دبابيس
أحمد طيّ
منذ سنوات خلت، قضت ابنة بلدتي، وصديقتي غادة محمد نزها، لا بسبب إعاقتها الدائمة، ولا بسبب مرضٍ طارئ ألمّ بها، ولا حتّى برصاصة طائشة. إنما قضت بسبب قلّة تدبير مستشفياتٍ عدّة في البقاع، عقب حادث دهس تعرّضت له غادة يومذاك، ولم يستقبلها أي مستشفى، بحجّة أنّها تحمل بطاقة «معوقة» من وزارة الشؤون الاجتماعية. وأذكر جيداً أن ذويها عرضوا على المستشفيات تلك أموالاً «كاش»، لكن ما جرى قد جرى، وأضحت غادة مذّاك ذكرى طيبة لدى كلّ محبّيها.
ما يُضحك في دولة الفراغ، أنّ «ظاهرة غادة» تتكرّر كلّ فترة في أكثر من منطقة. مستشفيات خاصة تنتشر في كلّ المدن والبلدات، تنهش من لحم المريض الفقير إذا استقبلته، أو بكلّ بساطة لا تستقبله، والحجج الواهية جاهزة معلبة لتُعلن ببيانات. وما يضحك في دولة الفراغ، مستشفيات حكومية ـ دون المستوى غالباً ـ تستقبل المريض الفقير، لكنها لا تستطيع إنقاذه من الموت.
أمس، رحلت «غادة» أخرى، وهذه المرّة في عكار الفقيرة، عكار الزراعة التي لا تلتفت إليها دولة الفراغ. أمس، رحلت مواطنة «معوقة» اسمها أميرة الأكومي. قضت تماماً مثل غادة نزها، عقب تنقلها بين عددٍ من المستشفيات.
البيانات كانت جاهزة، من المستشفيات ومن الوزارة. ومن يقرأ تلك البيانات، يظنّ أنّ حملةً حقيقيةً ما ستقام في وجه قطاع الطبابة في لبنان. تحقيقات واستدعاءات وتحميل مسؤولية. وصدّقوني، ستمرّ أشهر وسنوات، واسم أميرة الأكومي سيُنسى كما نسيت وزارة الصحة العامة اسم غادة نزها وعددٍاً كبيراً من ضحايا المستشفيات في لبنان.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هنا على الشعب اللبناني، الشعب اللبناني الفقير: إلى متى؟
إلى متى ستبقى ساكتاً عن حقّك في الطبابة المجانية؟ إلى متى ستبقى ساكتاً عن حقّك في الضمان الاجتماعي والصحي المجاني؟ إلى متى ستبقى ساكتاً عن حقك في الحياة، كي لا تصبح مجرّد اسم في بيان؟