رحيل الملك السعودي «حدث»
روزانا رمّال
توفي الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، ملك السعودية القوي، والرمز، هذا ليس خبراً عادياً يمرّ على المنطقة، انما هو «حدث».
حدثٌ لانّ الملك الراحل لا يشبه بهالته وتاريخه وعلاقاته أحداً من ملوك او رؤساء المنطقة، ولا يمكن لأيّ ملك قادم، وتحديداً سلمان أن يرخي نفس الصورة عن المملكة بعيون الآخرين.
حدث لأنّ ما بعده ليس كما قبله، ولأنّ من بعده ستتسارع الأحداث السياسية، وتعلو أسهم التسويات والأفق الجديدة تماشياً مع الواقع الجديد، فبين دعم أميركي متوقع للحكم الجديد ومساعدته على تثبيت «أرجله» في الحكم، مقترحات أميركية ستلوح في الأفق وسيطرحها الاميركي على مسامع السعوديين، ليس آخرها اللقاء بالإيرانيين بعد كلّ ما جرى في اليمن.
ليس لأنّ الملك الراحل كان من يُعرقل التسويات… بل لأنّ بين الملك السعودي الراحل وقادة العالم الذين عاصروه الكثير، فهو دائرة واسعة من العلاقات الدولية والإقليمية، ورجل دولة بامتياز، والتاريخ والملفات والمحطات التي كانت تزعج الملك، وله رأي مبدئي فيها، او ربما شخصي في بعض المكامن، قد لا تكون مبدئية بالنسبة إلى خلفه، ولأنّ المهابة التي كانت تحيط بشخصه لدى اي مفاوضات وتسويات معه رحلت اليوم، ولأنّ الملك القادم لا يملك بينه وبين من سيتواصلون معه ويفاوضونه ايّ رصيد شخصي او معنوي بذلك الحجم.
قادة العالم يعزّون بوفاة الملك، لكن ربما كثر من قادة هذا العالم انتظروا وفاته، ليس لأنه على خلاف سياسي معهم، فمنهم ربما حلفاء، بل لأنّ وجود هالة ورمز كالراحل يمكن أن تؤثر كثيراً، وقد أثرت على البحث والحل والربط في ملفات عدة، ولأنّ التخاطب معه مختلف عن التخاطب والتوجه إلى أيّ رئيس عادي، ولأنه في عيون شعبه أكثر من ملك عابر.
رغم انّ الملك عبدالله تسلّم الحكم رسمياً عام 2005 بعد وفاة اخيه الملك فهد، إلا انه كان الحاكم الفعلي في السعودية منذ العام 1995 بعد ما تسلّم زمام الأمور لظرف أخيه الصحي.
منذ ذلك الوقت مرّ على الشرق الاوسط والعالم أهمّ الأحداث والحروب والمحطات التي شهدها وشارك في مخارجها وخواتيمها وبعض مخططاتها. لقد عايش الملك حقبة الاجتياح الاميركي للعراق وأبرز ملفات القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ « الاسرائيلي» واتفاق الطائف اللبناني، وأخيرا ما عًرف بـ«الربيع العربي» وغيرها…
لم يكن الملك عابراً في كلّ تلك الملفات، بل صانعاً لها ومشاركاً في مخارجها وخواتيمها وتنفيذها…
لم يكن ملكاً عابراً، فقد أعطى السعودية نفوذاً في دول الجوار الخليجي بين البحرين واليمن و قطر، ونفوذ السياسة الموحدة لمجلس التعاون الخليجي…
الملك عبدالله عنوان للملكة العربية السعودية، وربما هو المملكة بذاتها في العصر السياسي الحديث، وكلّ ما يأتي في غيابه لا يمكن ان يحمل إلى المملكة ما حمله حضوره.
اما الشعور بالحزن والأسى في الخليج فلا يقتصر على خسارة قائد، إنما أصبح قلقاً بحدّ ذاته على قوة الخليج وقدرة الدول أمام النفوذ المتصاعد لإيران في المدى القريب، وأمام المتغيّرات التي تعصف باليمن والتحدي الكبير امام البحرين.
رحيل الملك السعودي «حدث» والمنطقة برحيله تدخل مرحلة جديدة بكلّ المقاييس.
«توب نيوز»