واجهت السعودية وستبقى تواجه تحدّيات ثابتة في محاولة العثور على وتيرة ثابتة من التحديثات والإصلاحات التي تدفع بأسرع ما يمكن نحو التقدّم مع الحفاظ على الدعم الشعبي السعودي، وتلبية الاحتيجات الدينية والثقافية الفريدة في المملكة السعودية، والتأكيد على أنّ مثل هذا التطور لن يتحول إلى انحدار أو نكوص ولا حتى إلى ثورة. وكما أكدت كافة التطورات التي شهدتها المنطقة منذ عام 2011، فإنه لمن السهل أن تذهب الأمور إلى المكان الخاطئ بشكل جداً رهيب، ومن الصعوبة في مكان الحفاظ عليها تسير في المسار الصحيح. فأولاً، وقبل كلّ شيء، على المملكة السعودية أن تضمن حصول سكانها المتزايد عددهم على وظائف وعقود عمل مستقبلية قيّمة. قد يكون مستحيلاً على الغرباء فهم حقيقة الديناميات السكانية المعينة، وتختلف التقديرات بحدّة وفقاً لاختلاف المصادر. ومع ذلك، فقد قدّر مكتب الإحصاء الأميركي أن عدد السعوديين قد ارتفع من 3.86 مليون نسمة عام 1950 إلى 7.2 مليون عام 1975، و21.3 مليون عام 2000 إلى 27.8 مليون عام 2015، وسيصبح 31.9 مليون عام 2025 و40.3 مليون عام 2050. وعلى رغم حقيقة انخفاض معدّل النموّ السكاني من 2.9 في المئة عام 1975 إلى 1.5 في المئة عام 2015، فمن المتوقع أن ينخفض إلى 0.7 في المئة عام 2050. وللتقدّم الحاصل في المملكة على كافة الأصعدة، فمن المهم أيضاً أن نذكر أن وكالة الاستخبارات الأميركية «CIA» قد لاحظت أن ما مجموعه 506 آلاف على الأقلّ من الرجال والنساء سيصلون إلى سنّ العمل بحلول العام 2015، ويدخل إلى السوق حوالى 1.7 مليون من السعوديين. ويعدّ هذا تحدّياً غير معقول على صعيد الاستقرار الداخلي.

وفي حين واجهت السعودية التحدّي الكبير المتمثل في التعامل مع «انتفاخ الشباب» هذا، تحت حكم الملك عبد الله، فإنه لمن المهم أن نلاحظ أن أسعار ثروتها النفطية كانت أعلى بكثير مما هي عليه الآن. تختلف التقديرات مرة أخرى، لكن تقديرات «CIA» ومركز الطاقة الأميركية، أن دخل الفرد السعودي بلغ 31.300 دولار سنوياً عام 2013، و8.939 دولاراً من عائدات النفط، ودائماً للفرد الواحد.

وكي نضع هذه الأرقام في منظور المقارنة، فإن دخل الفرد في الولايات المتحدة يبلغ 52.800 دولار سنوياً. وفي دولة غنية بالنفط مثل قطر، بلغ دخل الفرد عام 2013 102.100 دولار، ودخله من النفط 40.943 دولاراً، وكذلك في الإمارات العربية المتحدة بلغ دخل الفرد عام 2013، 29.900 دولار ومن عائدات النفط 9.736 دولاراً للفرد الواحد.

على المملكة العربية السعودية أن تدرك جيداً كيفية استخدام أموالها مع الدول المجاورة المنقسمة والأكثر فقراً، والتي قد تشكل تهديداً لاستقرارها. فدخل الفرد في إيران بلغ 12.800 دولار عام 2013. أما العراق فـ 7.100 دولار، ومن عائدات النفط 2.700 دولار. أما في اليمن، حيث يكاد دخل الفرد لا يُذكر من النفط، فيبلغ دخل الفرد السنوي فقط 2500 دولار. عدد من الأسباب تقف خلف حقيقة أن السعودية تملك أعلى رقم من نفقات الأمن القومي في السنة. وهي تواجه تهديدات حقيقية جداً ـ ومعظمها من الجهات الفاعلة غير الحكومية ـ والتي تهدّد باستمرار بالعنف وبشرعية حكم خادم الحرمين الشريفين أكثر، الأماكن الإسلامية قداسةً.

التهديد الذي تفرضه الخلافة

أميركا وغيرها من الدخلاء، يمتلكون كلّ الأسباب للقلق في شأن التحديات والتهديدات التي ستواجهها المملكة بعد الملك عبد الله. فهناك أسباب جوهرية للشراكة الأمنية الوطنية الوثيقة والدائمة بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية. لكن، وهذا محرجٌ بالطبع، من الواضح أن التركيز على الخلافة ينبغي أن يكون أولوية مقارنةً بالمخاوف الأخرى.

أولاً، من المهم لنا أن نتساءل من هو العضو البارز في العائلة الملكية الذي قد يبطئ من وتيرة إصلاحات الملك عبد الله، ويُضعف الشراكة الأمنية السعودية مع الولايات المتحدة أو غيرها من دول التعاون الخليجي، أو يسعى إلى تحوّل آخر مهم وقد يكون سلبياً في سياسات المملكة؟ إنه لمن الأهمية في مكان التحدث عن قوة التحديات الملكية، والسياسة الملكية، وإنه لحقيقي جداً ـ على رغم أنه يجب ألا يغيب عن بالنا أن الولايات المتحدة تتبع نهج السياسة الانقسامية من تلقاء ذاتها، وتواجه تهديد انقلاب شعبي كلّ أربع سنوات. ومع ذلك، فلا يبدو أنه لدى السياسة الملكية أي انقسامات رئيسية للجوانب الأكثر أهمية في سياسات المملكة.

من المؤكد أن المنشقين عن العائلة الملكية يعيشون أفضل أيامهم، فكلّما زادت الإصلاحات كلّما خف وهج المحافظين المتشدّدين.

وعلاوةً على ذلك، فإن السعودية لم تواجه معركة سياسية داخلية جدّية منذ أطاحت حكومة الملك فيصل بحكم الملك سعود المسرف بين عامَي 1962 و1964 في عزّ تفاعل تأثير عبد الناصر على محيطه العربي. وأيضاً في الوقت الذي كان الهيكل الرسمي للمملكة ضعيفاً نسبياً وبدائياً، ويُدار بميزانية ضعيفة وبشكل تعسفي، وقوات أمنية غير موالية، واستمرارية شاملة لحكومة ضعيفة كانت ضعيفة في أحسن الأحوال.

أيّ من هذه الشروط لم تعُد متوافرة الآن؟

ثانياً، إن السعودية ليست هي الملكية المطلقة. فأعضاء العائلة المالكة، وكبار الوزراء، وغيرهم من الأصوات في القيادة السياسية لا ينتظرون الأوامر من الخلافة لمناقشة القضايا ـ مع الاعتماد على مساعدة المجلس ووسائل الإعلام. هذه ليست ديمقراطية، بل جدارة في الأداء. وأكثر فأكثر، فإن أيّ قضية رئيسية تُناقَش داخلياً مع درجة معينة من إبداء الآراء. فخيار الملك لا يهمّ، وكذلك باقي أعضاء القيادة العليا في المملكة.

ثالثاً، تمتلك السعودية بنية كبيرة ومتماسكة. ما من طريقة دقيقة لقياس عدد الشخصيات الرئيسية في الحكومة، لكن هناك بين 33 إلى 35 من الوزارات الهامة والتعيينات العليا الأخرى. أحد عشر وزارة منها يترأسها أفراد من العائلة المالكة، وثمانية يتولاها كبار الأمراء من الأحفاد، ومعظمهم أبناء إبن سعود. وبعض الثلاثة والعشرين الآخرين هم تكنوقراط. وسيلعبون دوراً حاسماً في الحفاظ على استمرارية قوة الخلافة، وسيبقى معظمهم في مكاتبهم بغضّ النظر عن مدى تقدّم الخلافة.

رابعاً، إن الملك عبد الله قد أعدّ فعلاً لخلافته، وذلك بتغيير عدّة مناصب رئيسية في حكومته في 7 كانون الأول 2014، بما فيها وزارات: الثقافة، الاتصالات، النقل، الزراعة، وتعيين وزراء أصغر سناً بإمكانهم تأمين الاستمرارية والمستوى الجديد من الطاقة والجهد على السواء. عيّن وزيراً جديداً في التربية والتعليم، الأمير فيصل بن عبد الله محمد آل سعود، ليخلف الدكتور عبد الله بن صالح بن عبيد، وإمرأة هي نورة الفايز التي رقاها إلى مستوى جديد كنائب لوزير التربية والتعليم. كما سمّى الدكتور عبد الله الربيعة كوزير جديد للصحة، ومحمد بن عبد الكريم العيسى كوزير للعدل.

عيّن أيضاً محمد الجسر محافظاً لمؤسسة النقد العربي السعودي ساما ، واستبدل وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ـ وهو من نسل محمد الوهاب ـ بوزير آخر لا ينتمي إلى عائلة آل الشيخ. تبدو كلّ هذه التعيينات وكأنها صُممت لضمان إحداث المزيد من التطورات والتحديثات، لا لمجرد الحفاظ على استمراية البرامج الموجودة.

غيّر الملك عبد الله أيضاً عدداً من مناصب الأمن العليا في السعودية خلال السنة المنصرمة. فمرض الأمير سلمان لا يبدو أنه سيؤثر في سير عملية الأمن السعودي. كذلك، فإن الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود هو وزير خارجية ولعب دوراً رئيسياً في تشكيل السياسة الخارجية وفي الشراكة مع الولايات المتحدة لعقود عدّة. أما إبن الأمير سلمان، محمد بن سلمان، وهو وزير دولة ورئيس محمكة والده، ولعب دوراً في سياسة الدفاع ووزارة الدفاع. إبن الملك عبد الله الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، هو الآن وزير الحرس الوطني، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود وزيراً للداخلية، والأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز آل سعود، يترأس الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية. هذا هو فريق الأمن القوي والثابت الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة الأميركية.

لا يبدو المآل الذي ستؤول إليه الخلافة واضحاً. فالبعض في المملكة يتساءلون عن الدور القيادي للأمير مقرن، وقد يُعيّن سلمان ولياً للعهد إذا ما عاش الملك عبد الله فترةً أطول، وإذا ما حظي بالدعم من باقي الأعضاء الرئيسيين للعائلة المالكة. ومن بين المرشحين المحتملين أيضاً، شخص من عائلة السّديري، وهو الأمير أحمد بن عبد العزيز المولود عام 1942، وشغل سابقاً منصب وزير الداخلية. وهو من كان قد أُعفي من منصبه كوزير للداخلية عام 2012 بعدما نُظر إليه على أنه زعيم غير جدير بالثقة.

والحقيقة أن المملكة العربية السعودية كغيرها من الأمم الأخرى تواجه الكثير من التحدّيات الداخلية والخارجية، كما لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث في عددٍ من مناطقها، وقد تنحو الأحوال فيها منحىً كارثياً محتملاً. ومع ذلك، فطالما تستمر أزمة الخلافة هذه، فإن خيارات تعيين الملك السعودي المقبل تبقى بعيدة عن صيرورتها أزمة. فقد قطعت المملكة أشواطاً بعيدة منذ الصراع الذي أوصل إبن سعود إلى السلطة. فهي الآن دولة متقدمة وفقاً لعددٍ من المعايير، ولسياساتها الملكية ولا يبدو انه سيخلق أزمة في المملكة أو تغيّراً على مستوى الشراكة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

أنتوني كورسمان، يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وهو مركز معفى من الضرائب يركّز على قضايا السياسة العامة الدولية. يتميز بأبحاثه الموضوعية وغير الحزبية. والآراء الواردة في هذا المنشور تعبّر عن موقف الكاتب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى