موقف الأمم المتحدة والدول الغربية من الانتخابات الرئاسية السورية… المنطق الأعوج
حميدي العبدالله
بعد تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في سورية صدرت مواقف عن الأمم المتحدة وعن الحكومات الغربية، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا، تعارض إجراء الانتخابات وتشكك في شرعية إجرائها. وقال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في بيان: «إن إجراء الانتخابات الرئاسية في الوضع الراهن، رغم استمرار النـزاع والتهجير الواسع، سيعطل العملية السياسية ويعرقل احتمالات التوصل إلى حل سياسي». وقال وزير الخارجية البريطاني للشؤون الخارجية مارك سيموندس: «ستُجرى هذه الانتخابات وسط هجمات مستمرة للنظام على المدنيين، مع مئات الآلاف الذين يعيشون تحت نير النظام في ظروف رهيبة وفي أجواء رعب، في حين يقبع ألوف المعارضين السلميين في السجون أو فقد أثرهم».
تنطوي هذه المواقف على ثلاث حجج:
الحجة الأولى: هجرة ملايين السوريين الأراضي السورية.
الحجة الثانية: عيش مئات ألوف النازحين تحت «نير النظام في ظروف رهيبة، وفي أجواء رعب».
الحجة الثالثة: «إجراء الانتخابات في الظروف الراهنة من الصراع المستمر، والنـزوح الكبير سيدمر العملية السياسية ويعرقل أفق الحل السياسي».
من خلال مقارنة انتخابات حصلت في بلدان عربية وغير عربية خاضعة لإشراف الأمم المتحدة، وسيطرة الناتو والقوى الغربية، تتهاوى هذه الحجج كلّها استناداً إلى الدروس والسوابق التي أرستها الأمم المتحدة والدول الغربية في بلدان أخرى. ففي العراق، ومنذ عام 2004، جرت الانتخابات وتُجرى دورياً، في ظل صراع مسلّح أشدّ عنفاً وأكثر هولاً من الصراع الدائر في سورية، أو على الأقل يشبه الصراع الدائر في سورية، وهاجر ملايين العراقيين إلى دول الجوار ودول أخرى، واستضافت سورية وحدها أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ عراقي. وهجمات الجيش الأميركي والقوات البريطانية كانت تستهدف العراق من أقصاه إلى أقصاه، وكان ملايين العراقيين «يعيشون تحت نير» القوات الأميركية والبريطانية «وفي أجواء الرعب» وكان ألوف المدنيين العراقيين الذين عارضوا العملية السياسية وناهضوا الاحتلال يعتقلون في سجن أبو غريب وغيره من السجون سيئة الصيت، من أعمال التعسف إلى سوء المعاملة، فلماذا الانتخابات في العراق في مثل هذه الظروف صحيحة وتعبير عن الديمقراطية وفي سورية غير ذلك؟ أليس هذا المنطق الذي تتلطى وراءه الحكومات الغربية والأمم المتحدة هو المنطق الأعوج؟
كما جرت الانتخابات النيابية والرئاسية في العراق وأفغانستان أكثر من مرة في ظروف أكثر سوءاً وأكثر تعقيداً من الظروف القائمة في سورية بسبب ضراوة الصراع العسكري بين قوات الاحتلال ومقاومة الشعبين العراقي والأفغاني، فهل تعطلت العملية السياسية في العراق بما تمثل من مساعٍ للمصالحة؟ وهل توقف الحوار بين طالبان وقوى أفغانية ودول الناتو؟ لماذا لم تؤد الانتخابات الرئاسية والنيابية في أفغانستان والعراق إلى تعطيل العملية السياسية وعرقلة جهود المصالحة، لكي تؤدي في سورية إلى نتيجة عكسية؟!
منطق الحكومات الغربية والأمم المتحدة في مقاربتها الانتخابات الرئاسية في سورية هو منطق أعوج، ويعكس مرة أخرى سياسية الكيل بمكيالين، وهدف هذه المواقف هو الابتزاز السياسي الرخيص، والسعي عبر مناورات مماثلة إلى تحقيق ما عجزت عنه الدول الغربية والدول والجهات التي تدور في فلكها عبر القوة العسكرية، فمن خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية وإحداث فراغ رئاسي يسهل للدول الغربية وضع وصايتها على سورية الشعب والدولة والوطن، لكن إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري يقطع الطريق على تلك الرهانات ويشكل رداً مماثلاً للحسم العسكري ميدانياً، ويسقط محاولات فرض الوصاية والهيمنة الأجنبية على سورية.