التكامل بين «الأصفر» و«البرتقالي» نموذج للتعميم
محمد حمية
6 شباط، في مثل هذا اليوم من عام 2006 شهد لبنان توقيع وثيقة سياسية مكتوبة بين مكونين لبنانيين هما حزب الله والتيار الوطني الحر عرفت بما سمي وثيقة التفاهم بين الطرفين.
عديدة هي المواضيع التي شكلت محور هذا التفاهم وأهمها الحوار الذي كان البند الأول الذي يتحدث عن أن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لإيجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان، البند الثاني: العلاقات اللبنانية – السورية، الثالث: قانون الانتخاب، الرابع: بناء الدولة، الخامس: المفقودون خلال الحرب، السادس: اللبنانيون في «إسرائيل»، اما السابع: فهو المسألة الأمنية، والثامن والتاسع: يخصان العلاقات اللبنانية – السورية واللبنانية الفلسطينية، اما البند العاشر والاخير: فكان حماية لبنان وصيانة استقلاله وسيادته.
لاقى توقيع هذه الوثيقة تحت الرايتين البرتقالية والصفراء سيلاً من الترحيب والانتقاد في الوقت عينه، ففي حين اعتبرها البعض ركيزة أساسية في بناء لبنان القوي القائم على الشراكة والديمقراطية، رأى البعض الآخر أنها تعبّر عن وجهة نظر ثنائية جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، وأنها تساهم في تشريع سلاح حزب الله.
اطلاق النار الداخلي على هذا التفاهم لم يثنِ حزب الله والتيار الوطني الحر على التمسك بهذا التفاهم والعمل على تطبيق بنود الوثيقة تمهيداً لتعميمها على الشركاء الآخرين في الوطن.
هذا التفاهم أسس لتحالف استراتيجي بين الحزب والتيار عبّر عنه العماد ميشال عون بأنه «ليس تحالفاً، بل هو تكامل وجودي» لكن هذا الحوار أبقى على حق الاختلاف لكل طرف في مسائل ثانوية.
محطات عديدة مر بها هذا الحوار شكلت اختباراً له ولجدية الطرفين أبرزها كان في حرب تموز عام 2006 التي كانت الاختبار الأسرع، فكان وقوف العماد عون الى جانب حزب الله في مقاومته ضد العدو «الاسرائيلي» على رغم التهديدات الكثيرة التي تعرض لها لا سيما ما نقل له من تهديدات عن تعرض منزله في الرابية لغارات جوية «اسرائيلية» خلال الحرب، أما الاخبتار الثاني تمثل في الأحداث الأمنية التي عاشها لبنان في ذروة الانقسام السياسي ما بين فريقي 14 و8 آذار، فشكل عون وتياره الغطاء السياسي والشعبي المسيحي لسلاح المقاومة الذي كان مستهدفاً حينها خارجياً ومن مكونات سياسية في طوائف أخرى.
كما تجلى في اختبار ثالث في مواجهة الإرهاب حيث وقف عون وتياره مجدداً الى جانب حزب الله ومقاومته في مواجهة الإرهاب إنْ في لبنان أو في سورية.
اسئلة عديدة طرحت وتطرح حول هذا التفاهم الآن:
بعد الحوار بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وبين حزب الله و«المستقبل» الحاصل الآن وحوار التيار العوني و«القوات»، هل كان ليحتاج فريق 14 آذار إلى تسع سنوات ليقتنع بأن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لإيجاد الحلول للأزمات التي يتخبط فيها لبنان كما ورد في البند الاول من الوثيقة؟!
وهل إن التفاهم أو التحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله يستمد استمراريته من وجود العماد ميشال عون على رأس التيار أم أصبح حالة فكرية وطنية متجذرة في الوجدان المسيحي على الأقل عند جمهور التيار العوني؟ وإلى أي مدى تأثر هذا التفاهم في شارع التيار بعد عملية المقاومة في مزارع شبعا وكلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير عن سقوط قواعد الاشتباك؟
السؤال الأبرز الذي يطرح: إذا كان حزب الله ربح من هذا التفاهم غطاءً مسيحياً لسلاحه فما الذي ربحه العماد عون وتياره؟
«مرشحنا لرئاسة الجمهورية أول حرف من اسمه العماد ميشال عون» كلمات قالها السيد نصر الله منذ ان فتحت معركة رئاسة الجمهورية ومن باب الوفاء للحلفاء ابلغ حزب الله كل المعنيين في لبنان واللاعبين الدوليين والاقليميين في هذا الملف بأن اذهبوا وتحاوروا مع عون.
عضو كتلة التغيير والإصلاح النائب زياد أسود يجيب عن هذه الأسئلة في حديث مع «البناء» بالقول: «سبقت توقيع الوثيقة حالة بدأت تتجسد اولاً بين شخصين هما العماد عون والسيد نصر الله بطبيعتهما وبسلوكهما السياسي وبممارستهما وبفكرة المقاومة ونضالاتها والحق الانساني والحفاظ عليه، وبالتجربة والوقت توسعت رقعة هذا الالتقاء الى شرائح المجتمعات، فبدأت تنسجم معها وتتطور لتتلاقى على أفكار أساسية يحملها الرجلين منها فكرة السيادة وقوة لبنان والمقاومة ضد كل عدوان والقمع والاعتداء وعلى الكرامة الانسانية والكرامة الوطنية».
التفاهم بين الحزب والتيار خلق ثقافة سياسية جديدة بين مكونات عجزت شخصيات وظروف كثيرة عن التقائهما، هكذا يوصف أسود هذه العلاقة، ولكنه يعتبر في الوقت نفسه أنها تحتاج مع الوقت الى مزيد من التعمق والممارسة وتصويب بعض الشوائب التي يمكن ان تحصل في الممارسة السياسية لتصبح اكثر متانة وتصبح نموذجاً لكل المكونات في لبنان ليتمثلوا بها لا ليصوبوا عليها لتشويه صورتها».
وأكد أسود أن هذا «التفاهم ردم هوة كبيرة بين اللبنانيين خلقتها الحرب اللبنانية والدول التي تتعاقد مباشرة عبر الطوائف والزعامات والميلشيات، فراحت المجتمعات تنخرط وتندمج أكثر وأكثر والجنوب شكل نموذجاً مهماً جداً لما نقوله».
رفض أسود وضع هذه العلاقة في ميزان الربح والخسارة، فاعتبر أن «التيار الحر ربح فكرة المقاومة لأننا ابناء مقاومة وفكر ورفض القمع والقهر والتعدي، فمبدأ الربح والخسارة تفكير سطحي للذين يقرأونه من زاوية سطحية لتشويهه، يجب ان يدرك هؤلاء انهم يعيشون في المنطقة على حماية انفسهم وعندما تتخلى الدولة عن مؤسساتها وتتدخل الدول الغربية في مؤسساتنا لتجعلها غير قادرة على الدفاع عن نفسها يجب ان يكون في فكر المواطن اللبناني المسلم والمسيحي أساس وجوهر هو ان يستلم زمام الأمور بيده ويقاوم ويناضل ويستشهد للدفاع عن نفسه ووطنه».
وأضاف أسود أن «النموذج الذي قدمته المقاومة اللبنانية ومقاومة حزب الله والنموذج النضالي الذي قدمه التيار الذي كان احياناً عسكرياً واحياناً سلمياً يتلاقيان على فكرة رفض سحقنا وقمعنا وإلغاء هويتنا».
ربما يكون تمسك حزب الله بترشيح عون للرئاسة هو الثمن الذي ربحه عون من تفاهمه مع الحزب، لكن الثمن الأكبر هو بإنقاذ الجمهورية وإعادة التوازن والشراكة الى لبنان واستعادة الدور المسيحي الذي يبدأ بانتخاب رئيس قوي يمثل المسيحيين واللبنانيين معاً، فهل قطف عون الآن ثمرة التفاهم مع حزب الله!
شدد أسود على أن تمسك الحزب بترشيح عون ليس احدى ثمرات التفاهم، بل احدى ركائزه، «لأننا عندما نتحدث عن مقاومة وبناء دولة ومؤسسات ورفض التعرض للسيادة والسلم الأهلي والعيش المشترك والحقوق والتوازن والشراكة وصيانة الدستور والدولة، وهذه كلها وردت في الوثيقة، يعني اننا نتحدث عن تلاقٍ ما بين المؤسسات في سلطة المسؤولية والقرار، واعتقد أن حزب الله منسجم جداً مع وثيقة التفاهم وكيفية الوصول الى تطبيق بنودها التي هي بنود جامعة ووطنية لا تلغي احداً وتحفظ حقوق الجميع وأهمها سلطة الدولة ومؤسساتها».
اعتبر عضو المكتب السياسي لحزب الله غالب أبو زينب في حديث لـ«البناء» أن «فكرتنا منذ توقيع الوثيقة كانت الوصول الى حلول للمشاكل الداخلية عبر حوار منفتح يسمع للآخر ويتعاطى معه بإيجابية، أما الآن اثبتت الايام والوقائع أن كل الرهانات والوعود التي قدمها الخارج لفريق داخلي لم تستطع ان تصل الى نتائج ما دفعها الى ان تصبح أكثر إدراكاً لأهمية الحوار الداخلي وللدفاع عن حدود الوطن من الارهاب التكفيري».
وأكد أبو زينب بأننا «نرشح عون للرئاسة لقناعتنا التامة بأهمية قيادته للمرحلة ومناقبيته الوطنية، فمجموع هذه الصفات دفعتنا الى أخذ موقفاً يؤيد عون كرئيس جمهورية وطني».
وأيد أبو زينب كلام اسود بأن «تمسك حزب الله بهذا الترشح هو احد المعابر والركائز الاساسية للتفاهم».
وجزم أبو زينب بأن «ليس هناك من لبناني لا في الشارع المسيحي ولا الاسلامي يقبل بأن يكون لبنان ضعيفاً او يرفض أن يدافع عن نفسه، وهكذا المقاومة تدافع عن نفسها وعن لبنان ودورها يكمن في الدفاع عن لبنان وحمايته بانتظار استكمال الاتفاق على ما سمي استراتيجية دفاعية وطنية، فحزب الله منسجم مع نفسه وطروحاته».
وشرح أبو زينب الصعوبات التي تعترض استكمال تنفيذ بنود الوثيقة واعتبر «ان لبنان يعيش مخاضاً قاسياً منذ توقيع هذه الوثيقة كما نمر بمرحلة حساسة جداً في المنطقة ومع مرور الوقت تزايدت المخاطر نتيحة الوجود التكفيري ما دفع الجميع الى ترتيب الأوضاع الداخلية، لكن في الوقت نفسه هناك عمل دؤوب لتنفيذ بنود الوثيقة لكن ليس بمقدار طموحنا كحزب الله وكتيار وطني حر لكن الظروف خارجة عن ارادتنا».