السلوك والإنسان
رولان مشوح
«كنْ جميلاً ترَ الوجود جميلا». إن المقدرة على تقدير الغير هي أساس السلوك الجيد مع الآخرين، فعلاقة الفرد مع المحيط هي علاقة حميمة، مثل علاقة العقل والجسم، والتأثير في ما بينهما متبادل.
إنّ الطريقة المثلى لتطوير علاقة الإنسان مع المحيط حوله تمكّنه من تطوير نفسه، فعندما يكون العقل قوياً ويعمل بكامل طاقاته، منسجما ًمع قوانين الطبيعة، يمكن للفرد أن يغذي ويغني المحيط حوله. إنّ التصرف والسلوك اللذان يصدران من الفرد هما الوسيلة لتحقيق حاجاتنا، لذا من الضروري أن يؤدي هذا السلوك بالفرد إلى النجاح. التعامل مع المحيط حولنا ليس سوى انعكاس لما يدور في داخلنا. السلوك هو ذاك النشاط الذي يعبّر عنه الفرد من خلال علاقاته بمن حوله وللسلوك قواعد طبيعية ومادية مبرمجة طبقا ً للخريطة الوراثية المرسومة لكل فرد، ووفقاً للترتيب الوراثي البيولوجي، وصولاً إلى هندسة الجينات.
إنّ وراء كلّ سلوك دافعاً، فنحن لا نقدم على أمر إلا إذا كان ثمة ما يحرّكنا للفعل، ونتوقع أن نحصل من خلال هذا السلوك على نتيجة ما، فالسلوك هو مجموعة من الأفعال التي تحكم الشخصية، والسلوك هو النشاط الذي يعبّر عنه الفرد من خلال علاقاته بمن حوله. ويتلخص السلوك في أن حياة الفرد اليومية تنطوي على العديد من العلاقات الاجتماعية مع الأشخاص المحيطين به في المجتمع الذي نعيش فيه. وأهمية السلوك يكمن جوهرها في سائر الأنشطة العقلية والانفعالية والحركية والاجتماعية الصادرة عن الفرد لإشباع حاجاته ودوافعه، فالسلوك هو مجموعة اختيارات يقوم بها الفرد عند مواجهة موقف معين قد يتعرض له المرء في حياته. وللسلوك أشكال نذكر منها:
1 ـ سلوك عقلي: هو استخدام الذكاء في المواقف المختلفة ليساعد في الابتكار والتجديد.
2 ـ سلوك حركي: هي المهارات اليدوية كافة التي يمكن تطويرها عن طريق التعليم.
3 ـ سلوك انفعالي: مثل الحزن، البكاء، الغضب، التشاؤم…
4 ـ سلوك اجتماعي: هو التعامل مع الآخرين ويخضع لقيم اجتماعية عديدة.
5 ـ سلوك لغوي: أسلوب الاتصال مع الآخرين ويتطور بتطوّر نموّهم.
6 ـ سلوك توافقي: هو البحث عن البدائل أو الدوافع التي لم يستطع إشباعها.
7 ـ سلوك تنظيمي: داخل المنظمات والهيئات مثل القوانين واللوائح لتحديد المسؤوليات.
لعله الجدير بالذكر أنّ للطريقة التي ترى بها نفسك، أي الصورة التي توجد في ذهنك عن نفسك، أكبر أثر في سلوكك، وفي هذا يقول الدكتور ماكسويل مولتز في كتابه «سكيو سيبرنتك» إنّ النظرة الذاتية هي المفتاح لشخصية الإنسان وسلوكه، فلو غيّرت النظرة الذاتية فإنك تغير الشخصية والسلوك»، ويضيف: «إنّ تصرفاتك وأحاسيسك وسلوكك، وحتى قدراتك غالباً ما تكون طبقا ً لنظرتك الذاتية لنفسك». كما أنّ للسلوك أنواعاً، فهو ينطوي على عدد من الخصائص أهمّها:
1 ـ السلوك مسبّباً: تكمن وراءه أسباب عديدة تؤدّي إلى ظهوره.
2 ـ السلوك هادفاً: يسعى إلى تحقيق شيء ما لإشباع حاجاته ورغباته.
3 ـ السلوك متنوّعاً: يظهر في صور متعددة ليتكيف مع المواقف التي تواجه الفرد.
4 ـ السلوك مرناً: يختلف بحسب المواقف تبعاً للمقومات الشخصية لكلّ منها وللعوامل المحيطة بها.
5 ـ السلوك متعدداً: الأسباب بحسب حاجات الإنسان المتعددة محاولاً باستمرار إشباعها وتحقيقها في وقت واحد.
6 ـ السلوك عملية مستمرة: كلّ سلوك جزء أو حلقة من حلقات سلسلة طويلة متكاملة تندمج حلقاتها باستمرار.
7 ـ السلوك إنسانياً: يشمل الفرد ككل.
8 ـ السلوك الإنساني مدفوعاً بدوافع معينة: قد تكون حاجات ورغبات يريد إشباعها.
للسلوك عدة أبعاد هي البشري والمكاني والزمني والأخلاقي والاجتماعي…
1 ـ البعد البشري: السلوك الإنساني بشريّ صادر عن قوة عاقلة ناشطة وفاعلة معظم الأحيان.
2 ـ البعد المكاني : السلوك البشري يحدث في مكان معيّن.
3 ـ البعد الزماني: السلوك البشري يحدث في وقت ما.
4 ـ البعد الأخلاقي: يعتمد المرشد القيم الأخلاقية في تعديل السلوك، ولا يلجأ إلى استخدام العقاب النفسي أو الجسدي أو الجرح أو الإيذاء للفرد الذي يتعامل معه.
5 ـ البعد الاجتماعي: يتأثر السلوك بالقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد المعمول بها في المجتمع وهو الذي يحكم على السلوك على أنه مناسب أو غير مناسب، فالسلوكيات قد تكون مقبولة في مجتمع ومرفوضة في مجتمع آخر.
السلوك الإنساني هو حصيلة التفاعل بين العديد من العوامل والمتغيّرات، ولا شك في أنّ الأهمية النسبية لكلّ من عامل الوراثة والبيئة في تحديد سلوك الفرد هي أساس الاختلاف بين النماذج المختلفة للسلوك الإنساني الذي يصدر عن كل فرد منا.
كلمة أخيرة: السلوك الإنساني مسألة غاية في التعقيد إذ يحاول الإنسان إشباع حاجاته ومواجهة حياته، كما يتأثر السلوك الإنساني بالظروف والمتغيرات البيئية، وتختلف الحاجات لديه باختلاف المراحل العمرية، فكل مرحلة من العمر تحتاج إلى طريقة تعامل مختلفة، ومعرفة السلوك تساعد في حسن التعامل مع الآخرين واختيار المداخل المناسبة للتعامل مع الآخرين.
محامية