مصر أمام تحدّي تمرّد مسلّح
حميدي العبدالله
لم تعد الهجمات التي تتعرّض لها مصر على أيدي تحالف «الإخوان المسلمين» والتنظيمات الإرهابية مجرّد عملية إرهابية منفردة، أو أعمال ضغط سياسية محدودة، بل إنها تحوّلت إلى تمرّد مسلّح بكلّ ما للكلمة من معنى، تمرّد يشبه التمرّد الذي واجهته ولا تزال تواجهه سورية، محذوفاً منه تفعيل استثنائي ناجم عن الدعم الدولي والإقليمي الذي يقدم للمتمرّدين في سورية، في حين يقتصر هذا الدعم في مصر على عدد محدود من دول المنطقة، وتحديداً قطر وتركيا وغضّ نظر غربي.
وتحوّل الأعمال الإرهابية إلى تمرّد يمكن ملاحظته من خلال مؤشرين رئيسيين:
المؤشر الأول، اتساع نطاق الهجمات المسلحة لتغطي كامل الجغرافية المصرية حتى أنه يلاحظ تباين عنف الهجمات وتطوّر الوسائل المستخدمة، ومستوى الأذى الذي تخلّفه، حيث أنها تصل إلى مستوى خطير جداً في شبه جزيرة سيناء ويتضاءل كلما تمّ الاقتراب من مناطق الوجهين القبلي والبحري في مصر. وباتت بعض الهجمات المصحوبة بحشد بعض الأنصار في أحياء لا تزال تشكل حاضنة للتحالف المناهض لنظام حكم الرئيس السيسي، تشكل تهديداً يخشى معه سيطرة الجماعات المعارضة على بعض الأحياء كما جرى في حيّ المطرية في 25 كانون الثاني الماضي، وتزامن مع مجموعة واسعة من الهجمات بقنابل محلية الصنع في المدن الكبرى، وتحديداً القاهرة والجيزة والإسكندرية كما حصل في 3 شباط الحالي.
المؤشر الثاني، دعوة جماعة «الإخوان المسلمين»، عبر وسائل إعلامها المنتشرة في تركيا وبعض البلدان الغربية، للديبلوماسيين والسياح لمغادرة مصر فوراً تحت طائلة المسؤولية، الأمر الذي يعبّر عن انتقال جماعة «الإخوان المسلمين» إلى العمل العسكري صراحةً، وليس مواربةً والتلطي وراء بعض التنظيمات التكفيرية كما كان يحصل حتى وقت قريب. وقد برّرت هذه الجماعة اللجوء إلى العمل العسكري بذريعة أنّ النظام جعل هذا الخيار خياراً وحيداً، وهي ذاتها الحجة التي برّرت بها هذه الجماعة وحلفاؤها في المنطقة والحكومات الغربية، لجوءها إلى تسليح المعارضة السورية ودعم وتبرير هجماتها الإرهابية.
لا شك أنّ هذا التطوّر يضع مصر أمام تحديات تمرّد مسلّح مكتمل الأركان والقدرات، وهذا يمكن التعرّف عليه من خلال ملاحظة الوقائع الآتية:
أولاً، وجود انقسام شعبي حقيقي، وفشل السلطات المصرية في عزل وتعرية التنظيم الإخواني، الذي لا يزال قادراً على تحريك فئات شعبية في مناطق واسعة في مصر، بما يساعده على تجنيد المزيد من الشباب المستعدّ للانخراط في أعمال إرهابية.
ثانياً، ضمور القاعدة الشعبية المؤيدة للنظام، ولا سيما بعد الانتخابات الرئاسية، ووقوع انشقاق واضح بين مؤيدي الرئيس السيسي، وبعض القوى التي شاركت في حراك 30 حزيران والتي تناهض سياسة «الإخوان المسلمين».
ثالثاً، محاباة النظام الجديد لرموز نظام مبارك، ولا سيما الرموز الأكثر مسؤولية عن حقبة حكم مبارك، الذي أوحى لقطاعات واسعة من الرأي العام المصري أنّ ثمة عودة إلى النظام القديم عبر رموز الصف الثاني في هذا النظام.
رابعاً، احتضان الغرب لجماعة «الإخوان» وتقديم الدعم السياسي لها وغضّ النظر عن الدعم المالي، وربما أكثر من المالي الذي تقدمه تركيا وقطر، ولعلّ استقبال الولايات المتحدة لوفدٍ من هذه الجماعة مؤخراً أوضح دليل على هذه العلاقة الملتبسة.