أخبار سينمائية شرقاً وغرباً

سلط الناقد السينمائي الدكتور نزيه بدور الضوء على الأعمال السينمائية للمخرج الإيطالي بيار باولو بازوليني، مع شرح وافٍ لفيلمه «ميديا»، ضمن محاضرة ألقاها في المركز الثقافي في حمص تحت عنوان «العاديات في عيون السينما».

قدم الباحث شرحاً مفصلاً عن قصة فيلم «ميديا» الذي أدت بطولته مغنية الأوبرا المشهورة ماريا كالاس وصوّرت مشاهد عديدة منه في قلعة حلب ويتناول أسطورة إغريقية. وبيّن الباحث أن ميديا، ابنة اتيس ملك كولخيس، ظهرت في كم وافر من الأعمال الأدبية الإغريقية ووردت القصة الأصلية على الأرجح في قصيدة ملحمية نسبت إلى برودسيسكوس، وهي بطلة تراجيديات يوريبدس. ثم قدم المحاضر إضاءة على شخصية مغنية الأوبرا الأميركية ماريا كالاس التي ولدت في نيويورك لوالدين يونانيين ولدى بلوغها الثالثة عشرة انتقلت مع والديها إلى أثينا حيث أنهت دراستها الأكاديمية الموسيقية وأكملت دراستها العليا في نيويورك.

ثم انتقل الباحث في تاريخ الفن وعلم الجمال إلى السيرة الإبداعية للمخرج بازوليني ونهايته المأسوية كمثقف مبدع، إذ اغتيل سياسياً عام 1975على خلفية أعماله السينمائية الجريئة، خاصة فيلمه الأخير «سالو» الذي سخر فيه من السلطة الإيطالية ورموزها الفاشية المتمثلة بشخصيات السياسي ورجل الدين والقاضي والرأسمالي الذين عملوا على تحويل البشر إلى مجرد آلات وفق أهداف وهمية لا تدركها إلا تلك الشخصيات. وأوضح بدور أن بازوليني عبر عن إبداعاته في أشكال عديدة في السينما والشعر والرواية والنقد والرسم، وكان على خلاف مع العديد من المفكرين الذين وقفوا ضده وحاربوه، ولم يكن مفكراً منظراً ومجرّداً بل كان يكتب من خلال تجربة وجودية مباشرة ملموسة دراماتيكية جسدية، عبر أفلام أثارت ضجة لجرأتها اجتماعياً وسياسياً ودينياً ورسخت اسمه في طليعة جيل ما بعد المخرج الأشهر فلليني. وتزامنت أعمال بازوليني السينمائية في سبعينات القرن الفائت وأبرزها «طيور قبيحة» و»طيور صغيرة» و»أوديب ملكاً» مع اصداراته الشعرية وروايتيه «حياة قاسية» و»أطفال الحياة».

بعد عرض لقطات من فيلم «ميديا» أوضح المحاضر أن بازوليني يميل في معظم أفلامه إلى استخدام لون الأرض، الأقرب إلى لون بشرة الجسد، لذا لا يخلو أي فيلم من أفلامه من استعراض للبيوت الطينية التي تظهر كأنها امتداد للأرض والإنسان وهو جزء من هذه الأرض. ويحرص بازوليني في معظم إأفلامه على استخدام لقطات طويلة وبانورامية للوجوه والمباني، كما يحرص على التنوع في الملابس واستخدام قبعات وأقنعة غريبة مثل أفلامه عن المسيح وميديا وأوديب وليالٍ عربية وغيرها، موضحاً أن المخرج الايطالي كان يعشق الشرق لتراثه اللوني لذا صوّر معظم أفلامه فيه، مثل سورية واليمن والهند وايران والمغرب العربي.

أضاف بدور: «إن بازوليني يغوص بنا في أفلامه إلى عالم مفزع أو حالم بطرق ذكية وغير مباشرة إذ يعتمد اسلوباً فريداً هو الجدال، ويجعل شخوصه ترى الأمور ونراها نحن أيضاً من وجهة نظرتها، ويتعمد أحياناً التشويش على رؤيتنا للحوادث بالتصوير عكس الشمس وجعل ضوئها يقهر عدسة الكاميرا كما في مشهد قتل أوديب لأبيه وحراسه، وكما في فيلم ألف ليلة وليلة الذي نرى فيه جثثاً معلقة على المشانق في الصحراء».

ختم بدور محاضرته بالإشارة إلى الأهمية التاريخية لقلعة حلب التي جذبت بازوليني وأمثاله للتصوير فيها، إذ صنفت على لائحة مواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1986، مؤكداً على أن قلعة حلب هي إحدى أقدم وأكبر القلاع في العالم، والتل الذي تنهض فوقه القلعة يعود الى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتعاقبت عليها العديد من الحضارات وتم مؤخراً نتيجة الحفريات توثيق معبد يعود الى العصر البرونزي داخل القلعة وهو معبد الإله «حدد».

الدكتور نزيه بدور أستاذ في كلية العمارة في جامعة البعث وباحث في تاريخ الفن وعلم الجمال وعضو في جمعية العاديات. قاص وروائي له اصدارات عديدة أبرزها «الغموض في الشعر العربي المعاصر» و»إعلان مقتل الدكتور علي» ومجموعة قصصية عنوانها «على شفا حب».

إبراهيم أحمد يحلم بأوّل أوسكار أفريقيّ لفيلم «تمبكتو»

يرى إبراهيم أحمد بطل فيلم «تمبكتو» للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو، المرشح ضمن قائمة الأفلام الروائية التسعة المرشحة للفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، أنّ هذا العمل «يجسد آمال الأفارقة في الحصول على أوسكار».

يبدي إبراهيم أحمد أمله في أن يحظى هذا الشريط السينمائي -الذي عرض في افتتاح الدورة 25 لمهرجان قرطاج السينمائي في تونس- بجائزة عالمية من شأنها أن تدعم الإنتاج السينمائي في القارة السمراء. «حلم أفريقيا بالحصول على أوسكار بصدد التشكل» يكرّر إبراهيم أحمد بفخر، مضيفاً أن ترشيح الفيلم لمسابقة الأوسكار كان «خبراً رائعاً لفريق الفيلم»، مردفاً مازحاً: «أنا سعيد جداً لأن الفيلم لم ينجز بإمكانات هوليوودية».

يتناول الفيلم مأساة قرية في شمال مالي بعد سقوطها في قبضة إرهابيين، في ظل حكم الجماعات الإرهابية في شمال مالي من آب 2012 حتى مطلع 2013، إثر التدخل الدولي بقيادة فرنسا لمواجهة هذه الجماعات.

إبراهيم أحمد ممثل وموسيقي مالي، يحمل جائزة أفضل ممثل أفريقي لسنة 2014 في المهرجان الدولي للأفلام في دربن، جنوب أفريقيا، وهذا نجاح شخصي يتطلع الممثل الأفريقي إلى تحويله نجاحاً جماعياً، مؤكداً أنه: «بعد النجاح الشخصي نسعى إلى نجاح أفريقيا. أنا سعيد تماماً بقدر سعادة عبد الرحمن سيساكو مخرج الفيلم ، فبفضل هذا العمل تمكنت القارة الأفريقية بأسرها من الإشعاع، ونجاح الفيلم سيساهم في تحفيز الأجيال الأفريقية على الإبداع. أعلم جيّداً أن الشبّان يشعرون بالفخر لمشاركة قارتهم في التظاهرات الثقافية الكبرى، وهؤلاء الشبّان هم من ينبغي تدريبهم لأجل المستقبل. أنا واثق من أن أفريقيا ستجد إشعاعها الفني في شبّانها، ونريد تكوين الطاقات الشابة الأفريقية في القارة السمراء لتطوير السينما الأفريقية مستقبلاً».

كان متحمساً ومفعماً بالسعادة لنجاح فيلم «وجع العصافير» أو «شجن العصافير» كما يحلو لبعض النقاد تسميته. نجاح كان لا بد من أن يستثمره لتحضير مشاريع أخرى تعزّز مسيرته المهنية وإشعاعه العالمي، إذ يعمل راهناً على نيل ترخيص لبعث جميعة «حديقة الرمال» التي من المنتظر أن تنشط في مجال تدريب الشبّان الماليين في مجالات السينما بمساعدة خبراء أجانب. مشروع يقول عنه أحمد إنه سيساهم في «جهود المصالحة الوطنية» في مالي التي تعيش على وقع أزمة في شمال البلاد منذ آذار 2012. ويوضح: «نريد أن نجمع ثلاثين شاباً من شمال مالي وثلاثين آخرين من جنوبها لتحقيق المصالحة، وسنساهم في تدريبهم على امتداد ثلاثة أشهر في مختلف مهن السينما، وسنرافقهم لاحقاً لإنجاز أفلام قصيرة. سنوفر لهم الوسائل وسيحصلون عليها متى أرادوا ذلك»، معرباً عن رغبته في أن يتم استنساخ مثل هذا المشروع في دول أفريقية أخرى.

فيلم «تمبكتو» لقي صدى واسعاً في جميع التظاهرات الدولية التي شارك فيها وحصد جوائز عديدة أبرزها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان السينمائي لسنة 2014، والجائزة الكبرى وجائزة أفضل سيناريو وجائزة لجنة تحكيم الشباب في مهرجان الفيلم الفرانكوفوني الناطق بالفرنسية في مدينة نامور البلجيكية. وهو تاسع فيلم أفريقي يرشح لمسابقة الأوسكار منذ انطلاقتها عام 1929 فيلمان سبقاه من جنوب أفريقيا وفيلم من شاطئ العاج وخمسة أفلام جزائرية .

إيطاليا تستعيد ذكرى الممثل جيان ماريا فولونتي

احتفلت الأوساط والمؤسسات السينمائية الإيطالية بالذكرى العشرين لغياب الممثل الإيطالي جيان ماريا فولونتي الذي توفى عام 1994 عن 61 عاماً أثناء تصوير دوره في فيلم «نظرة عوليس للمخرج الراحل أنغيلوبولوس. واشتهر تحديداً في دور «رامون روخو»، زعيم العصابة المكسيكي في فيلم «لأجل حفنة دولارات» 1964 ثم في فيلم «لأجل مزيد من الدولارات» 1965 وهما من أشهر أفلام «الويسترن سباغيتي» للمخرج الإيطالي سيرجيو ليوني. إلا أن أدوار فولونتي في الأفلام السياسية الإيطالية التي اشتهرت في السبعينات، هي الأدوار الأهم والأعمق، وهي التي قدمت إلى العالم الموهبة الحقيقية التي يتمتع بها فولونتي، بل يمكن القول إن تيار الأفلام السياسية الذي بني على تراث «الواقعية الجديدة» ونقله نقلة كبيرة إلى الأمام على أيدي مخرجين كبار مثل فرنشسكو روزي وإليو بتري وجوليانو مونتالدو وجيلو بونتيكورفو وسواهم، ارتبط إلى حد كبير بشخصية جيان ماريا فولونتي كممثل كبير قادر على أداء الشخوص المتنوعة المركّبة بأرفع درجات الأداء.

أدى فولونتي شخصية العامل الايطالي فانزيتي في فيلم «ساكو وفانزيتي» للمخرج فرنشيسكو روسّي، وبدور العامل «لولو ماسا» في فيلم «الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة» لإيليو بيتري، وبدور ضابط شرطة في «تحقيق مع مواطن فوق مستوى الشبهات» لبيتري أيضاً، وبدور «إنريكو ماتيه» في الفيلم المشهور «قضية ماتيه» لروسّي، وبدور زعيم المافيا «لاكي لوتشيانو» في الفيلم الذي يحمل العنوان نفسه من إخراج روسّي أيضاً، وبدور ألدو مورو رئيس الوزراء الإيطالي الذي اختطف وقُتل عام 1978، في فيلم «قضية مورو» للمخرج جوسيبي فيرارا، وبدور الطبيب اليساري المنفي «كارلو ليفي» في ملحمة روسّي السينمائية «المسيح توقف في إيبولي»، كما اضطلع ببطولة عدد من أشهر الأفلام السياسية لمخرجين فرنسيين ومن أميركا اللاتينية وأسبانيا، مثل دوره كزعيم للعمال المضربين في الفيلم التشيلي «رسائل من ماروسيا» لميغيل ليتين، وفيلم «تيرانو بانديراس للمخرج الإسباني خوسيه لويس غارثيا سانشيز، وكان آخر الأفلام التي اضطلع ببطولتها عام 1993.

توفى فولونتي فجأة بنوبة قلبية في 7 كانون الأول 1994، فاضطر المخرج اليوناني ثيو أنغيلوبولوس إلى إسناد دوره إلى الممثل السويدي الكبير إيرلاند جوزفسون. لكن فولونتي ظل في ذاكرة عشاق سينما الفكر والفن، خاصة السينما المعارضة التي تسلط الأضواء على الفساد السياسي وتفضح الانتهاكات على صعيد القانون في إيطاليا.

إلى يومنا هذا لم تعوض السينما الايطالية غياب فولونتي وموهبته الكبيرة التي مكنته من القيام بأدوار شديدة التنوع، من مجرم قاتل، إلى زعيم عصابة، إلى طبيب ومناضل يساري، إلى عامل نقابي، ثم رئيساً لشركة النفط الحكومية الإيطالية «ماتيه» الذي قتل في ظروف غامضة، إلى ضابط شرطة قاتل.

في فيلم «تحقيق مع مواطن فوق مستوى الشبهات» 1970 للمخرج إيليو بتري يؤدي فولونتي شخصية ضابط شرطة يحصل على ترقية لينتقل من قسم الجريمة إلى القسم السياسي المسؤول عن تعقب الجماعات والمنظمات الفوضوية واليسارية في إيطاليا في تلك الفترة. نراه في بداية الفيلم يذبح بدم بارد عشيقته في مسكنها أثناء ممارسة الجنس معها، ثم يتعمد ترك الكثير من الأدلة التي يمكن أن تقود الشرطة إليه باعتباره القاتل، لكنه «مواطن فوق مستوى الشبهات»، لماذا؟ لامتلاكه القوة والنفوذ، وهو أيضاً «ابن المؤسسة» وخادمها الأمين، ومن غير الممكن الاستغناء عنه أو التضحية به، حتى بعد أن يتضح يقينا أنه هو الفاعل.

يمكن القول إن الفيلم هو فولونتي وفولونتي هو الفيلم، فهو يظهر في جميع لقطاته، وكثير منها لقطات قريبة تحصر وجهه أو الجزء الأعلى من جسده أثناء تحركه الذي لا يتوقف قط، متباهياً بنفسه، ومستعرضاً قوته، وتدريجياً تعلو حالة البارانويا المسيطرة عليه لتبلغ ذروتها. ثقة الممثل الكبيرة أمام الكاميرا لا تهتز ثانية واحدة، نظرات عينيه التي يكفي أن يرمق بها من زاوية أحدا من المارة داخل مقرّ الشرطة أو يشير بها إلى آخر أن يفعل ما يريده، لكي تتحقق إرادته. الوحيد الذي يتحداه الطالب الفوضوي الذي يريد فولونتي في البداية إلباسه تهمة القتل، ثم يكتشف أنه لو فعل لما بقيت ثمة قيمة لمواطن فوق مستوى الشبهات، أي أنه ينبغي أن يظل في بؤرة الشك من دون أن يجرؤ أحد على ملاحقته.

أداء فولونتي فذّ حقاً، في فيلم يسيطر عليه تماماً بشخصيته القوية وحركة جسده الرشيقة وأدائه العام الذي يتباين بين الضعف والذلة أمام العشيقة التي تعتبره «ليس رجلا بما فيه الكفاية» وتهينه وتحقره وتلعب وتتلاعب به، وجبروته أمام أقرانه في الشرطة، وأمام الشباب اليساري المعتقل، وأمام أجهزة الإعلام.

إحياء لذكرى هذا الممثل الكبير وأدواره الخالدة عرض متحف السينما الوطني في روما، نسخة مرممة جديدة من فيلم «أبواب مفتوحة» للمخرج جياني أميليو 1990 . ولا شك في أن الاختيار ممتاز، فالفيلم تحديداً ينحاز إلى مفهوم العدالة الإنسانية التي قد لا تقبل بتطبيق القوانين العادية من دون بحث واستقصاء وتدقيق مرهق، خاصة إذا كانت «قوانين الفاشية» التي وضعت في زمن الديكتاتورية والسيطرة الكاملة على مقدرات البلاد والعباد، باسم إقرار النظام وإخضاع الفرد للدولة. ويؤدي فولونتي في هذا الفيلم دور القاضي دي فرنشيسكو الذي يرفض الحكم بالإعدام على رجل اعترف بارتكاب ثلاث جرائم طالباً هو نفسه إصدار الحكم عليه بالإعدام على الفور!

يبدأ فيلم «أبواب مفتوحة» في زمن الفاشية الإيطالية بزعامة موسوليني عام 1937، وتدور حوادثه في باليرمو عاصمة صقلية حيث نتابع «توماسو سكاليا» متوجهاً إلى مقر عمله في مبنى اتحاد العمال والفنانين الفاشيست، ويحتج أمام رئيسه على طرده من العمل رغم ولائه وإخلاصه الشديد للفاشية، وتنتهي المناقشة بأن يخرج «سكاليا» سكيناً يقطع بواسطته رقبة رئيسه ثم يتجه إلى مكتبه ليقتل زميله الذي حلّ مكانه في وظيفته، ولدى عودته إلى منزله، يصطحب زوجته في جولة بالسيارة ثم يتوقف في مكان خال حيث يغتصبها ثم يقتلها.

بعد الانتهاء من ارتكاب جرائمه الثلاث يذهب «سكاليا» إلى بيته، يداعب ابنته الصغيرة ثم يستلقي على الفراش في انتظار وصول رجال الشرطة. النظام القضائي الفاشي يفضي بالضرورة إلى إعدام «سكاليا» على جرائمه، لكن القاضي «دي فرنشيسكو» لا يلجأ إلى الطريق السهل بل يسعى إلى كشف العلاقة بين الجرائم الثلاث، يستجوب عشرات الشهود، يشكك في رواية المتهم ودوافعه، يتعرض للضغوط من زملائه ومن جانب الصحافة والرأي العام المؤيد للفاشية الذي يطالبه بضرورة إقرار النظام بالحسم والصرامة والحكم بإعدام الرجل، لكن «دي فرنشيسكو» لا يتزحزح البتة عن موقفه، بل يعلن لزملائه بصراحة أنه يرفض عقوبة الإعدام التي يعتبرها طقساً من الطقوس البربرية. و«دي فرنشيسكو» أرمل، يعيش مع ابنته الصغيرة ويشعر بالوحدة، لكنه رجل مبادئ إنساني النزعة، يلتمس الدفء قرب عائلته فيتعرض لمزيد من الضغوط من أفراد عائلته الذين يطالبونه بإثبات ولائه للنظام الفاشي والحكم بإعدام «سكاليا». الوحيد الذي يتفهم موقفه هو والده المسن والقاضي المتقاعد. أثناء المحاكمة ينطق أحد أعضاء هيئة المحلفين، وهو فلاح ظل صامتاً طول الجلسات، معلناً رفضه إدانة الرجل والحكم بإعدامه، ويتفق مع القاضي في ضرورة التمسك بالمثل العليا لتحقيق العدالة. وعندما يزوره «دي فرنشيسكو» في بيته يكتشف أنه يمتلك مكتبة ضخمة مليئة بالكتب، وأن الرجل مثقف واسع الاطلاع، وبفضل تمكن هذا الفلاح المثقف من إقناع باقي المحلفين، تنتصر وجهة نظر «دي فرنشيسكو»، وتنتهي المحاكمة بإسقاط العقوبة عن «سكاليا». ومع ذلك يشعر «سكاليا» بالاشمئزاز من سلوك القاضي الذي يريد إنقاذ عنقه من حبل المشنقة، فهو اعترف بجرائمه ويريد الخلاص بالموت، لإيمانه المطلق بالمعتقدات الفاشية، بينما يرفض القاضي منظومة القانون الفاشية ويتمكن من هزيمتها رغم ما يتعرض له من تهديدات خفية.

جيان ماريا فولونتي يؤدي دور القاضي ويعيش الشخصية على أكمل وجه ويضفي عليها الكثير من الرصانة والهدوء والسحر، مع ثباته الواضح المثير للإعجاب، مصراً على قطع الطريق حتى نهايته. يواجه نظاماً كاملاً بهدوء تام ومن غير أن يرتجف أو يبالغ في الأداء أو الكلام والحركة، فهو ليس «مناضلاً» مسيساً، بل رجل قانون مخلص للمفهوم الإنساني الذي يراه صحيحاً في تطبيق القانون.

في نهاية الفيلم نعرف من خلال المعلومات المنشورة عمّا وقع في القضية الحقيقية التي اقتبس عنها الفيلم، أن الادعاء سوف يستأنف الحكم، وأنه سينجح في استصدار حكم بالإعدام على الرجل، وسوف ينقل القاضي «دي فرنشيسكو» إلى مدينة أخرى، فالفرد وحده ليس قادراً على هزيمة نظام كامل، وتلك هي الرسالة التي تتكرر في أفلام التيار السياسي في السينما الإيطالية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى