ما الهدف من تقييد «الإخبارية السورية»؟
عامر نعيم الياس
هجوم «إسرائيلي» في الجولان أدّى إلى «استشهاد ستة أشخاص إضافة إلى طفلة»، هكذا أريد للإعلام أن يقول. حتى «الإخبارية السورية» أريد لها أن تذيع الخبر ذاته وهي التي انطلقت في بداياتها قناةً تحاول أخذ جانب فيه شيء من النأي والتمايز عن باقي قنوات الإعلام الرسمي المملوكة من الدولة. في البدايات كان يتم الحديث على أنها قناة مستقلة. ثم فرضت الأحداث نفسها على القناة التي وجدت نفسها ضحية لمذبحة من مذابح التكفيريين في استديواتها في خان الشيح أي في منطقة الجولان السوري.
انطلقت «الإخبارية السورية» قبل أيام، وتحديداً في الرابع عشر من الشهر الجاري بشكل وصورة مختلفين عما نراه في القنوات الرسمية السورية الأخرى. فعلى المستوى البصري بما يتضمنه من شكل وإخراج وغرافيك، لاحظنا تميزاً في الصورة والأداء إلى حدّ يشابه القنوات المتخصّصة العربية والناطقة بالعربية. واستخداماً لتقنيات بصرية جديدة منها التقنية ثلاثية الأبعاد في التقارير التي لا تتوفّر مادة مصوّرة عنها. أما على الصعيد التحريري فإنه يحسب للإخبارية في بداية بثّها المباشر والرسمي الابتعاد عن الاجتهاد في ما يعنى بالمصطلحات الإعلامية والتعاريف المحدّدة لأيّ عمل صحافي إعلامي. فالتقارير على سبيل المثال جاءت في مضمونها ملبيةً للمعايير المهنية التي يفرضها العمل الإعلامي على النصّ المكتوب كي يقال عنه إنه تقرير. ولم يعد التقرير تعليقاً سياسياً تارةً، ورأياً تارةً أخرى لا يحمل أي جديد سوى بعض الذمّ والهزل.
من الطبيعي أن جهداً واضحاً بذل من جانب العاملين والقائمين على القناة الإخبارية للخروج من النمطية التي تطبع عمل القنوات التلفزيونية السورية الرسمية والخاصة في غالبيتها. يضاف إليه دعمٌ واضحٌ من قبل الجهات المسؤولة لأيّ جهد من شأنه تسهيل عمل القناة وخروجها بالشكل الذي خرجت به. وهو ما يفرض على الجميع مواكبة هذه الانطلاقة بمزيد من العمل والتمايز الذي يسمح للقناة باستغلال الأثر الطيّب الذي تركته في نفوس متابعيها بعد سنوات من بثٍّ تجريبي أدّت إلى انخفاض نسبة متابعي القناة. لكن الرياح بدأت ومنذ الأسبوع الأول بأرجحة نسب مشاهدي القناة وإفراغ انطلاقتها من مضمونها الذي يفترض أن يحمل اختلافاً ملموساً عن أداء القنوات السورية الأخرى. خصوصاً في مجال اختصاص القناة، أي الأخبار وصوغ الرأي العام. في وقتٍ تواجه البلاد حرباً لم يشهد لها التاريخ مثالاً. ولنا في البيان حول ما جرى في القنيطرة مثالٌ واضحٌ. من دون أن نغفل ما يجري في مدينة الحسكة السورية من اشتباكات بين الجيش العربي السوري وقوات من الأكراد الذين أضحوا بشكلٍ تام تحت الوصاية الأميركية الفرنسية في هذه المنطقة. ووضعوا مشروعهم في الحكم الذاتي موضع التنفيذ المباشر. فالاشتباكات التي وصفت «بالعنيفة» في أحياء عدّة داخل مدينة الحسكة أدّت إلى سقوط أربعة شهداء للجيش السوري، وهي اندلعت «بعد هجوم لما يسمى وحدات حماية الشعب الكردي على وسط المدينة». حدثان كان من الممكن الإشارة إليهما بشيء من التفصيل وترك هامش حرية للقناة لتتمايز عن غيرها من القنوات. فما معنى أن يبث فيديو حصريّ بمكان العملية الصهيونية على قناتَيْ «الميادين» و«المنار» واستبعاد «الإخبارية السورية»؟ ألم تنفّذ العملية الصهيونية على الأراضي السورية؟ أين تجري الاشتباكات مع الأكراد؟ أليس من الأَولى الدفع قدماً بمصداقية القناة أمام الرأي العام عبر تزويدها هي بصورٍ حصريةٍ أيضاً؟ ألم يخرج وزير الإعلام السوري في مداخلةٍ على قناة «المنار» اللبنانية حول استشهاد المقاومين على أرض القنيطرة السورية، في الوقت الذي تجاهل البيان الرسمي هوية الشهداء ومرّ على الحادث مرور الكرام؟
إذا كان من مبررات للبيان الرسمي لا ندركها، وهذا أمر ممكن مرتبط بمعطيات عند صانع القرار. فإن الشق الإعلامي والنجاح البصري للإخبارية السورية يفرض علينا التساؤل حول أسباب الإصرار على استنساخ تجربة الإعلام الرسمي وسحبها تماماً ومن دون أي تغيير عليها. وإذا كان هذا القرار متّخذ بالفعل، فلماذا المزيد من القنوات؟
كاتب ومترجم سوري