من الإبداع القوميّ
محمد يوسف حمود
من زنوبيا
يا بوادي الشآم، لوعك الهجر
فميلي على مدى اللاحدود
ما تبقّى من أمسك السمح إلا
خطراتٌ، مع السراب البعيد
أين زحف الكماة، في عالم الفتح
وعزُّ القنا، وكبر البنود؟
أين تلك الجحافل الغر، تختال
اعتزازاً بملكها الممدود؟
أين، أين الصيد الأباة، يلاقون
بنيهم من الأباة الصيد؟
أقبل الركب، يا رمال استفيقي
واستعيدي ذكراكِ طيَّ العهود
أقبل الركب، ضاحكاً للأماني
يتهادى… على الطريق المديد
يستردّ الذكرى… ويستنطق البيد
ويهفو لحلمه المنشود
كلما شام خيمة في الروابي
قال: يا مرحباً بصرح الخلود
أقبل الركب، فاستحثي خطاه
واسفحي دونه غرور الحدود
أنت يا بيد، كوفية الشرق
فتيهي، على الزمان، وميدي
أنت خفق المنى، وأغنية العزّ
وفيض من التراث المجيد
أنت فخر لنا، إن افتخر الناس
بماض نأى… وآت عتيد
أنت، وِرد الزمان، يا مشرق الهدْي
ففيضي على الزمان وجودي
يا بوادي الشآم، طوباك بالركب
وبالمجد يزدهي من جديد
يا بوادي الشآم، بشراك، عدنا
نحن يا أخت، للجهاد، فعودي
عودةً، من زنوبيا، في مدى
الخاطر… يوم انطلاقه المشهود
نحن عدنا… ترفّ كوفية الفتح
علينا، بالسؤدد المعهود
وعقال الخلود، ما فوق جبهتنا
السمراء، زاهٍ بنصره المعقود
نحن عدنا… وعاود الوطنَ الأمَّ
انتفاضٌ ليومه الموعود
تلك الزنابق
صنوان… ليس كمثلها إلاهُ:
ألأمُّ في إبداعها… والله
سبحانه، والكون بعض حروفه
ماذا أقول أنا بسفر مداه؟
وأنا الذي أمشي، لأدرك مَن أنا
الإنسان، تحت الشمس، في دنياه
غفرانك اللّهمَّ… لولاها، أنا
ماذا؟.. وكيف خلقتني لولاه؟
إثنان للإنسان، ما أسماهما
ربّين بعد إلهه: أبواه
حملتْه في أعماقها… وهْناً على
وهن… وشقت قلبها لتراه
من روحها المثلى، تملّت روحه
وبنور عينيها ارتوت عيناه
حتى إذا ما دبّ… قالت: ليتني
وجه التراب… ترفّ بي قدماه
ما للفتى؟.. عما يفتش؟.. سله ماذا
قد أضاع؟.. لعلنا نلقاه
ماذا على الآفاق؟.. ماذا يا ترى
في العنفوان من الحياة عَراه؟
عيناه في المجهول عالقتان
كالمجنون… ضيّع وعيه ونهاه
قدماه سادرتان… في خطواته
تيهٌ تملَّك قبلَه مَن تاهوا
ويداه سائلتان… يسراه تَرى
ما لا ترى في سؤلها يمناه
وبفيه تمتمة الرؤى… أُحجية
ضاقت بفكِّ حروفها شفتاه
هي، يا دلالَ القد… أحلى ما رأى
بين الزنابق… في ربيع رؤاه
في خصرها الغنجُ الحييُّ… وصدرُها
شممٌ، تلفت للذرى نهداه
ولحاظها، شطآن بحر رافلٍ
بالضوء… تحلم تحته الأمواه
لا تبعدي… فلأنتِ بعض ضلوعه
سلختْكِ عنه يد الذي سوّاه
حتى يضجَّ الشوق فيك… وتنتهي
بكِ لهفة اللقيا إلى لقياه
نشتاق لقياكنّ في لبنان… يا
تلك الزنابقِ… يا افترار رباه
نشتاق لقياكنّ… انتنّ الندى
المتلألئُ القطراتِ فوق حلاه
فانثرنَ، في الأجواء، ما فيكنّ من
عطر… يُشّع بنوركنّ شذاه
أنتنَّ للوطن اللبوءاتُ التي
إن يدعُها تنفر… وتحمِ حماه
مكنّ ذاتُ التاج في قرطاضة:
أليسار… مجدٌ صوتكنّ صداه
وزنوبيا في تدمر… سيفٌ على
الدنيا… أهاب بسوريا حدّاه
فإذا البطولة، باسمكنّ، روايةٌ
تروى… وتاريخٌ لكنّ… وجاه
فاهتف للوطن الأبيّ، يثرْ على
عبء الزمان… وتنتفضْ كتفاه
وَيصِحْ بأشباه الرجال أن اغربوا
عن ناظريّ… ويَلتفتْ لفتاه
وفتاه، مَن أعطاه كلّ حياته
إنّ الأمين يردّ ما يعطاه
وطناه… لولا غُصةٌ… غنيتُ ما
آذار، في ميلاده، غنّاه
لكنْ… وفي لكنْ… حكايةُ أمة
ثكلى… وأرز ينحني وجباه
وطني… وأبناء الحياة براعم
غدُك الربيع السمح… يا وطناه