لقاء موسكو التشاوري بين احتمالين
حميدي العبدالله
اللقاء التشاوري الذي يُعقد في موسكو برعاية روسية بين وفد الحكومة السورية ووفد من المعارضة طرح سؤالاً هاماً: هل ينجح هذا اللقاء التشاوري حيث فشلت اللقاءات السابقة، ولا سيما لقاءات جنيف التي جمعت المعارضة مع الحكومة السورية؟ من حيث الوقائع يمكن التأكيد على أنه في كلّ لقاء كانت الظروف تختلف عن اللقاء الذي سبقه، وبالتالي ليس من السهل القياس على اللقاءات السابقة لتحديد نتائج أيّ لقاء جديد.
ولكن بما أنّ الهدف المركزي من أيّ لقاء هو مدى دوره في إنهاء الأزمة الدموية التي تعصف بسورية منذ نحو أربع سنوات، فإنّ ذلك يصبح هو المعيار الوحيد الذي يعني السوريين في قياس نجاح أو فشل أيّ لقاء بين الحكومة والمعارضة.
على أساس هذا المعيار يمكن توقع ما سينجم عن لقاء موسكو التشاوري، وعلى هذا الصعيد يمكن الإشارة إلى احتمالين أساسيّين:
الاحتمال الأول، أن يكون الرهان على تفاهمات بين المعارضين المشاركين في اللقاء وبين الحكومة السورية. وعلى فرض أنه تمّ التوصل إلى مثل هذا التفاهم، وسجل المعارضون، جميع المعارضين، استقلالية في موقفهم عن الدول التي انخرطت في الحرب على سورية مباشرة أو بصورة غير مباشرة عبر الدعم المالي والعسكري والإعلامي والسياسي، وفتح الحدود أمام تدفق المتشدّدين من قبل 83 دولة، فإنّ مثل هذا الاتفاق يظلّ رمزياً في تأثيره على مجرى الأحداث الميدانية التي هي أساس الأزمة الدموية التي تعصف بسورية والتي يُراد إيجاد حلّ لها، أيّ أنّ هذا اللقاء لن يقود إلى حلّ الأزمة، ولا حتى إلى الحدّ من تداعياتها الدموية الكارثية، ذلك لأنّ التنظيمات المشاركة في اللقاء ليس له أيّ تأثير على الوضع الميداني.
الاحتمال الثاني، أن يكون الرهان معقوداً على أن يقود هذا الحوار إلى انسحاب الدول التي انخرطت في الحرب على سورية، الدول الغربية ودول المنطقة، وإغلاقها الحدود، كلّ الحدود، أمام تدفق المسلحين، ودمج المسلحين الذين يوافقون على الاتفاق في بنية الدولة، والكفّ عن تدريب مسلحين وإرسالهم إلى سورية، ووقف تقديم كلّ أشكال الدعم للجماعات المسلحة، في مثل هذه الحال يمكن عندها التأكيد على أنّ اللقاء يشكل منعطفاً في الأزمة السورية وخطوة هامة على طريق القضاء على الجماعات المسلحة التي تنتمي إلى تنظيمات «القاعدة» بفروعها المختلفة، لأنّ حرمان الجماعات المسلحة من الدعم الذي حصلت وتحصل عليه يخلّ بتوازن القوى لمصلحة الجيش السوري، والتشكيلات المساندة له، ويقرّب ساعة إلحاق الهزيمة الكاملة بكلّ تنظيمات القاعدة وعلى رأسها «داعش» و»النصرة» التي تشكل القوة العسكرية الأساسية المنتشرة في كلّ أنحاء الجغرافية السورية.
من الواضح، على الأقلّ حتى الآن، أنّ المؤشرات على هذا الصعيد لا تزال ضبابية، ويصعب معها ترجيح أيّ من الاحتمالين، ويمكن القول بوضوح قاطع أنّ الميدان وحده الكفيل بترجيح أحدهما، بمعنى كلما حقق الجيش السوري المزيد من المكاسب والانتصارات على حساب التنظيمات المسلحة، كلما كان إمكان انسحاب دول المنطقة من الحرب على سورية أكثر واقعية، وكلما راوحت الأوضاع ميدانياً في مكانها كلما تردّدت الدول المشاركة في الحرب باتخاذ قرار الانسحاب منها والاستمرار برهاناتها الخاسرة.