خطاب أوباما: براعة بلاغية لتغطية الإخفاقات السياسية

من الطبيعي ان يحتلّ الخطاب الرئاسي اهتماماً مميّزاً لدى اوساط النخبة السياسية والفكرية والإعلامية. وخصص عدد من مراكز الأبحاث الاميركية جهوداً لا بأس بها لتحليل مضمون خطاب الرئيس باراك أوباما، لا سيما في بُعد السياسة الخارجية.

سيستعرض قسم التحليل الخطاب السنوي للرئيس أوباما، وتبيان نواقصه وما أغفله من قضايا مما دفعه إلى الزعم بأنّ سياساته الخارجية حققت إنجازات متعددة. كما سيسعى التحليل إلى سبر أغوار الحملة الانتخابية المقبلة ورسم معالم الخطاب السياسي للمرشحين عن الحزب الديمقراطي.

مصدر تندّر النخب الفكرية

أعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن اعتقاده بأنّ استمرار موجة «العنف في الشرق الأوسط» ناجم عن الاستراتيجية التسطيحية» التي تتبعها الإدارة الأميركية، «اسوة بمعظم وسائل الإعلام والكونغرس» في تعاطيها مع أزمات المنطقة، لا سيما في العراق وسورية. وحذر المركز من أنّ تركيز الأضواء على خطر «الدولة الاسلامية ـ داعش»، لا يفي بالغرض، لا سيما أنها تشكل أحد عناصر التدخل الأميركي وتبريراته. وانتقد المركز الرئيس أوباما لعزوفه عن «ذكر ايّ إنجاز حقيقي» لسياسة التصدي لـ»داعش»، أو «تقديم خلاصات مفصّلة لما أسفرت عنه الغارات الجوية التي بلغت نحو 1800 طلعة ضدّ أهداف الدولة في سورية والعراق». ومضى في انتقاده للرئيس أوباما الذي «لم يأتِ على ذكر تحدّي داعش التي لا تشكل سوى إحدى الحركات الجهادية… لا سيما أنّ جبهة النصرة ألحقت هزيمة منكرة بتيارات المعارضة المعتدلة» التي تدعمها الولايات المتحدة وحلفاؤها»!

معهد المشروع الأميركي ذهب أبعد من ثمة تبيان عناصر الخلاف مع نهج الإدارة مؤكداً أنّ خطاب الرئيس أوباما «لم يجب على الاستفسارات المطروحة المتعلقة بالإجابة على سؤال هل الأميركيين اليوم ينعمون بالأمان من تهديدات تنظيم القاعدة».

هاجس الإرهاب

اعتبرت مؤسسة هاريتاج ان هناك قرائن تربط التهديد المستهدف مبنى الكونغرس بالهجمات الإرهابية في باريس، «اذ لم يعد في وسع الولايات المتحدة إنكار الحرب على الإرهاب». وأوضحت انّ الخشية من قيام عنصر إرهابي بشنّ هجوم بمفرده «يشكل تحدياً لجهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب نظراً إلى انخفاض منسوب الشك به وشحّ المعلومات التي تفيد عن ارتباطه بمجموعات او أفراد آخرين». وحثت الولايات المتحدة على «مضاعفة جهودها ومواردها لمحاربة الإرهاب والتشبّث بما هو متوفر من تدابير لمكافحة الإرهاب».

اليمن

تصدّرت الأزمة اليمنية أولويات اهتمام مراكز الأبحاث مرة أخرى بعدما تراجع الاهتمام بها عند إعلان الرئيس أوباما منذ بضعة أشهر بأنّ «اليمن أضحى نموذجاً لعلاقات الشراكة الناجحة» مع الولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب.

وأعرب معهد واشنطن عن اعتقاده بإمكانية عودة مرحلة عدم الاستقرار التي «تبدو حتمية» في الظرف الراهن «حتى لو تمّ التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار وبقاء الرئيس عبد ربه منصور هادي في منصبه». وأضاف انّ تجدّد الأزمة يشكل «انتكاسة للجهود الأميركية لحشد القوى ضدّ مجموعات القاعدة،» وحذر من استمرار التدهور وفشل الحكومة «في حال أعلن جنوب اليمن عن انفصاله مما ينذر بإحالة مضيق باب المندب الاستراتيجي الى وضع خارج القانون.» كما لفت الى المعضلة الأمنية المضاعفة التي تواجه السعودية «داعش في شمالها وقوات الحوثيين في جنوبها».

معهد هدسون بدوره حذر من الإفراط في تعظيم دور تنظيم القاعدة «وسعيه إلى استثمار زعزعة الاستقرار في اليمن للتمدّد، إذ ثبت أنّ أسلوبه فشل في استقطاب الدعم الشعبي… فضلاً عن إخفاقه في السيطرة على أراضي واسعة مقارنة مع نجاح داعش في ذلك». وأوضح «انّ تنظيم القاعدة سائر في اتجاه الصدام الحتمي مع الحوثيين»، مما ينذر «بارتفاع ملحوظ في العنف والاصطفاف الطائفي.» ومضى محذراً من «استمرار صلاحية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لكافة التشكيلات الجهادية، بصرف النظر عما ستؤول اليه أحداث اليمن من نتائج.» وأردف انه بالرغم من الضربات القاسية التي لحقت بالقاعدة الا أنّ «هجمات باريس أثبتت قدرته على النمو والمحافظة على وحدة نسبية بين صفوفه في مواجهته داعش».

استعرض معهد كارنيغي مسألة نجاح تنظيم داعش في التمدّد الجغرافي على الرغم من الغارات الجوية الدولية المكثفة، بل «تضاعف حجم الأراضي التي يسيطر عليها في سورية منذ بدء الحملة الغربية،» منذ أيلول الماضي. واوضح انّ أحد أهمّ الأسباب يكمن في «افتقار التحالف استراتيجية شاملة للتصدّي وعدم تطبيقه استراتيجية متنوّعة الأوجه مثل الاشتباك الميداني… وبطء الولايات المتحدة في توفير الدعم العسكري الملائم للمعارضة السورية». واضاف انّ «غارات تحالف واشنطن لم تستهدف مراكز القيادة والتحكم» لتنظيم الدولة الاسلامية، الذي أحسن استغلال إنشاء تحالفات ميدانية مع «بعض قبائل المنطقة… الذين يتوجّسون من جدية قوى التحالف محاربة الدولة الاسلامية.» وحمل المعهد «الغرب ومختلف فصائل المعارضة السورية» مسؤولية نجاحات الدولة الاسلامية، لا سيما أنّ تمدّدها الجغرافي شرقاً «يترافق مع التوسع الرمزي للتنظيم حول العالم».

إيران

دحض مركز السياسة الأمنية «مزاعم» الرئيس أوباما، كما أسماها، جهود إيران لخفض نسبة اليورانيوم المخصّب قائلاً: «بالإقرار أنّ إيران أوقفت جهودها لتخصيب اليورانيوم لنسبة 20 في المئة من اليورانيوم 235 .. وتمييع 20 في المئة من اليورانيوم المخصب لنسبة إدنى لاستخدامات المفاعل، إلا أنّ ذلك التنازل لم يسفر إلا عن نسبة ضئيلة لتقليص التهديد من برنامج إيران النووي.» وأضاف انه باستطاعة إيران «تحويل المادة الى كمية كافية من وقود ضروري لإنتاج قنبلة نووية في غضون شهرين الى ثلاثة أشهر ونصف الشهر، مما يعادل نحو أسبوعين إضافيين من الزمن تحتاجهما لبلوغ ذات الهدف باستخدام يورانيوم مخصب بنسبة 20 ».

تركيا

استعرض صندوق مارشال الألماني أجواء الانتخابات التركية المقبلة بعين من القلق، والتي «تنذر بانعكاسات على عدة مستويات: أولها المسألة الكردية ثانيها اتهامات الحكومة بالفساد وثالثها تداعيات الانتخابات على منصب الرئاسة… الذي يسعى أردوغان تحويله الى مركز لصنع القرار بديلاً عن أهميته الصورية».

الخطاب السنوي للرئيس الأميركي «واجب دستوري» دأب على تطبيقه كافة الرؤساء الأميركيين في مناسبة سنوية فريدة تجمع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الأميركية تحت سقف مجلس النواب، يستعرض فيها ما آلت اليه أحوال الأمة على الصعد الداخلية والخارجية، ويرسم آفاق السياسة المقبلة للعام التالي والمرحلة المقبلة. من النوادر هذه السنة تغيّب ثلاثة من قضاة المحكمة العليا عن الحضور، والتقاط صورة لقاضٍ آخر غافياً خلال الجلسة.

خطاب الرئيس أوباما، الذي نحن بصدده، سلك ذات الدرب لأسلافه ورسم صورة مشرقة وواعدة لما يجري وسيجري والذي عادة يسجل له بلاغته واقتراب خطاباته من نص أدبي راقي، تخللته «اقتراحات» لأجندة تشريعية يطمح إلى تحقيقها خلال ما تبقى له من ولاية رئاسية.

بعد تعديل موازين القوى السياسية لصالح خصومه الجمهوريين، يعتمد مدى نجاح الرئيس أوباما في تطبيق أجندته السياسية، او الجزء الأهمّ منها، على أسلوبه وبراعته في التعامل مع الخصوم المتوثبين لتقويض اية إنجازات تصبّ في صالح الرئيس وحزبه الديمقراطي وأيضاً على مدى فعاليته في ردم الهوة التي تزداد اتساعاً بين الحزبين.

الجزء الأكبر من المراقبين اتهم الرئيس اوباما بالغطرسة ولهجة التحدّي، وقليل من حكمة التعامل المشترك في الجانب الشكلي. اما في المضمون فجاء خطابه متساوقاً مع طموحاته والتصرف بالحقائق السياسية والمتغيّرات الدولية بما يخدم رؤيته ورؤية المؤسسة الحاكمة الساعية دوماً إلى بسط سيطرتها وهيمنتها على العالم أجمع، بمقدراته وثرواته البشرية والطبيعية.

في الشق الداخلي، تفادى الرئيس أوباما الخوض في نتائج الانتخابات النصفية التي أسفرت عن خسارة مدوّية لحزبه الديمقراطي، ولم يفصح عن ايّ مؤشر يفيد بتغيير السياسات المتبعة ملوّحاً مراراً باستخدام حق النقض الفيتو لإفشال أيّ مشروع يصرّ عليه خصومه ويحدّ من «إنجازاته» السابقة.

في بُعد السياسة الخارجية، وتحديداً ما يتعلق بالشرق الاوسط، أثبت الخطاب بعد المسافة بين الواقع والتمنيات، وخاصة في ما يتعلق بما يُسمّى محاربة الإرهاب. يذكر أنّ الرئيس أوباما أثنى قبل أشهر معدودة على تعاون الحكومة اليمنية في محاربة الإرهاب وسماحها لشنّ غارات جوية بدون طيار على مواقع مشتبه بعودتها إلى تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، بيد أنها حصدت أعداداً مرتفعة من الضحايا المدنيين. وسرعان ما انهارت الحكومة اليمنية تحت وطأة فشل سياساتها وتبعيتها وإخفاقها في وضع حدّ لتدهور الأوضاع الاقتصادية.

الإرهاب رديف السياسة الخارجية

في مواجهة تنظيم «داعش»، زعم الرئيس أوباما أنّ «قيادة أميركا للعمليات العسكرية في العراق وسورية أوقفت تقدّم وتمدّد الدولة…» مؤكداً على نجاح الجهود في نهاية الأمر عبر «استخدام مزيد من القوة» ضدّ التنظيم. أما زعمه «بمطاردة الإرهابيين،» فقد فنّدته وقائع المشهد الباكستاني في الهجوم الدموي على مدرسة ذهب ضحيتها نحو مائة من الطلاب والطاقم التدريسي والمعاونين المدنيين.

اما إشادته بفعالية دور التحالف الذي تقوده واشنطن، فقد نال قسطا وافياً من التندّر والفكاهة بين أوساط المحلّلين والإعلاميين على السواء، خاصة بدفاعه عن عدم الانخراط مجدداً «وبدلاً من أن نغرق في حرب جديدة على الأرض في الشرق الاوسط، نقود ائتلافاً واسعاً يضمّ دولاً عربية، من أجل إضعاف هذه المجموعة الإرهابية وصولاً الى تدميرها.» وعبّرت شبكة ان بي سي الأميركية للتلفزة عن صدمتها من ادّعاء الرئيس بصوابية وفعالية استراتيجية «لوقف تمدّد داعش»، بينما تثبت الأخيرة قدرتها على المرونة والتكيّف مع الظروف.

وأشارت الشبكة إلى هجمات باريس وتدهور الأوضاع الأمنية في العراق وسورية كمؤشر على «تنامي حضور داعش والمجموعات الارهابية الأخرى… وتصوير الأمر بأنه إنجاز يجافي الحقيقة، وربما مراوغ ومخادع». وأضافت الشبكة: :انّ الرئيس اوباما «بعيد عن الحقيقة». وقالت: «نعم أنشأ تحالفاً دولياً لكنه لم يوضح معالم استراتيجية للتصدّي الفعّال». وذهبت الى مطالبة الإدارة بإجراء «تعاون غير رسمي مع إيران نظراً إلى متطلبات المصالح السياسية المشتركة… في مواجهتما ضدّ داعش».

كما لوحظ غياب ايّ إشارة في خطاب أوباما ولو عابرة – الى مصير الجهود الأميركية حول ما يُطلق عليه التسوية السلمية او لرعاية التفاوض بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية».

بالغ الرئيس أوباما، إعلامياً، في ادّعاء «وقف تقدم البرنامج النووي الإيراني والحدّ من المخزون النووي، لأول مرة منذ عقد من الزمن،» نظراً إلى سياساته الراهنة في التفاوض ومضى محذراً قيادات الكونغرس الجديد من تقييد حركته وسنّ تشريع يقضي بتشديد العقوبات الاقتصدية على إيران التي «ستطيح حتماً بالجهود الديبلوماسية وعزل الولايات المتحدة عن حلفائها، أمر لا نجد معنى له.» وهدّد خصومه «باستخدام حق الفيتو ضدّ أيّ قانون عقوبات جديد يهدّد إحباط هذا التقدّم».

من نافل القول إنّ السياسة الأميركية المعادية لإيران لم يصبها اي وهن بحكم عامل الزمن، بل تتجدّد تجلياتها بين فترة وأخرى، خاصة في مواسم الانتخابات الرئاسية، التي كان أبرز أقطابها، المرشح للرئاسة آنذاك والسيناتور الحالي، جون ماكين في مداعبته الجمهور الانتخابي «أقصف، أقصف إيران.» انتقال مركز ثقل السلطة السياسية في الكونغرس الى الحزب الجمهوري ساهم في تعزيز معارضة أقطاب الحزب الديمقراطي ايضاً. اذ اتهم رئيس لجنة السياسة الخارجية السابق في مجلس الشيوخ، روبرت مننديز، الرئيس أوباما بتبني الخطاب السياسي الإيراني وتصوير إيران «بالضحية… بينما في حقيقة الأمر هي التي كانت ترفض الإفصاح عن برنامجها النووي منذ 20 عاماً».

الشق الإيراني في خطاب أوباما حفز الحزب الجمهوري لشحذ سهام معارضاته، لجملة ما ورد، لا سيما ذكر الرئيس انّ «امامنا فرصة للتفاوض تنتهي مع الربيع والتوصّل إلى اتفاق شامل يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ويضمن أمن الولايات المتحدة وحلفائها بمن فيهم اسرائيل…» واستشاط غضباً رئيس مجلس النواب جون بينر، الفاقد للكياسة الديبلوماسية، وردّ بتوجيهه دعوة لبنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، متجاوزاً كافة الأعراف والأصول الديبلوماسية سارية المفعول، والتي تحصر دعوة أيّ مسؤول آخر بالسلطة التنفيذية ووزارة الخارجية، ومن ثم يجري ترتيبها وفق الأصول.

البيت الابيض بدوره لم يتأخر عن الردّ العاجل، اذ وصف دعوة بينر بانها «خروج على أصول البروتوكول،» اتبعه لاحقاً ببيان صريح ينفي فيه نية الرئيس لقاء الضيف الذي أُجلت زيارته من شباط الى الثالث من آذار المقبل، تلاه بيان لوزارة الخارجية يفيد بعدم نية لقاء الوزير كيري مع الضيف أيضاً.

بعض معارضي نتنياهو، خاصة في الأجهزة الأمنية، أبلغوا المعنيين في مجلس الشيوخ عن عدم موافقتهم نية الكونغرس فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران في الوقت الراهن، والذي ستتخذ مفعول «إلقاء قنبلة متفجرة على المفاوضات الجارية». ما يضاعف الأمر تعقيداً أيضاً الغارة «الاسرائيلية» في الجولان واستشهاد مقاومين من حزب الله وأحد الضباط الإيرانيين الكبار، مما قد يستدعي «ردّاً رادعاً» للغطرسة «الإسرائيلية» قد يفاقم الأوضاع ويهدّد بنشوب حرب أخرى أشدّ قسوة، والتي ستحتاج «اسرائيل» الى دعم وتأييد وإمداد أميركي خارج سياق المفاوضات النووية.

بالعودة إلى خطاب الرئيس أوباما، فقد أتى على ذكر ظاهرة «الإرهاب» بتفصيل ملحوظ، لم يقرنه بتنظيم القاعدة» الذي تجنّب أوباما ذكره بالاسم عند قوله «نقف صفاً واحداً مع كلّ الذين استهدفهم إرهابيون في جميع أنحاء العالم، من مدرسة في باكستان الى شوارع باريس… سنواصل مطاردة الإرهابيين وتدمير شبكاتهم ونحتفظ بالحق في التحرك بصورة منفردة مثلما نفعل منذ انتخابي رئيساً، لتصفية إرهابيين يشكلون خطراً مباشراً علينا وعلى حلفائنا.» وشدّد أوباما على حاجة بلاده «لمساعدة دول مثل اليمن وليبيا والصومال… ونقل المعركة المشتركة الى عرين الإرهابيين مثلما نفعل في مالي».

إخفاقات في ساحات متعدّدة

إشادة الرئيس اوباما «بإنجازاته في عزل روسيا» لم تمرّ مرور الكرام، وتنطّح لتفنيدها سياسيون وإعلاميون على السواء. اذ قالت شبكة ان بي سي الأميركية للتلفزة: مع الإقرار بتراجع أداء الاقتصاد الروسي، فإنّ «المعارك تستمرّ في مقاطعة دونيتسك، ولم نفلح بعد في تحديد أهدافنا في أوكرانيا… العقوبات الاقتصادية لم تؤتِ ثمارها، وأوكرانيا بحاجة إلى مزيد من شحنات الأسلحة».

تحسّن أداء الاقتصاد الأميركي يرافقه انخفاض أسعار وقود الطاقة ربما هو الإنجاز الحقيقي الذي ينبغي حسبانه في خانة الإنجازات للرئيس أوباما. المفارقة انّ أغلبية معتبرة من الشعب الأميركي، 60 ، تعتقد انّ الحالة الاقتصادية «ليست على ما يرام… او ضعيفة.» فرص العمل لا زالت تتقلص والأجور لم تشهد تحسّناً منذ سنوات طويلة، وفق إحصائيات وزارة العمل الأميركية. الامر الذي دفع وزير العمل عينه، توماس بيريز، الى حث الإدارة على «تكثيف الجهود لمعالجة الانخفاض الحقيقي في نمو مؤشر الأجور».

تجدر الإشارة الى أنّ الحملة الإعلامية المكثفة التي سبقت الخطاب روّجت لعزم الرئيس إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى وترميم سياسة تقليص الإنفاق وزيادة الاستثمار في قطاعي التربية والتعليم وتحديث البنى التحتية. سياسة الحزب الجمهوري الثابتة بمناهضة ايّ برامج وسياسات إنفاق على الرعاية الاجتماعية والصحية لقيت صداها في المجتمع، إذ أشار أحد أحدث استطلاعات الرأي، أجراه معهد راسموسن، الى دعم نحو 68 في المئة من الناخبين ضرورة التفاتة الرئيس أوباما لإنجاز برامج قابلة للتطبيق في ما تبقى له من ولايته الرئاسية. اما نسبة دعم برامجه الطموحة فلم يدعمها سوى 17 في المئة من جمهور الناخبين.

استناداً الى معارضة الأغلبية لسياسات الإنفاق الحكومي، يمكننا القول انّ ادّعاءات الإدارة تحقيق إنجازات في السياسة الخارجية لا تستند الى حقائق موضوعية، يعززها إحجام غالبية أكبر عن مشاهدة ومتابعة الخطاب الرئاسي.

الانتخابات الرئاسية المقبلة

الإطار العام لخطاب الرئيس أوباما أخذ بعين الاعتبار السباق الرئاسي ومرشحي حزبه الديمقراطي، ومن ثمّ أغلب ما ورد فيه كان يرمي لخدمة خطاب المرشحين المقبلين، لا سيما لذكره مراراً ما ينوي إنجازه في السنتين المقبلتين. ورمى الرئيس أوباما لصياغة وترتيب أولويات عناصر الأجندة المقبلة وتسخيرها في خدمة الحزب الديمقراطي، مستنداً بشكل رئيس على تحسّن الأداء الاقتصادي كما تراه النخبة الحاكمة. انْ شئنا التدقيق في مفردات الأجندة لوجدنا أنه لا ينوي العمل مع الكونغرس وفق أرضيتها، بل استخدامها كإطار لإطلاق حملة المرشحين الديمقراطيين ومن هنا يمكننا سبر أغوار الجمل الرنانة حول تحقيق طموحات الطبقة الوسطى، بينما غابت مفردات عدم المساواة وإشراك الطبقة الوسطى في توزيع الثروة.

البرامج او الخطط المقترحة، جلها في نطاق الرعاية الاجتماعية والصحية والتربوية، هي عناصر مماثلة لأجندته الانتخابية في المرتين السابقتين، والتي من شأنها إعادة تصويب النقاش العام حول أهمية رفع مستوى المعيشة للطبقة الوسطى بشكل خاص. تجزئة «الأجندة» بغية تهميشها وإثبات عقم تطبيقها هي من الأمور التي سيسلّط عليها الحزب الجمهوري جهوده البارعة في تشويه صورة الخصم، خاصة في بنود الرعاية الصحية الشاملة اوباما كير، التي أضافت قوانين وإجراءات إضافية ينبغي التزام أرباب العمل بها.

دولة الرعاية وبرامجها المتطوّرة برزت في ظلّ أوضاع محلية ودولية يعتقد الحزب الجمهوري انه آن الأوان لإعادة النظر بها وإلغائها، تحت ظلّ مقولة «تقليص حجم الدوائر الحكومية وأطقمها المنفلتة من عقالها.» نجاح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة يلوح في الأفق، حسبما تفيد استطلاعات الرأي المختلفة، معظمها على أرضية معارضته لشخص الرئيس أوباما ومن يدعمه امتداداً. «ازمة» الحكم تتجدّد كلّ دورة انتخابية، والعام المقبل ليس استثناء للقاعدة الأميركية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى