الكيماوي السوري بين الرسمي والإعلامي
عامر نعيم الياس
شكّل ملفّ استخدام السلاح الكيماوي في سورية أحد أهم أدوات الضغط في الأزمة السورية، ضغط استخدم ليس فقط على الدولة السورية وحلفائها الدوليين والإقليميين، بل تعداه ليكون أداةً بيد حلفاء أميركا للضغط عليها وعلى رئيسها بحسب سايمور هيرش وروبرت فيسك الذي تحدّث يوماً عن «خطوط حمراء» بموجبها يقرّر الرئيس تحقيق أماني أنقرة وتل أبيب والرياض والدوحة والمحافظين الجدد بالتدخل العسكري المباشر في سورية، تدخلٌ ما زال العمل جارٍ عليه حتى يومنا هذا، وبمختلف الوسائل التي أهمها العودة إلى نغمة الكيماوي، فهل لا يزال ذلك ممكناً، أم أنّ الأمر لا يعدو عن كونه محاولةً إعلامية لرفع المعنويات لدى الفريق المعارض وإيهامه بوجود بدائل؟
«غارديان» البريطانية أشارت في افتتاحية لها قبل يومين إلى أن «على الدول الغربية التي تدعم «الثوار» إعادة النظر بخياراتها لأنها قادرة على تغيير التوازن على الأرض من خلال إعطاء «الثوار» السلاح أو استخدام القوّة الجوذية، أو القبول بأنّ الحكومة السورية في طريقها إلى تحقيق نوعٍ من الانتصار». ممّا لا شك فيه، أن الصراع داخل الإدارة الأميركية حول الخيارات الواجب اتّباعها في سورية لا يزال قائماً، والرهان على توحيد الموقف من الأزمة السورية، والتأييد المطلق لسياسة أوباما فيها، ضرب من الجنون، وذلك في ظلّ حجم المصالح والتجاذبات التي تحكم ملفّ التدخل في سورية. لكن المواقف الرسمية مختلفة هذه المرة عن سابقاتها بخصوص استخدام السلاح الكيماوي، فهي تحاكي إلى حدٍّ ما تلك التي كانت قائمة قبل تلفيق ملفّ استخدام مواد كيماوية في الغوطة الشرقية في آب 2013، إذ تنتهج موقفاً هادئاً بعيداً عن الضجيج الإعلامي المثار حالياً، وهلوسات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي يملك «مؤشرات» من دون «دليل قاطع» ربما هو بانتظار أن تقوم «لوموند» الفرنسية بتأليف فانتازيا جديدة عن استخدام غاز الكلور في ريف حماة، كما فعلت في ريف دمشق قبل نحو عام من الآن. وفي ظل دراسة المواقف الرسمية لا بدّ من الإشارة إلى:
ـ البيان الذي صدر أمس من جانب منظمة حظر السلاح الكيماوي المكلفة الإشراف على تنفيذ قرار مجلس الأمن حول الكيماوي السوري، والذي تزامن مع ارتفاع منسوب الحملة الإعلامية على سورية في ما يخصّ استخدام غاز الكلور في كفر زيتا ـ حماة. فقد جاء فيه أن الحكومة السورية فككت حتى الآن «86.5 في المئة» من ترسانتها الكيماوية، وتتعاون لتفكيك ما تبقى وفقاً لقرار مجلس الأمن. بيان يقطع الطريق على تصريحات هولاند ونوايا بعض المسؤولين الغربيين الآخرين المشككين بالتزام سورية الاتفاق حول الكيماوي، فقد أشارت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إلى أنّ «عدداً من الدبلوماسيين الغربيين حذّروا بُعيد الهجوم الأخير من أنّ الأسد ربما يكون قد أخفى جزءاً من ترسانة السلاح الكيماوي عن الأمم المتحدة التي تشرف على خطّة التخلّص منها»، وأضافت إن «مسؤولين بريطانيين قالوا إن استخدام مواد كيماوية المتكرّر في هجمات بالقنابل ضدّ قوات «المعارضة»، يدعم الاعتقاد بأن الأسد يحتفظ بجزءٍ من سلاحه الكيماوي».
ـ الموقف الرسمي الأميركي يركّز على التعاون مع الأمم المتحدة ومنظمة حظر السلاح الكيماوي في هذا المجال، لا الاعتماد على تقارير إعلامية وتقويمات عبر «عيّنات فردية» كما حدث عند هجوم الغوطة الشرقية المفترض، فقد نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن جين بساكي المتحدثة بِاسم الخارجية الأميركية قولها «إن الولايات المتحدة تأخذ المزاعم حول استخدام الكيماوي على محمل الجدّ، وهي تعمل مع الأمم المتحدة ومنظّمة حظر السلاح الكيماوي للحصول على مزيدٍ من التفاصيل حول ذلك».
من الواضح أنّ الإعلام في بعض مواقفه يعكس تمنّيات بعض النخب على النخب الأخرى في ما يخصّ الصراع في سورية، لكن الموقف الرسمي حتى اللحظة يعتمد مساراً متحفظاً من هذه الحملة، فالعوامل التي منعت الاندفاع نحو تدخّل مباشر ما زالت على حالها.
كاتب سوري