موسكو مسار سيتواصل على إيقاع قوة الدولة
لا يمكن أحداً أن يتخيّل أنّ مسار الحوار الذي بدأ في موسكو هو مجرّد فكرة ولدت في رأس سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسيا، وحصلت على تأييد سورية كرمى لموقف روسيا التاريخي مع سورية.
ما بدأ في موسكو هو العمل السياسي المواكب للانتصارات العسكرية والسياسية على ضفتين، الأولى هي الضفة التي يمثلها قتال الجيش السوري خلال سنوات أربع أثبت خلالها أنه جيش لا يقهر، وانه مثال الجيوش التي تمثل إرادة شعبها بحماية وحدة التراب وصيانة النسيج الاجتماعي من التفتيت، والدفاع عن السيادة في وجه التدخلات الأجنبية، وحماية الثوابت الوطنية والقومية وفي طليعتها العداء لـ«إسرائيل» والتمسك بخيار المقاومة، وصولاً إلى تحرير الجولان وإعادة حقوق العرب في فلسطين.
لولا هذه الانتصارات، هل كان ممكناً للدكتور قدري جميل ان يكون جزءاً من مشهد معارضة تصيغ مركزاً سياسياً على مائدة حوار مع الدولة، أو هل كان ممكناً لكلّ مكوّنات المعارضة التي تشكلت أحزابها في كنف هذه الانتصارات أن تكون حيث كانت في موسكو، بل حتى المكوّنين الأكبر في حوار موسكو، المكوّن الكردي للجان الحماية الشعبية الذي يقاتل «داعش» وينتصر، وهيئة التنسيق الوطنية المعارضة، والتي تقول في الدولة ما لا يُقال، ودافعت عن السلاح والمسلحين بما لا يدافع عنه، هل كان وجودهما ممكناً في مشهد ولادة قيادة معارضة للحوار مع الدولة لولا انتصارات الجيش السوري؟
الأكيد أنّ القوى التي تملك دفة الحرب ضدّ سورية كانت قد صنعت واجهاتها المعارضة منذ البدايات، وفرضت الفيتو على حضور كلّ هذه المكوّنات، وحصرت الحضور في أيّ منتدى حواري تشترك فيه المعارضة بممثليها وعملائها، واستثنت حتى من يخالفون الدولة السورية بصورة جذرية لمجرّد أنهم ليسوا من جماعتها، ولا يتلقون منها الأوامر، ومنح «الإخوان المسلمون» كما منحت تركيا حق الفيتو، لأنّ المكوّن الممثل للمعارضة هو ستارة للحرب وليس عنواناً للحوار، والمطلوب منه كما حصل في جنيف إفشال الحوار لا السعي إلى إنجاحه، وتبرير المزيد من نزف دماء السوريين لا وقف النزف.
انتصارات الجيش السوري غيّرت المشهد، وأنهت ما سُمّي بـ«الجيش الحر»، وأسقطت أكذوبة المعارضة التي يقودها الخارج، وصار المشهد العسكري بين الجيش السوري في ضفة و«داعش» و«النصرة» في ضفة مقابلة حصراً، وصار المعارضون متساوين في العجز العسكري، والمعيار بالتنافس التمثيلي بينهم في الموقف السياسي الجادّ في السعي إلى الحوار ووقف نزف الدم ومكافحة الإرهاب.
في السياسة، كانت الانتخابات الرئاسية مشهداً كاشفاً للمسرح على الحالة الشعبية واتجاهاتها فسقطت شعارات «الشعب يريد…»، وظهر أن الشعب يريد دولته ورئيسه وجيشه، فهبطت أسهم المتسلقين وارتفعت أسهم معارضين آخرين، أو على الأقلّ تساوى الجميع في ميزان التمثيل الشعبي، بانتظار ما تقوله صناديق الاقتراع، وردّ الاعتبار لمعيار الموقف السياسي من الحلّ التفاوضي بديلاً عن حلّ عسكري تمسّكت به المعارضة المستأجرة، وثبت أنه لم يكن إلا غطاء للإرهاب والتدخل الخارجي.
مع الحلقة الأولى من موسكو يتأكد أنّ هذا المسار سيستمرّ بقدر ما يقوى مشروع الدولة، عسكرياً بالمزيد من الانتصارات، وسياسياً بالمزيد من الالتفاف الشعبي والسياسي حول الدولة ورئيسها وجيشها.
الذين يريدون لموسكو النجاح من المعارضين، عليهم أن يتذكروا ذلك جيداً، وأن يعلموا أنّ مهمّتهم بين جولة وجولة في موسكو الإسهام في تدعيم شرعية مؤسسات دولتهم رئاسة وجيشاً ودستوراً وحمايتها، وأن يحصروا خطابهم المعارض بما يرونه من إصلاحات سياسية ودستورية من جهة، وبالتمثيل البرلماني والحكومي ومدى تعبيره عن الشعب السوري، وبالسياسات الحكومية ومدى صوابيتها لحلّ مشاكل الشعب من جهة مقابلة، حتى تقترب اللحظة التي يصير فيها الحلّ السياسي ممكناً، فتكشف صناديق الاقتراع أحجام الجميع وتعطي الجوائز للمستحقين.
«توب نيوز»