أوباما يبارك عودة السديريين فهل انتهى الصراع؟
عامر نعيم الياس
اختصر الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته إلى الهند، ووصل إلى السعودية «لتقديم واجب العزاء» بالملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، على رغم أن الرئيس الأميركي قام بهذا الواجب واتصل هاتفياً في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، أي قبل ثلاثة أيام من وصوله إلى الرياض. فما الذي يقف وراء «واجب» التواجد الشخصي للرئيس الأميركي في السعودية؟
مما لا شك فيه أن الولايات المتّحدة استشعرت حجم التغيير الذي ينتظر هيكلية الحكم في السعودية. فالملك الجديد سلمان، الذي يبدو أن إصابته بالخَرف جاءت لمصلحة فرعه من العائلة الحاكمة، قام فور توليه منصبه وقبل البدء بتقبل العزاء بالملك الراحل، بإعطاء إشارات عن نيته إعادة هيكلة المناصب ومراكز القوى داخل العائلة الحاكمة. ويوم أول من أمس، أي بعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، استكمل الملك الجديد قرارات إعادة السديريين إلى الإمساك بسدّة الحكم في المملكة، تمهيداً للتحضير لمرحلة أحفاد عبد العزيز وحصّة السديري، والتي بدأت مع تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لوليّ العهد، ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، مع الاحتفاظ بمنصبه وزيراً للداخلية، وهو يعدّ أحد أقوى السديريين حالياً وحتى سابقاً بالنسبة إلى الأحفاد. فهو الشخص الذي يمسك بالملفين الأكثر خطورة حالياً: الإرهاب والحرب عليه، والحرب على سورية، فضلاً عن علاقاته القوية بالقبائل. كما يرأس الأمير محمد بن نايف مجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي ينضوي في عضويته كلّ من وزير الدفاع محمد بن سلمان, والأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني.
الأمير محمد بن سلمان ابن الملك الحالي، عُيّن وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، وهنا يحاول الملك ترسيخ حصة أبنائه في الحكم من بعده وهم أيضاً من السديريين، وهذا أمر تقليدي يفعله كل ملك. وفي هذا السياق يقول سايمون هندرسون الباحث في «معهد واشنطن»: «يعود إلى محمد ابن سلمان الفضل بفرض الإطاحة بأربعة نواب لوزير الدفاع خلال خمسة عشر شهراً، كان آخرهم الأمير خالد بن بندر الذي استقال من منصبه في حزيران 2014، أي بعد ستة أسابيع فقط من تسلمه منصب نائب الوزير». كما أضيفت إلى مهام أصغر وزير للدفاع في العالم، رئاسة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
وعُيّن الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز مستشاراً للملك وأميراً لمنطقة مكة بدلاً من مشعل بن عبد الله ـ ابن الملك الراحل ـ والجدير ذكره هنا أن والدة الأمير خالد تدعى «هيا بنت تركي بن عبد العزيز»، أي أنّه أحد أبناء حصّة السديري التي ينتمي الملك الجديد إلى فرعها، كما أن والدة الملك الراحل فيصل، هي «طرفة بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ»، وهي العائلة الأخرى التي تتقاسم النفوذ مع آل سعود في حكم المملكة، إذ تمسك عائلة آل الشيخ بزمام صناعة القرار الديني وهو الأهم.
الأمر لا يقف عند هذا الحد. فإضافةً إلى تحجيم نفوذ أبناء الملك الراحل عبد الله، إذ أعفيَ أيضاً الأمير تركي بن عبد الله من منصبه كأمير للرياض، واستُبعد أبناء سلطان وأحفاده من المفاصل الحساسة بشكل شبه نهائي، على رغم أنّ الأمير الراحل سلطان من السديريين السبعة، إذ أقيل الأمير بندر بن سلطان من منصبه كأمين عام لمجلس الأمن الوطني ومستشار ومبعوث خاص للملك الراحل. كما أقيل ابنه خالد من منصب رئاسة الاستخبارات السعودية، وهذا مؤشر يلبي إلى حدٍّ ما رغبةً أميركية بالتخلص من بندر وأبنائه على خلفية الملف السوري تحديداً، إذ سُحب هذا الملف من يد بندر نهائياً في نيسان 2014، وأوكل إلى الأمير محمد بن نايف الذي كان يشغل حينذاك منصب وزير الداخلية.
وهنا يعلّق سايمون هندرسون على مسألة الأمير بندر بالقول: «قد يكون من الاختبارات لنجاح اجتماع أوباما بالعاهل السعودي، حضور الأمير بندر بن سلطان أو غيابه، فمشاركته في اجتماع القمة سيكون أمراً غير مرغوب فيه من قِبَل الجانب الأميركي».
نفّذ العاهل السعودي الجديد جزءاً من الرغبات الأميركية. وبالمقابل تقبّل الرئيس الأميركي باراك أوباما توجّه سلمان لتسليم دفّة الحكم إلى أحفاد عبد العزيز من الجناح السديري. فهل ينتهي الأمر عند هذا الحدّ؟
من غير المتوقع أن تتوقف معركة الوراثة عند هذا الحدّ، فهي بدأت للتوّ. فوجود الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، وعلى رغم ضعفه وقلّة حظوظه، إلّا أنه يساهم في الرهان على الوقت لإنضاج أوراق قوّة لكل طرف في اللعبة الداخلية السعودية، وتقديم فروض الولاء لواشنطن. هنا يبرز الأمير متعب بن عبد الله باعتباره وارثاً لمؤسسة الحرس الوطني عن والده الملك الراحل الذي كان رئيساً للحرس الوطني وأصبح ملكاً في خضمّ مشهد يشابه ما نراه اليوم. وهو مشهدٌ كان يسيطر فيه أبناء حصة السديري على مفاصل الحكم. لكن أوباما يريد في الوقت الراهن ضمان الاستقرار الداخلي أولاً في مملكة النفط لما له من تأثير مباشر على السياسات الأميركية في المنطقة، ويبدو أن ما أراده حصل.
كاتب ومترجم سوري.