مضبطة فهد المصري المشبوهة « حول مستقبل الفلسطينيين في سورية «
رامز مصطفى
مع بداية الأحداث في سورية في آذار من العام 2011، بدأت تتعالى بعض أصوات ما يُسمّى المعارضة السورية المطالبة في إعادة النظر لجهة التعاطي والتعامل مع الفلسطينيين المقيمين على الأراضي السورية – و»الذين شرّدوا من وطنهم فلسطين بسبب الاحتلال الإجلائي الصهيوني الذي اغتصب أرضهم بالحديد والنار والقتل والإجرام» – من خلفية أنّ هؤلاء الفلسطينيين يستحوذون على عشرات الآلاف من الوظائف العليا في الدولة السورية، وهم بذلك يأخذون من حق السوريين. وعندما هاجمت المجموعات المسلحة مخيم اليرموك ودخلت إليه وهجرت أهله في منتصف كانون الأول من العام 2012. صرّح جورج صبرا رئيس ما يُسمى «المجلس الوطني السوري» آنذاك، بأنّ من حق الجماعات المسلحة الدخول إلى مخيم اليرموك لأنها أرض سورية، وليس من حق أحد أن يمنعنا، وهذا ضروري من أجل التقدم نحو مدينة دمشق.
وطيلة ما يقارب السنوات الأربعة على الحرب التي تُشنّ على سورية، والتي مثل الوجود الفلسطيني هدفاً للجماعات المسلحة ومن يقف وراءها في الواقع الإقليمي، وتحديداً الكيان «الإسرائيلي» من أجل دفعهم إلى الهجرة خارج الأراضي السورية، وصولاً حتى المنافي وراء البحار في الدول الأوربية وسواها. هذا الاستهداف الممنهج يأتي في سياق إنهاء قضية اللاجئين وشطب حق عودتهم إلى أرضهم فلسطين التي طردوا منها العام 1948. لا تزال بعض هذه الجماعات المعارضة وشخصياتها تعمل على تسويق رؤى وأفكار ومشاريع تصبّ في مجموعها على كيفية إعادة صياغة علاقة الاخوة التاريخية القائمة بين السوريين والفلسطينيين، والتي تعمّدت بالدم المشترك في المعركة المصيرية الواحدة ضدّ العدو الصهيوني، وما مثله ذلك على مدار العقود الماضية من نموذج راقٍ لعلاقة قائمة على أسس وطنية وقومية راسخة، وفي احتضان قلّ نظيره في جميع الدول التي وصل إليها الفلسطينيون منذ العام 1948. حيث أثبتت سورية بشعبها ودولتها وقيادتها أنها بحق البلد العربي الوحيد الذي تفرّد في معاملة الفلسطينيين أسوة بأشقائه السوريين في كلّ شيء ما عدا التجنيس وحق الترشح والانتخاب. مع تحمّلها تبعات وقوفها الحازم وما شكلته من عمق استراتيجي في احتضانها القضية الفلسطينية وفصائل المقاومة في الشعب الفلسطيني، والانخراط الواسع من الشباب العربي السوري في فصائل الثورة الفلسطينية، بحيث لا تخلو مقبرة من مقابر الشهداء إلاّ وهناك أضرحة من الشهداء العرب السوريين الذين سقطوا في معركة الدفاع عن القضية والثورة، حتى منذ ما قبل اللجوء الفلسطيني العام 1948.
في سياق ما تحيكه بعض المسماة «معارضة»، يخرج علينا منسّق ما تسمّى «مجموعة الإنقاذ الوطني» فهد المصري، وفي مضبطة طويلة حملت عنوان الملف الفلسطيني «حول مستقبل الفصائل واللاجئين الفلسطينيين في سورية» كجزء مما أسماه «مشروع الإنقاذ الوطني في سورية». مثلت في مجموعها حرفاً غير مسبوق عن الأصالة القومية التي مثلتها سورية على امتداد العقود الماضية، وبالتالي نسفاً لكلّ القيم الوطنية التي طبعت سورية وشعبها العربي الأصيل.
وفي تناولنا لما جاء في مضبطة فهد المصري الطويلة من الإساءات التي لا حصر لها للعلاقة التاريخية التي جمعت أبناء شعبنا في سورية وفلسطين، وبالتالي إساءة متعمّدة في التنكر لكلّ تاريخ سورية العربي والقومي الممانع والمقاوم، ولكلّ التضحيات التي قدمتها سورية على امتداد عقود من الصراع والدفاع عن قضايا أمتنا العربية، والتي لطالما مثلت سورية رأس الحربة في صراع هذه الأمة مع الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب.
وفي قراءة لما احتوته مضبطة فهد المصري بشكل متأنّ، بعيداً عن المواقف المسبقة، نكتشف ومن دون أي جهد، أو أنّ تكلفنا عناء التحليل، وعلى الرغم من الكلام الإنشائي في مقدمة مضبطته، حول التزام الشعب السوري دعم القضية الفلسطينية في كلّ المحافل الإقليمية والدولية، فهي مضبطة فصلها المصري على قياس أوهامه وما يمثل، وما يضمره للقضية والشعب الفلسطيني من كيد وحقد سياسي، ليس أقله أنّ كلامه وما سطره يتقاطع مع مساعي الكيان «الإسرائيلي» الهادفة إلى القضاء على القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية. وسرعان ما يتكشف على أنه بمثابة المدخل نحو المطالبة والسعي إلى التخلص مما يسمّيه البعض عبء القضية والشعب الفلسطيني، ودعوة صريحة إلى التخلي عنهما في ظلّ هجمة «إسرائيلية» غير مسبوقة من أجل تصفية القضية التي أسماها فهد المصري محورية للعرب والمسلمين.
صحيح أنه متحامل جداً على الفصائل التي وقفت إلى جانب سورية الدولة والشعب في مواجهة الهجمة التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها وأدواتها، من أجل إسقاطها لصالح مشروع يتوافق وحاجات تأمين الكيان «الإسرائيلي» كدولة إقليمية قوية، وبالتالي استمرار سيطرة كاملة على مناطق الطاقة من نفط وغاز، على الرغم مما يُحكى عن قرب أن تصبح الولايات المتحدة من أوائل الدول التي تمتلك هذه الطاقة دون الحاجة أن تضمن ضخه وتأمينه من دول المنطقة والخليجية منها على وجه التحديد. ولكن ما أفرده من نقاط وعناوين لكيفية التعاطي والتعامل مع الفلسطينيين في سورية، وحرمانهم من أبسط الحقوق. يمثل بالنسبة لي ولسائر الشعب الفلسطيني والغيورين عليه وعلى قضيته، النقطة الاستراتيجية التي تستلزم التوقف عندها ونقاشها، وبالتالي هل التزم الصمت من قبل باقي المعارضات على مضبطة فهد المصري موافقة على ما جاء فيها؟ أم أنها لا تستحق النقاش، وهي لا تقدم ولا تغيّر في الأمر شيئاً؟
لذلك لا داعي للخوض في موضوعة ما طالب به المصري لحظر نشاط الفصائل وتواجدها في سورية من غير المنظمة والسلطة التي تطالبها مضبطة فهد المصري بجملة طويلة من التعهّدات والالتزامات. لأنّ النقاش الجدي يجب أن يتمحور حول بقية النقاط. على خطورة ما طرحه حول الفصائل وطردها من سورية واعتقال قياداتها وكادراتها وسوقهم إلى المحاكم والتي في أغلبها هي من المكوّنات الرئيسية والأساسية للمقاومة الفلسطينية، التي لا تزال ترى في المقاومة خلاصاً للقضية الفلسطينية وتحقيق الانتصار على العدو، وتحرير فلسطين.
في العودة إلى مكامن الخطر في المضبطة أستطيع تلخيصها بالآتي:
ـ إسقاط مسألة المساواة بين المواطن السوري واللاجئ الفلسطيني في المجالات الوظيفية والمهنية والعلمية، من خلال تجميد العمل بالقانون «260 الصادر في العام 1956»، وبالتالي حرمانه من الترشح في كافة الاتحادات والنقابات والتدرّج الوظيفي.
ـ تجريد الفلسطينيين من كافة الامتيازات الممنوحة للفلسطينيين بما فيها الملكية العقارية، ومجانية التعليم والصحة. وحصرها فقط بالسوريين.
ـ إسقاط حقوقه المدنية والقانونية، عبر المطالبة بتجريده منها، ولأي سبب كان.
مما يعني أن على الفلسطيني أن يختار بين أمرين أحلاهما مرّ، أما البقاء تحت وطأة الظلم والمعاناة والعنصرية التي يُنادي بها فهد المصري وما يُمثل، أو المغادرة والبحث عن ملاذ أخر يأويه وأسرته بعيداً عن سورية باتجاه المنافي البعيدة.
ستبقى مضبطة المصري الناكرة لأبسط علاقات الاخوة التي تجمع الشعبين الشقيقين السوري والفلسطيني ووحدة المسار والمصير بينهما، تعبير حقيقي عن انخراط أصحابها في مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، لصالح أهداف «إسرائيلية « في تكريسها «الدولة القومية للشعب اليهودي». وستبقى أيضاً أضغاثاً أحلام من صاغوها ويسوّقونها، لسبب بسيط هو أنّ سورية بإرثها الوطني والقومي والعروبي ستظلّ حاضنة للقضية الفلسطينية شعبها ومقاومتها، حتى تتحقق تطلعات أمتنا العربية في انتصارها على الكيان الصهيوني الغاصب، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على كامل ترابنا الوطني. وسيبقى الشعب الفلسطيني يحفظ لهذا البلد العربي المقاوم كلّ ما قدمه في سبيل قضيته ومقاومته.