عملية شبعا… رد ّأم بداية ردّ…؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
عملية شبعا، هي عملية نوعية بكلّ المعايير والمقاييس، وخصوصاً أنها جاءت في ظلّ ظروف أمنية معقدة جداً، ووسط حالة غير مسبوقة من الاستنفار العسكري والأمني «الإسرائيلي»، حتى ساد اعتقاد بأنّ دولة العدو تراقب كلّ شاردة وواردة في المنطقة.
جاء ردّ حزب الله في زمن قياسي ليؤكد أنّ هذه العملية حملت من حيث الزمان والمكان والتخطيط والتنفيذ دلالات ومعانٍ نوعية سياسية وأمنية، فقد نُفذت في منطقة لبنانية محتلة خارج سياق القرار الدولي 1701. ولم يأتِ الردّ من داخل الأراضي السورية، لعدم تحميل سورية مسؤولية خرق اتفاقية فضّ الاشتباك الدولية.
هناك أمر هام جداً وهو أنّ دول محور المقاومة أقامت بنية عسكرية في منطقة الجولان السوري من أجل فتح جبهة الجولان ضدّ «إسرائيل»، ما يثير قلق دولة الكيان الصهيوني من العودة إلى حروب الاستنزاف.
صحيح أنّ الردّ ليس في حجم الجريمة المرتكبة، لكنّ سرعته وقياسيته في ظلّ أجواء الاستنفار والتبجح «الإسرائيليين»، تجعلان هذه العملية نوعية بامتياز وستترك الكثير من التداعيات على مستقبل نتنياهو السياسي. نتنياهو الذي كان يعتقد أنّ ما أنجزه عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً، قد يرفع من رصيده الشعبي والجماهيري ويقوده مجدّداً إلى رئاسة الحكومة، لكنّ تلك العملية تحولت إلى كابوس بعد أن وصلت تداعياتها إلى حدّ اتهام رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بأنه يمارس حماقات وتصرفات رعناء في سبيل مصالحه الانتخابية.
حاول نتنياهو أن يتجنب ردّ حزب الله وإيران وسورية، بنقل رسائل إلى هذا المحور عبر روسيا، بأنّ «إسرائيل» غير معنية بتدهور الأوضاع وتطورها إلى حرب إقليمية.
وفي المقابل، كان المتابعون والمحللون وجمهور المقاومة على يقين بأنّ حزب الله، ومعه محور المقاومة، قد اتخذ قراراً بالردّ، فهناك إجماع في هذا المحور على عدم السماح لـ«إسرائيل» بتغيير قواعد الاشتباك والردع في المنطقة. وسبق لحزب الله أن ردّ على العمليات «الإسرائيلية» السابقة. وفي لقائه مع قناة «الميادين» كان السيد حسن نصرالله واضحاً حين أكد أنّ حزب الله سيردّ على الغارات على سورية، وقد أرادت «إسرائيل» اختبار صدقيته فنفذت عمليتها في القنيطرة، كما أرادت توجيه رسالة إلى إيران بأنّها لن تسكت عن دعمها لحزب الله، وأنها تحاول إفشال محادثات طهران مع واشنطن والغرب حول ملفها النووي. وربما أرادت جرّ حزب الله إلى مواجهة شاملة لتدمير قدراته وإمكانياته العسكرية المتطورة والتي تحدث عنها السيد نصرالله، وكذلك تدمير مرابض أسلحته على الأراضي السورية والحؤول دون تحول جبهة الجولان إلى ساحة حرب استنزاف، كما جرى في لبنان قبل عام 2006.
هذه الخيارات ليست ممكنة، لوجود العديد من الاعتبارات. فالذهاب إلى الحرب خيار أميركي وأميركا في ظلّ الظروف والمتغيرات الحاصلة في المنطقة، وتراجع وانحسار هيبتها وأحادية قطبيتها، وانشغالها في أكثر من ملف وقضية، بدءاً من القضية الأوكرانية مروراً بالقضايا الأفغانية والعراقية والملف النووي الإيراني والحرب على «داعش» والملفين السوري واللبناني وما يجري في اليمن ومصر، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية وتعقيداتها، ليست لها مصلحة في تطور الأوضاع نحو حرب إقليمية شاملة قد تخرج تداعياتها عن السيطرة الأميركية، وربما تؤدي إلى خسائر فادحة، ليس فقط لها ولمصالحها ونفوذها في المنطقة، بل لحلفائها الإقليميين والعرب من مشيخات النفط، فمن المرجح أن يتراجع دورهم وتأثيرهم ونفوذهم في المنطقة لصالح محور المقاومة والممانعة، فهناك حلف يتشكل وترسى قواعده من طهران حتى لبنان، تُضاف إليه قوى المقاومة على الساحة الفلسطينية، وهو يعمل على ترسيخ قدراته وتطوير إمكانياته ويتقدم في أرض الميدان ويزداد حضوراً وتأثيراً بين الجماهير.
عملية شبعا لن تكون الردّ النهائي على العنجهية والغطرسة «الإسرائيليتين»، فدولة العدو ستواصل أعمالها العدائية تجاه محور المقاومة، وهي تتحين الفرصة لكي توجه ضربة إلى هذا المحور، فهي قلقة من كون حزب الله أصبح فعله ودوره أبعد من الساحة اللبنانية وهو يقوم بدور فاعل عربياً وإقليمياً، لذلك تعمل ليل نهار من أجل إيجاد حزام أمني يمتد من القنيطرة السورية وحتى مزارع شبعا اللبنانية، تسيطر عليه عصابات «جبهة النصرة»، ويكون بمثابة جيش لحد في الجنوب اللبناني، من أجل حماية «حدودها»، بما يمنع فتح حروب استنزاف من الجولان وغيرها ضدّ وجيشها ومستوطنيها.
الحساب مفتوح بين حزب الله ومحور المقاومة من جهة وبين «إسرائيل» من جهة أخرى، وحزب الله متيقن بأنّ جيش الاحتلال ومنذ تحرير الجنوب اللبناني في أيار2000 وحرب تموز2006، فقد قوة الردع، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ حروب «إسرائيل» العدوانية اللاحقة، وتحديداً عدوانها الأخير على شعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة 2014، كشفت في شكل واضح أنها لم تعد صالحة لخوض الحروب، وأنّ ميزان الردع وفجوة التفوق على محور المقاومة في المجالين العسكري والتقني آخذة في التقلص والتراجع لصالح محور المقاومة. لذلك فإنّ حديث نتنياهو والقيادة «الإسرائيلية» عن ضرب وتدمير لبنان والتهديد بمصير غزة، سيبقى شيكات من دون رصيد، وربما يجد نتنياهو نفسه بعد عملية حزب الله خارج الحلبة السياسية، أو ماثلاً أمام المحاكم ولجان التحقيق بتهم المسّ بهيبة الردع «الإسرائيلي» وتعريض أمن الكيان للخطر في سبيل مصالحه ومكاسبه الحزبية والانتخابية، فمذبحة صبرا وشاتيلا قادت شارون إلى خارج الحلبة السياسية موقتاً، كذلك دفعت مذبحة قانا اللبنانية بشمعون بيريس عام 1996 خارج الحلبة السياسية.
Quds.45 gmail.com