قضية عبدالله بوابة التطبيع مع باريس

سامر ديب

بدأت فرنسا في الآونة الأخيرة تلهث للعب دورٍ فاعل في الملفّ اللبناني عبر مدخل رئاسة الجمهورية، بعد الفشل المدوّي الذي مُنيت به في الملفّ السوري خلال السنوات الماضية. وعلى رغم ارتباط ملفّ الرئاسة اللبنانية بملفّات المنطقة، حاولت فرنسا ولا تزال، عبر تنقّل مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو بين بيروت وطهران والرياض، في محاولة لفصل الملفّ عن مجمل قضايا المنطقة لتحصيل دور خاص، يعيد لباريس شيئاً من تأثيرها في المنطقة، بعد ذوبان نفوذها لمصلحة الدور الأميركي.

فإذا أرادت فرنسا أن تستعيد بعضاً من هذا الدور فعليها التفكير في سلة من الإجراءات التي تردم بعض الفجوة التي تسبّبت بها سياسات الرئاسة الفرنسية، أولى هذه الخطوات، الإفراج عن المناضل جورج عبد الله، الذي يحتجز بصورة غير قانونية لمجرّد انتمائه الفكري لخيار المقاومة ودعمه لها، ورفضه مساومة السلطات الفرنسية على هذه المبادئ، وكانت قد بثت وسائل إعلام فرنسية تقارير تصف جورج عبدالله بـ «الارهابي»، وتقول إنّ «الفصائل اللبنانية الثورية المسلحة» التي أسّسها منظمة موالية لسورية! من دون ان تكلّف نفسها عناء الرجوع الى الأرشيف لتتبيّن أنّ القوات المسلحة السورية التي كانت موجودة في لبنان عام 1985 ضغطت لتحرير الملحق الثقافي الفرنسي في طرابلس جيل سيدني بيرول، الذي اختطفته «الفصائل اللبنانية الثورية المسلحة» لمبادلته بجورج عبدالله، وأنّ فرنسا أخلّت لاحقاً بتعهّدها لرئيس الأمن العسكري الجزائري العقيد لكحل عياط بالإفراج عن عبدالله بعد الإفراج عن بيرول.

وثاني هذه الخطوات قيادة حملة معاكسة لتلك التي قادتها فرنسا لإدراج ما سمّته بالجناح العسكري لحزب الله على لوائح الإرهاب الأوروبية، فتقود حملة شطب اسم هذا الجناح الافتراضي عن تلك اللوائح الظالمة.

وثالث هذه الخطوات التفكير الجدّي في مستقبل العلاقات الفرنسية ـ السورية خارج نطاق التسوّل الاستخباري للمعلومات عن الفرنسيين الذين يقاتلون في سورية ضمن صفوف «داعش» و«النصرة». بعد اعتداءات هذه المجموعات على المسيحيين المشرقيين ابتداء من الموصل في العراق، وصولاً إلى صدد ومعلولا. وقد أكد تنظيم ما يُسمّى بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش» أنه سيستولي على كنائس المسيحيين في سورية وسيحوّلها إلى «شيء يستفيد منه عباد الله» على حدّ تعبيره، مضيفاً أنه لن يسمح ببناء الكنائس ولا برفع الصلبان، وأنه «على من أراد أن يطبّق شعائر دينه فليطبقها في بيته»، إضافة الى مناشدة مسيحيين فرنسيين المجتمع الدولي بالتحرك سريعاً لإجلاء الآلاف من المسيحيين والإيزيديين وأقليات أخرى عالقين في سهول نينوى في العراق.

وأخيراً ما كشفت وزارة الداخلية الفرنسية انّ عدد الفرنسيين المنضمّين إلى الجماعات الإرهابية في سورية والعراق تجاوز الـ1200 شخص بنسبة ارتفاع بلغت 116 في المئة منذ بداية عام 2014. حيث تصدّرت فرنسا منذ أيلول الماضي قائمة منابع المقاتلين الأجانب في سورية والعراق وفق دراسة نشرتها مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية.

لم ينتبه الفرنسيون أنّ الأمر ليس في مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا جان فرنسوا جيرو، مرة ومرتين وثلاث إلى بيروت ويزيد الضّغط الديبلوماسي الفرنسي في اتجاه لبنان، وهو تظهّر بدءاً من يوم أمس، بزيارته الى بيروت حيث يلتقي عدداً من المسؤولين اللبنانيين.

وتوتّرت العلاقات بين باريس وطهران بسبب حلف فرنسا مع السعودية، وساء الوضع مع بدء الأزمة السورية، إذ تطابقت وجهتا نظر باريس والرياض كليّاً، لكن بعد التطوّرات الإيجابيّة بين إيران والولايات المتّحدة الأميركية.

ومع ذلك، ذهبت فرنسا بعيداً خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في جنوب لبنان، بعد عمليّة المقاومة في مزارع شبعا. فعدا عن أن الاجتماع حصل بطلب فرنسي، جهد المندوب الفرنسي في مجلس الأمن، فرنسوا ديلاتر، للضغط على الدول المعنية، بهدف إصدار قرارٍ يدين عمليّة المقاومة و «خرقها» القرار 1701، إلا أنّ الديبلوماسية اللبنانية، بدعم من روسيا والأردن، تمكّنت من لجم الاندفاعة الفرنسية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى